تحالف الدول العربية الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب أثبت أنه وجد ليبقى، وأنه سيظل عصيا على الانكسار.
أبرزت الجولة الخارجية الأخيرة لولي عهد المملكة العربية السعودية بعض الحقائق التي حاول البعض تناسيها، وأعادت التأكيد على بعض الثوابت والمسلمات التي توهم البعض أن بإمكانه طمسها أو تغييرها أو المساومة عليها استغلالا لأزمة طارئة، ولعل أبرز مكتسبات الجولة العربية الأخيرة للأمير محمد بن سلمان هو ما أثبتته من أن تحالف الدول العربية الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب وجد ليبقى، وأنه سيظل عصيا على الانكسار مهما كانت قسوة الظرف الإقليمي ولا أخلاقية بعض فاعليه، وذلك بعدما أفشل مؤامرات إجهاضه، وبعدما أثبت صلابته وقوة اتحاده في مواجهة أصعب التحديات منذ نشأته، فرفض بشكل قاطع المساومة على مبادئه التي تؤكد ضرورة التصدي للأفكار المتطرفة والجماعات والتنظيمات الإرهابية، ورفض محاولات الهيمنة من بعض الدول الإقليمية غير العربية والتصدي لمحاولاتها التدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها وتهديد أمنهم واستقرارهم، وهي المبادئ التي ترجمت إلى سياسات محددة تمثلت في مقاطعة الدولة العربية التي تدعم الإرهاب، وتمول جماعاته، وتوفر له الغطاء السياسي والأذرع الإعلامية، وفي دعم جميع الجهود الدولية التي من شأنها وضع حد لمشروع الهيمنة الإيراني في المنطقة.
اجتماع ولي العهد السعودي مع قادة دول مجموعة الـ20 بكل ثقة وحضور حظي بمتابعة واهتمام العالم، رسالة فحواها أن محمد بن سلمان ليس خيارا سعوديا فحسب، بل خيار عربي يحظى بدعم لا محدود ولا مشروط، وأن من لا يحترم اختيار الشعب السعودي فلن يواجه السعودية وحدها.. بل سيواجهنا معها.. "فلن تجدونا إلا سويا"
توهمت قطر أن الجريمة الجنائية التي أسفرت عن مقتل المواطن السعودي جمال خاشقجي قد تسفر عن انفراط عقد تحالف الاعتدال العربي تحت وطأة تداعيات حملات الضغط والابتزاز التي غزتها وسائل الإعلام القطرية والتركية، وتوهمت أن هذه الجريمة قد تمثل مخرجا لها من أزمة مقاطعتها دون أن يتوقف دعمها للإرهاب ودون أن تفي بأي من الشروط الثلاثة عشر التي وضعتها الدول الأربع لإنهاء مقاطعتها، وتوهمت تركيا أنها وجدت أخيرا مخرجا من مشاكلها السياسية وأزماتها الاقتصادية الطاحنة، كما توهمت إيران أن هذه الجريمة سوف تساعدها على تمرير مخططها الطائفي لابتلاع اليمن والتلاعب بلبنان والاستقرار في سوريا والعبث بأمن البحرين، وأنها ستساعدها في تقويض الجهود الأمريكية المدعومة عربيا لعزلها واحتواء خطرها ومشروعها التوسعي في المنطقة، لكن جاءت حفاوة الاستقبال غير المسبوق لولي العهد السعودي في أبوظبي والمنامة والقاهرة، لتثبت أن ما خيل إلى الدوحة وأنقرة وإيران كان مجرد أضغاث أحلام، لن يسمح لها أحد بأن تتحول إلى حقيقة، حيث تم استقبال الأمير محمد في الدول الثلاث كما لو أنه يزورها للمرة الأولى، وكان الاحتفاء الشعبي مصاحبا للتكريم الرسمي، ففي الإمارات استقبله نائب رئيسها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بقصيدة شعر تعبر عن وقوف بلاده حكومة وشعبا إلى جانب السعودية وقيادتها في مواجهة أبواق الفتن، وتقدم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مستقبلي ولي العهد السعودي في أبوظبي، وفي المنامة منح أعلى وسام بحريني وهو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة من الدرجة الممتازة، تقديرا لجهوده المتميزة في دعم وتعزيز علاقات البلدين الشقيقين وتطوير التعاون الثنائي، وفي مصر استقبله شعبها بالترحيب في ميدان التحرير بعد أن استقبله رئيسها في المطار متجاوزا قواعد البروتوكول، وفي العواصم الثلاث جرى التأكيد على بعض الحقائق، أولها وجود رفض رسمي وشعبي للحملات الممنهجة التي تستهدف النيل من دور المملكة الإقليمي والدولي، وثانيها أن وقوف الدول الثلاث في صف واحد مع السعودية هو خيار الماضي والحاضر، وسيظل هو خيار المستقبل، باعتباره نهجا ثابتا نابعا من الإيمان التام بوحدة المصير المشترك، وثالثها تمسك الدول الداعية لمكافحة الإرهاب بشروطها لإنهاء مقاطعة الدوحة من دون أي تنازل، ورابعها رفض أي ممارسات تسعى إلى زعزعة أمن واستقرار دول الخليج العربية ومواجهة التدخلات الإيرانية في الشؤون السيادية لدول المنطقة.
وهنا كانت الرسائل من العواصم الثلاث واضحة وجلية، أبرزها أن لا شيء في سياسات هذه الدول سيتغير تحت وطأة أزمة عابرة، ولا عودة لعقارب الساعة إلى الوراء، ولا انفراط لعقد التحالف الرباعي مهما كانت الضغوط، ولا مساومة على المبادئ مهما بلغ مدى الابتزاز سياسيا واقتصاديا، ولا تصالح مع الإرهاب مهما بلغت حملات التشويه، ولا حل لأزمة قطر إلا في الرياض، ولا انشغال عن مشروعات الهيمنة الطائفية أو سكوت على محاولات أصحاب المؤامرات لخلق الفوضى وتقويض استقرار المنطقة، وفي النهاية تبقى الرسالة الأهم التي أرسلها قادة الدول الأربع إلى بقية دول العالم، والتي تردد صداها بقوة في الأرجنتين، حيث إن اجتماع ولي العهد السعودي مع قادة دول مجموعة العشرين بكل ثقة وحضور حظي بمتابعة واهتمام العالم، رسالة فحواها أن محمد بن سلمان ليس خيارا سعوديا فحسب، بل خيار عربي يحظى بدعم لا محدود ولا مشروط، وأن من لا يحترم اختيار الشعب السعودي فلن يواجه السعودية وحدها.. بل سيواجهنا معها.. "فلن تجدونا إلا سويا".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة