الروائية التركية إليف شفق: صعود اليمين المتطرف صدام ثقافات وليس حضارات
الروائية التركية إليف شفق أوضحت أن علماء السياسة أبدوا منذ فترة طويلة اهتماما كبيرا فقط بالبيانات القابلة للقياس ونسوا الثقافة
اعتبرت الروائية والأكاديمية التركية، إليف شفق، أن موجة صعود اليمين المتطرف في دول أوروبا وغيرها هو صدام بين الثقافات وليس الحضارات.
وقالت في مقال رأي نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية، عشت جزءا من طفولتي في أنقرة وجزءا منها في مدريد، كان التنقل بين إسبانيا وتركيا في أوائل الثمانينيات تجربة غريبة.
لقد عادت إسبانيا مؤخرًا إلى الديمقراطية بعد سنوات من الديكتاتورية، وشهدت تركيا انقلابا عسكريا آخر، وكلا البلدين كان على هامش أوروبا، وليستا جزءا من الاتحاد الأوروبي.
- الانتخابات الإسبانية.. توقعات بتصدر رئيس الحكومة وصعود اليمين
- رئيس وزراء إسبانيا: سنشكل حكومة موالية لأوروبا
وأضافت: يقال إن "أوروبا تنتهي في بداية جبال البرانس"، ولكن إذا كانت سلسلة الجبال الممتدة بين فرنسا وإسبانيا تعتبر حدودا، فإن الحدود الأخرى هي مياه البوسفور، غالبا ما شعرت كما لو كنت أسافر من أحد أطراف أوروبا إلى الطرف الآخر.
وذكرت أن إسبانيا التي عايشتها كانت نابضة بالحياة ومرحبة ودافئة القلب. وعلى الرغم من تمتمات مؤيدة لفرانكو (فرانسيسكو فرانكو جنرال إسباني حكم إسبانيا) من الأجيال الأكبر سنا، تبنت إسبانيا الديمقراطية، معربة عن رغبتها أن يحذو بلدها الأم (تركيا) حذوها.
واستدركت بالقول، لكن ردة فعل السلطة الذكورية كانت لا تزال مستترة تحت السطح، والحروب الثقافية كانت جارية، والانتخابات العامة الأخيرة (في إسبانيا) أوضحت ذلك تماما. فلأول مرة منذ عام 1978، حقق حزب يميني متطرف مكاسب ضخمة.
وأوضحت، أن حزب "فوكس" (يميني متشدد معادي للمهاجرين والمسلمين) تمكن من الحصول على 10.26 ٪ من الأصوات. وبالتالي أصبح الحزب، الذي تأسس في عام 2013، الحركة الأسرع نمواً في البلاد.
وتابعت: لقد افترض علماء السياسة بعجرفة ذات مرة أن ثمة بلدان حيث لن تستطيع الفاشية أن ترفع رأسها القبيح مجددا. وبعد أن مرت ألمانيا وإسبانيا، بأهوالها، كان يعتقد أنها محصنة ضد الوعود الكاذبة لليمين المتطرف، ولكن بعد ذلك، جاء حزب "البديل لألمانيا"، والآن "فوكس"، لتثبت لنا مدى خطأ تلك الافتراضات.
وأشارت إلى أن ما يبيعه "فوكس" يشبه بدرجة ملفتة الحزمة التي يتبناها القوميون الشعوبيون في أماكن أخرى، وهي معاداة الهجرة، ومناهضة التنوع، وشوق عدواني لماض أسطوري ذهبي.
وزادت: باعتباري قادمة من تركيا، فإن خطاب الكراهية للمرأة في الحركة الإسبانية مألوف للغاية بالنسبة لي. تماما مثل حزب "العدالة والتنمية" (الحاكم) في تركيا، يريد "فوكس" تحويل وزارة الشؤون الجنسانية الحالية إلى وزارة للأسرة. التحول في الكلمات مهم، فبدلا من النظر إلى التمييز بين الجنسين والتفاوت المؤسسي بين الجنسين، ينصب التركيز الجديد على "القيم العائلية التقليدية".
ولفتت إلى أنه حتى وقت قريب، كانت إسبانيا تعتبر واحدة من الدول القليلة التي حققت مكاسب ضخمة في المساواة بين الجنسين، ونحن نعلم الآن أنه حتى في مثل هذه الدول، يمكن أن يعود التاريخ إلى الوراء.
وأردفت: حتى المتحدث باسم الحزب فرانسيسكو سيرانو، وهو قاض سابق، زعم أن هناك إبادة جماعية ضد الرجال، معتبرا أن معدلات الانتحار المرتفعة هي دليله. وهذا هو حال آلة الدعاية اليمينية المتطرفة، استغلال مشكلة لتحقيق مكاسبهم السياسية الأنانية.
ووفقا للروائية التركية، عُقد في إيطاليا "مؤتمر حقوق الأسرة" اليميني المتطرف، حيث كان وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني وزعيم عصبة اليمين، المتحدث الرئيسي، وانتقد في كلمته جماعتين: مناصري المرأة والمهاجرين. ويعتقد سالفيني أن انخفاض معدل الخصوبة هو "عذر" للهجرة، وبالتالي، يجب على النساء الإيطاليات إنجاب المزيد من الأطفال.
وفي المجر، قام رئيس الوزراء فيكتور أوربان، الذي يقدم حوافز مالية لزيادة معدل المواليد، بحظر الدراسات الجنسانية (التي تعنى بالجنسين) في الجامعات.
وانتقلت إلى الحديث عن مسقط رأسها، بالقول إنه في تركيا، يعتبر الرئيس رجب طيب أردوغان تنظيم الأسرة مؤامرة ضد الأمة التركية العظيمة، ويصف النساء اللائي ليس لديهن أطفال "بالعجز".
وارتأت شفق أنه من المفارقة أن يقود هذا الجيل من القوميين الشعبويين الطريق إلى التعاون السياسي الدولي، يحيث أنهم ينسخون تكتيكات بعضهم البعض، ويكررون سياساتهم (يريد اليمين المتطرف الجديد في إسبانيا بناء جدار على طول الحدود بين المغرب وسبتة لإبعاد اللاجئين)، وكثيراً ما يرسلون إلى بعضهم بعضاً رسائل دعم دافئة.
ومضت بالقول: إذا كان أي شخص يشك في طبيعة التحولات السياسية التي نشهدها في جميع أنحاء العالم، فلا يحتاج المرء إلا إلى النظر إلى الاشتباكات العنيفة خارج السياسة وفي ثقافتنا، من فرنسا إلى إيطاليا وبلجيكا إلى النمسا.
نوهت إلى أن علماء السياسة أبدوا منذ فترة طويلة اهتماما كبيرا فقط بالبيانات القابلة للقياس، ونسوا أن الثقافة، رغم صعوبة تحليلها، أمر بالغ الأهمية.
واختتمت بالإشارة إلى أنه خلافا لتنبؤات الأكاديمي الأمريكي صموئيل هنتنجتون، فإن العالم لا يخوض "حرب حضارات"، ما نواجهه أكثر تعقيدا وتفاوتا. إنه عصر ألف صدام ثقافي، وهذه المعارك تدور داخل البلدان، وليس بينها. إنهم يمزقون مجتمعاتنا ويستقطبون السياسة إلى درجة أنها ستتغير إلى الأبد.