شيئاً فشيئاً تتضح نوايا الجماعات الإرهابية في غرب أفريقيا.
إنهم لا يقدمون أبداً إشارات مسبقة حول أهدافهم، وللتعرّف على توجّهات قادتهم، يتعين علينا، في معظم الأحيان، انتظار تنفيذهم هجمات أو على الأقل معرفة مكان وجودهم حتى نتمكن من إجراء تحليل مناسب.
في الأيام الأخيرة من شهر مارس/آذار الماضي، هاجموا للمرة الثانية كوت ديفوار. وبعد أيام قليلة نشر تنظيم القاعدة على قنواته خريطة لوجود عناصره بالساحل، حيث ظهر شمال كوت ديفوار محتلاً من طرف الجماعة.
وكانت كتيبة "ماسينا"، التي يتزعمها المالي، أمادو كوفا "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة في منطقة الساحل"، مسؤولة عن تنفيذ الهجمات في كوت ديفوار. واقتحم الإرهابيون موقعاً عسكرياً في كافولو ومركزاً للدرك في مدينة تيهيني، وكلاهما يقع بالقرب من الحدود مع بوركينا فاسو. الجانب الإيجابي هو أنه تمّ صد الهجوم، رغم تسجيل 3 ضحايا.
وقبل ذلك بأسابيع، أي في 11 يناير/كانون الثاني الماضي، استهدفوا موقع كافولو لأول مرة، ما أسفر عن مقتل 13 شخصاً في ذلك الهجوم. ومن المحتمل أن يكون فرع القاعدة يجس نبض الجيش الإيفواري لاختبار قدرته على الرّد. وتُشير استخبارات كوت ديفوار إلى أن الهجوم قاده سيديبي عبد الرحمن، المعروف باسم حمزة، وهو أحد القادة المُلازمين لأمادو كوفا "كتيبة ماسينا من تنظيم القاعدة في منطقة الساحل، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين أيضا".
وتواصل المخابرات الإيفوارية جمع المعلومات حول الحادث، ومن المعلوم أن المهاجمين ينتمون لمجموعة بيول العرقية، وليسوا من كوت ديفوار، وقد استقروا في شمال البلاد ويعملون كمربّي ماشية في تعايش (سيئ) مع السكان المحليين. وقد تأثر هؤلاء الإرهابيون بخطاب الزعيم الإرهابي لكتيبة "ماسينا" الذي بايعوه.
إنهم يحاولون الحصول على موطئ قدم وقاعدة دائمة في كوت ديفوار، مستغلين التوترات بين الرعاة المحليين وعرقية البيول القادمين من الخارج. وتم نقل هذا الأسلوب من منطقة ماسينا في مالي، حيث تقدم القاعدة نفسها كجهة تحل مشاكل السكان، مع محاباة وتفضيل مصالح عرقية البيول.
هذه هي المرحلة الأولى لتمويل الجماعة. أما المراحل التالية فهي فرض السيطرة على مواقع التعدين التقليدي وتهريب الأخشاب النادرة إن أمكن. ويتم تطبيق نفس المخطط في بلدان مختلفة. في غضون ذلك، يحدث الشيء نفسه في شمال بنين، حيث يوجد "القاعدة" و"داعش" على امتداد 200 كيلومتر من حدودها مع بوركينا فاسو، أين يختبئ عناصرهما في الغابات لتنفيذ إستراتيجية التمويل الذاتي؟
في الوقت الحالي، لا يهاجم الإرهابيون المدن الكبرى كما فعلوا في سوريا والعراق، لكن يجب ألا ننسى أن استراتيجيتهم الجديدة هي حرب الاستنزاف وليس التدمير. شيئاً فشيئاً، تتحكم "القاعدة" مع عرقية البيول في الطرق التي توفّر الماشية إلى الساحل الأفريقي. الطريقة الوحيدة لتخزين البروتين هي من خلال صيد الأسماك، والبضائع التي يتم تفريغها في الموانئ، وهذا يعني أن "القاعدة"، التي تتحكم في وصول اللحوم إلى الموانئ، سيكون لها الكثير من النفوذ، ما لم تتم محاربتها بطبيعة الحال.
في الظرف الراهن، لا تهاجم "القاعدة" مدن الموانئ في غرب أفريقيا وهم يعلمون جيداً أن البضائع التي يتم تفريغها في هذه الموانئ ضرورية ليس فقط لدعم الاقتصادات الساحلية ولكن أيضاً لاقتصادات أفريقيا الداخلية بأكملها. على الرغم من عدم ظهورها، فإن "القاعدة" لها وجود في هذه الموانئ. وبشكل تدريجي، سيحاولون تمرير كل هذه البضائع عبر المناطق غير المستقرة التي يسيطرون عليها، حيث يمكنهم تحصيل الرسوم.
هذه الحرب الجديدة للإرهابيين، التي يسمونها حرب الاستنزاف والتي يفضل الخبراء الغربيون تسميتها الحرب غير النظامية، سيواصل الإرهابيون خوضها باستخدام الأسلحة، لكنهم يتطلعون بشكل متزايد نحو الاقتصاد. والسؤال الذي يُطرح هنا بإلحاح هو: كيف نخوض هذا النوع من الحروب ضدهم؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة