إن الإحصائيات التي نشرتها منظمة دولية معنية بمتابعة شؤون الأطفال وحول سوريا تحديداً مخيفة جداً.
فحالات الانتحار بين مَن لم يتجاوزوا سن الـ١٦ عاماً، ارتفعت بنسبة ٨٦٪ خلال هذا العام فقط، والسبب الرئيسي لذلك هو الظروف المعيشية القاسية التي يمر بها الطفل وأسرته نتيجة الحرب السورية المستمرة.
ويقول المطلعون إن خُمس حالات الانتحار المفجعة في سوريا من المراهقين واليافعين، فهذا أمرٌ محزن وصادم للغاية، فما ذنب أولئك الأطفال حتى يكونوا ضحية صراعات محتدمة وخلافات لا تتناسب كماً وكيفاً مع إدراكهم أو معرفتهم؟
إذ عصفت بهم وتعصف رياح الجوع والحاجة وانعدام التعليم والعنف المنزلي، فضلاً عن تزويج القاصرات في بعض الحالات، وكل هذا وذاك غيض من فيض لواقع هذه الشريحة البائسة في سوريا ما بعد الأزمة المدمرة.
لا تتوفر للملايين من أطفال سوريا اليوم، أي مقومات للعيش الكريم، فاللجوء الذي فرض نفسه على عوائلهم، جعلهم يهيمون على وجوههم في مختلف بلدان الجوار، فالعمالة السورية من الأطفال في تركيا تفوق الوصف والتقديرات، وكلها غير خاضعة لسلطة القانون، والأمر ذاته في لبنان والعراق والأردن.
وإزاء تزاحم الملفات والأولويات في سوريا، لا سيما من قبل المجتمع الدولي، لم يحظَ الأطفال بالرعاية الخاصة من حيث البرامج التي تسعى لإنقاذهم من أتون الجهل والضياع والتسول وحتى الانخراط في عمل العصابات الإجرامية والمنظمات المسلحة المتطرفة.
وحين تشاهد معلومات تتحدث عن أن ٦٠٪ من أطفال سوريا اليوم يعانون من سوء تغذية، فهذه فاجعة جديدة تضاف إلى سلسلة المصائب المحيطة بهم منذ نعومة أظفارهم، لأن الغذاء غير الموجود جعل قدراتهم العقلية واستيعابهم الذهني يخف ويضمحل، بحسب آراء الأطباء والمختصين.
ومنطقة شمال سوريا وشمال غرب سوريا، من المناطق الأكثر إحباطاً من حيث كون الأطفال هناك الفئة الأكثر هشاشة في المجتمع، وأطفال سوريا يعيشون هناك ظروفاً غير اعتيادية أبداً، يعجز البالغون الراشدون عن فهمها فكيف بالأطفال؟
والكارثة أكبر من مساهمة بعض المنظمات الدولية التي تحاول تقديم العون بين الفينة والأخرى، فأكثر من ٥ ملايين طفل في سوريا خارج المنظومة التعليمية تماماً، وقد دخل أولئك العقد الثاني من أعمارهم، دون مرورهم بمقاعد الدراسة، وهم الآن بحاجة ماسة لأنواع معينة من الصحة النفسية، التي من المفترض أن تكون موجودة في مثل هذه الحالات.
ولا يكفي القول "أنقذوا الأطفال في سوريا"، بل يتوجب على المجتمع الدولي أخذ زمام المبادرة، والمسارعة لإصلاح هذا الخلل الكبير، وتجنيب الأطفال قدر المستطاع فصول هذه المأساة التي لا توجد مؤشرات إيجابية على قرب زوالها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة