يعيش الشعب الفلسطيني "حالة" من خيبة الأمل والرفض لقرار تأجيل الانتخابات.
الذي أعلن عنه الرئيس محمود عباس، بعد اجتماع للقيادة الفلسطينية بمدينة رام الله، رفضت حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" المشاركة فيه، وهو ما يراه البعض انقلاباً على مسار الشراكة والتوافقات الوطنية، حيث و"لا يجوز رهن الحالة الوطنية كلها، والإجماع الشعبي والوطني لأجندة فصيل بعينه".
إنَّ التفاعل والغضب الفلسطيني الواسع كان متوقعاً نظير الخلافات والانقسامات بين الفصائل، فقد كانت المؤشرات توحي بتوجه الرئيس الفلسطيني نحو تأجيل الانتخابات العامة في ظل الضغوط التي يواجهها من الفريق الضيق المحيط به، وهو ما دفع قوى عدة إلى التحذير من اتخاذ هذه الخطوة وإن تباينت الأسباب حولها، وهو ما ينذر بتسبب قرار تأجيل الانتخابات بانتفاضة، وربما انتفاضات ضد السلطة وضد "سياسة الإقصاء" كما يصفها البعض؛ لأن البعض يرى أن الانتخابات معركة ينبغي أن يفوز بها الفلسطينيون رغم الرفض الإسرائيلي لمشاركة أهل القدس، ولأن المعركة شاملة بما في ذلك القدس، التي لا مجال أبداً لإجراء الانتخابات دون مشاركة أهلها ترشحاً واقتراعاً، ولأن هذه المعركة هي "لمصلحة الفلسطينيين" فلا بد من كسر العناد الإسرائيلي، حيث أن هناك وسائل مختلفة لضمان مشاركة المقدسيين في الاقتراع، بعد أن أصبحوا جزءاً من معظم القوائم الانتخابية التي تسلمتها لجنة الانتخابات المركزية، وقد كانت فرصة استثنائية لتعزيز حضورهم، وتصليب مواقفهم في مواجهة ما يعترضهم من تحديات جسام، واستثمار هذا الموقف لترتيب البيت الفلسطيني، وتعزيز جدران صموده، فالانتخابات "بالقدس" أو "أي مكانٍ في فلسطين" لا تحتاج إلى إذنٍ، أو سماح إسرائيلي.
بالرغم من أهمية تجاوب الفصائل الفلسطينية جميعها مع نداء الشعب الفلسطيني، وإصراره ورغبته في ممارسة حقه في الانتخابات بكل فروعها الرئاسية والتشريعية، غير أن الواقع يشير إلى أن توصل الفصائل إلى مرحلة الموافقة على الانتخابات، خاصة حركتي "فتح" و"حماس"، لم يأتِ نتيجة لرغبة تلك الفصائل باعتباره التزاماً واجباً تجاه الشعب، لكنها استجابة مفروضة جراء الضغوط الداخلية والخارجية، وهي ليست المرة الأولى التي تدرك فيها أنها في مأزق، وأنها مضطرّة إلى طرح بدائل أخرى مغايرة لِتوجهاتها وغاياتها، فالغضب الفلسطيني من السلطة السياسية قبل الانتخابات وبعدها لا يختلف كثيرا، والمناخ الفلسطيني الداخلي ملبد بالغيوم والعواصف، رغم ميثاق الشرف الموقع لتجنب سيناريو انتخابات 2006، وما التأجيل إلا ذريعة لتجنب سقوط حركة فتح المتصدعة والمشتتة والمنقسمة على بعضها، بينما "حماس" المدعومة من تركيا وإيران لم تدخل بقائمة واحدة؛ تجنبا للخسارة، وهو ما يؤكد أيضا أن الطبقة السياسية المأزومة التي تتبوأ المشهد "عاجزة" وتثقل كاهل الشعب الفلسطيني، حيث قدمت البؤس لهم، ونسيت أن في استطاعتها أن تقدم مافيه فائدة لهم، بالإضافة إلى تأسيس مؤسسات سياسية تليق بحالتهم، وتستطيع التعاطي مع الوضع الجديد في المنطقة، فعباس ومَن معه ليسوا سلطة حاكمة في نظر أهل غزة، و"حماس" ليست حارسة الفضيلة السياسية في نظر الفلسطينيين، ومن هنا فإن المشروع الفلسطيني برمته سيواجه تحولات كبيرة، وسواء أجريت الانتخابات أم أجلت حتى إشعار آخر، أو ألغيت، فلن تكون تهيئة لدولة فلسطينية حتى صورية؛ بل هي خطوة نحو تأكيد الانفصال، وسيبقى الوضع الفلسطيني على وضعه الحاضر، حيث تستمر "سلطتا الفشل"؛ حركة فتح في حكم الضفة الغربية بفوز أو دون فوز، وكذلك ستفعل حركة حماس في حكم قطاع غزة، وكلتاهما ستكون مُؤهلة بالشرعية المزيفة، وجَاهزة للانفصال النهائي وتكريس دُويلتين فلسطينيتين "دويلة في رام الله ودويلة في غزة"، وهو ما سيجعل الوضع والموقف الشعبي للبقاء على ما هو عليه أمراً مستبعداً؛ لأن الشعب الفلسطيني ملّ الشعارات الفارغة والقيادات المهترئة والبرامج الهزيلة وثنائية فخ "فتح" و"حماس"، وبدأ يعي أن سلطة "أبو مازن" لم تعد تفيد، وأن "حماس" ليست مقاومة، بل جلبت لأهلها المهالك باهتمامها بمصالحها "فقط "على حساب الشعب المكلوم، لتبقى الأسئلة المطروحة ماذا بعد تأجيل الانتخابات؟ وهل كان التأجيل ضرورة وصائباً؟ أم هو حق أريد به باطل؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة