علي محمد.. قصة رجل «القاعدة» الذي خان التنظيم ودعّمه

رجل "القاعدة" باستخبارات أمريكا.. تبدو قصة رجل خان أخطر جماعة إرهابية وأقوى جهاز استخبارات في آن واحد، وكأنها حكاية من عالم الأفلام.
لكنها حقيقة واقعية جسّدها علي محمد، هذا الرجل الغامض الذي لم يكن من بين الأسماء الأشهر في عالم الإرهاب، لكنه دون شك من أكثرهم تأثيرًا وخطورة.
وبحسب تقرير لمجلة "ميليتري" اطلعت عليه "العين الإخبارية"، فقد قدم علي محمد للولايات المتحدة، أول نظرة متعمقة على تنظيم القاعدة في بداياته، وكل ذلك كان يجري في الوقت الذي يقوم فيه بتدريب عناصر التنظيم باستخدام خبراته من الجيش الأمريكي.
وُلد علي محمد عام 1952 لعائلة عسكرية مصرية، نشأ في بيئة محافظة قرب الحدود مع إسرائيل، حيث أسهمت المواجهات والاحتكاكات مع القوات الإسرائيلية في زرع بذور التطرف داخله منذ سن مبكرة.
في ذلك الوقت، كان على قناعة بأن العالم الغربي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، هو العدو الأكبر للإسلام.
وقد صرح لاحقًا لمحققي الـ"FBI" أنه لم يكن بحاجة إلى فتوى دينية لقتال الولايات المتحدة، لأن "عداوتها للإسلام كانت واضحة بما يكفي"، على حد قوله.
خلال خدمته بالجيش المصري، انضم لتنظيم "الجهاد الإسلامي المصري"، وهو التنظيم الذي لعب دورًا محوريًا في التخطيط لاغتيال الرئيس المصري أنور السادات عام 1981، والذي تم تنفيذه بالفعل على يد خالد الإسلامبولي، أحد زملائه في التنظيم.
ومن المفارقات أنه كان وقت اغتيال السادات يتلقى دورة تدريبية في فورت براغ بولاية نورث كارولينا ضمن برنامج للضباط الأجانب.
في عام 1984، اُستبعد من الجيش المصري. عندها تلقى أوامر من زعيمه في تنظيم الجهاد، أيمن الظواهري، بمحاولة اختراق إحدى وكالات الاستخبارات الغربية. وهنا بدأ فصله الأخطر.
تقدم علي محمد طوعًا للعمل مع وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) من خلال مكتبها في القاهرة، فتم قبوله سريعًا، وأُرسل إلى هامبورغ بألمانيا للتجسس على مسجد يعتقد بوجود صلات له مع حزب الله اللبناني.
لكن المهمة فشلت فشلًا ذريعًا، فقد كشف نفسه للإمام المحلي بأنه عميل لـ"CIA". المفاجأة أن الوكالة لم تكن لتعلم بهذا الأمر لولا أن لديها عميلًا آخر مزروعًا داخل نفس المسجد أبلغ عن خيانته.
بعد هذا الفشل، أُسقط اسمه من سجلات الوكالة، وصدرت توصيات بمنعه من دخول الولايات المتحدة، إلا أن تلك التوصيات لم تُنفذ.
وفي عام 1985، دخل علي محمد الأراضي الأمريكية، ليس فقط كمقيم، بل التحق بالجيش الأمريكي في سن 34 عامًا، وتم إرساله مرة أخرى إلى فورت براغ، حيث التحق بقيادة العمليات الخاصة وأصبح مسؤول الإمداد في المجموعة الخامسة للقوات الخاصة.
كان علي محمد يتمتع بكفاءة بدنية وعقلية عالية، وتفوق على جميع زملائه في التدريبات العسكرية. لكنه، خلال تلك الفترة، لم يكن جنديًا أمريكيًا فحسب، بل كان أيضًا عميلاً مزدوجًا نشطًا في خدمة تنظيم "الجهاد الإسلامي".
إذ كان يسرب وثائق عسكرية سرية، بما في ذلك كتيبات تدريبية خاصة بالقوات الخاصة، ومعلومات حساسة عن أماكن وجود الوحدات العسكرية الأمريكية، بالإضافة إلى تفاصيل حول مراكز الإمداد البحري التابعة للبحرية الأمريكية.
في عام 1988، ذهب إلى أفغانستان، خلال إجازته من الجيش، للمشاركة في القتال ضد القوات السوفياتية. وهناك تعاون بشكل مباشر مع المقاتلين، بمن فيهم عناصر من تنظيم القاعدة الناشئ بقيادة أسامة بن لادن. ولم يحاول إخفاء نشاطه، بل عاد إلى الولايات المتحدة حاملاً تذكارات من الحرب مثل أحزمة جنود سوفيات قتلوا في المعارك.
بعد خروجه من الخدمة الفعلية، التحق بالاحتياط في كاليفورنيا وتزوج بامرأة أمريكية، ما منحه غطاءً اجتماعيًا قويًا.
وخلال التسعينيات، كان علي محمد لاعبًا أساسيًا في جميع عمليات القاعدة الكبرى تقريبًا، من تدريب منفذي تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993، إلى التخطيط لهجمات ضد رموز في نيويورك، بل شارك في إعداد المسلحين الصوماليين الذين اشتبكوا مع القوات الأمريكية في حادثة إسقاط مروحية "بلاك هوك".
وفي الوقت نفسه، كان يتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي كمخبر، حيث كشف لهم شبكة تزوير وثائق لصالح حركة "حماس"، لكن المفارقة الكبرى أنه كان يزود الـ"FBI" بمعلومات عن بعض الجماعات الإرهابية، في حين كان في الواقع يساعد تنظيم القاعدة على التوسع وبناء شبكاته.
رغم فشله في اختبارات كشف الكذب، وتحذيرات متكررة من شركائه في الجرائم، لم يتم القبض عليه إلا بعد تفجيرات السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998.
حينها، ألقت السلطات الأمريكية القبض عليه سرًا، ومنذ ذلك الحين يُعتقد أنه محتجز في مكان غير معروف داخل الولايات المتحدة دون محاكمة.
وقد ترددت تقارير غير مؤكدة بأنه يتعاون الآن مع الاستخبارات الأمريكية، ويوفر معلومات عن هيكل تنظيم "القاعدة" وعملياته السابقة، ليبقى أحد أكثر الألغاز غموضًا في تاريخ الحرب على الإرهاب، وشخصًا يشكل درسًا قاسيًا في خطورة اختراق المؤسسات العسكرية من الداخل.
aXA6IDE4LjE5MS4xNTYuMzYg جزيرة ام اند امز