راعية أغنام "أغضبت" يناير.. الأمازيغ يحتفون بالأرض والهوية
بين "سلف العنزة" التي "أغضبت" يناير ونواة جلب الحظ يحتفل الأمازيغ بعامهم الجديد، في طقوس تعكس تاريخا متجذرا واحتفاء بالهوية والأرض.
ففي "بالتيفيناغ" أو يناير أو جانفي تبدأ السنة الأمازيغية التي تتوافق حلولها مع اليوم الـ12 من بداية السنة الميلادية، ومعها تنتشي الذاكرة الإنسانية بمظاهر احتفالية متنوعة تعود بها إلى خبايا التسميات وأسرارها.
وأول يوم من يناير أو جانفي -حسب اختلاف اللهجات الأمازيغية والمغاربية في شمال أفريقيا- تنطلق شارة بداية السنة عند الأمازيغ، ويتوافق مع يوم 12 يناير/كانون الثاني من التقويم الجريجوري، وهذا اليوم يسمى بـ"إيض ناير" أي ليلة رأس السنة الجديدة.
بداية تترافق كعادتها مع احتفالات وطقوس شعبية مشحونة بدلالات رمزية تجسد ارتباط الأمازيغ بأرضهم واحتفاءهم بهويتهم الضاربة في عمق التاريخ، وهم الشعوب الأصلية لشمال أفريقيا.
الأرض هوية
احتفالات تحمل ذات النكهة الخاصة والمحملة بأبعاد تعني الكثير للأمازيغ الذين ظلوا طيلة 30 قرنا متشبثين بمناسبة يفوح منها عبق الأرض وخيراتها، وتكتب بطاقة هوية عابرة للزمن وتحولاته.
ولهذا التاريخ دلالات مختلفة، ففيه يتخلى الطقس عن برده اللاذع ويكتسب اعتدالا نسبيا، وهذا يعني الكثير في عالم الزراعة، فهي بداية تبشر بالعام القادم، وفيها يكون المزارع قد أنهى عمليات الزرع وما يُرافقها، ليرفع أكف الضراعة بالحصول على محصول وفير.
وهو أيضا احتفاء بطعم الأمل والتفاؤل بعام تحل فيه البركة والخيرات على الجميع، في رمزية تعني الكثير للأمازيغ الذين تربطهم منذ القدم علاقة خاصة بالأرض والزراعة والتجارة المتعلقة بها.
ورغم تعدد السياقات، تبقى لهذه المناسبة رمزية كبيرة وأهمية أكبر، خاصة أنها توحد جميع الأمازيغ باختلاف ألسنتهم وأماكن استقرارهم، وحتى القبائل التي اختلطت بالعرب وانصهرت فيها.
والسنة الأمازيغية تبدأ من 950 قبل الميلاد، وبالتالي فإن التقويم الأمازيغي يزيد 950 عاما عن التقويم الميلادي، فمثلا توازي السنة الأمازيغية 2973 السنة 2023 الميلادية.
ويعتقد الأمازيغ أن الاحتفال بيناير يعزز الآمال بسنة سعيدة وناجحة، وبمرور الزمن، وفي ظل مخاوف الاندثار، باتت لهذه الاحتفالات أهمية نوعية للثقافة والهوية الأمازيغية في مختلف بلدان شمال أفريقيا، باعتبارها وسيلة لإرساء وترسيخ الهوية والثقافة المشتركة لشعوب المغرب الكبير.
أصول الاحتفال
يناير هو كلمة مركبة من “ين” وتعني واحد و”ير” وتعني الشهر الأول، وبالأمازيغية “يناير” هي “إخف أوسقاس”، وتعني أيضا أول شهر في الرزنامة الزراعية للبربر الأمازيغ.
ويحتفل بهذا الشهر في أنحاء وبلدان مختلفة من بلدان المغرب العربي (المغرب والجزائر، وتونس وليبيا بشكل أقل)، وأيضا في مالي والساحل بالإضافة إلى نيجيريا.
وللاحتفالات أصول تحتكم في معظمها للمعتقدات الميثولوجية الأمازيغية، والتي تربطها بأسطورة العجوز التي تحدت شهر يناير، فيما تقول أسطورة أخرى إن سكان شمال أفريقيا الأصليين يحتفلون به تفاؤلا بموسم زراعي وافر.
أما الأسطورة الثالثة فتحتفي بانتصار الزعيم الأمازيغي شيشناق على الفرعون رمسيس الثاني في مصر، رغم أن هذا لم يحدث تاريخيا لأن رمسيس الثاني مات قبل ولادة شيشناق بأكثر من 100 عام.
وأيا تكن الرواية الأقرب للحقيقة إلا أن قصة العجوز ظلت الأكثر تداولا في بلدان المغرب العربي، وتقول إن امرأة عجوز استهانت بقوى الطبيعة واغترت بنفسها فأرجعت صمودها ضد الشتاء القاسي إلى قوتها ولم تشكر قوى السماء.
غرور جعلها تتحدى ينّاير (كما ينطقه الأمازيغ)، مع أنه أشد فصول الشتاء برودة، وخرجت مع عنزاتها الصغيرات لطهي طعامها خارج البيت، وهو ما أغضب الشهر ودفعه للتوجه إلى فورار (شهر فبراير) وطلب أن يقرضه ليلة ونهارا حتى يعاقب العجوز على غرورها، فكان له ذلك.
وبذلك، جمّد ينّاير العجوز وعنزاتها، وإلى يومنا هذا يستحضر بعض الأمازيغ يوم العجوز ويعتبرونه يوم حيطة وحذر، ويفضل عدم الخروج للرعي في هذا اليوم مخافة عاصفة شديدة.
احتفالات
مظاهرها كثيرة ومتنوعة كل حسب عاداته وتقاليده، حيث يأخذ الاحتفال نكهة خاصة لدى أمازيغ الجزائر والبلدان المغاربية الأخرى، ويتم إحياؤها بطقوس مميزة وعادات تعكس تقاليد وهوية الأمازيغيين.
وتعد أكلة أوركيمن والكسكس إحدى الوجبات الهامة التي لا تغيب عن الاحتفال.
ومن مظاهر الاحتفال أن يضع الرجال عصيا طويلة من القصب في المزارع والحقول حتى تكون محاصيل السنة الزراعية الجديدة وافرة، فيما يقطف الأطفال الزهور والورود عند مداخل المنازل، ويرتدون ملابس جديدة ويحلق الصغار رؤوسهم.
ويستمر السهر على رقصات "أحواش" وأنغام "الروايس"، وفي اليوم الأول من السنة الأمازيغية تحمل النساء المغاربيات قليلا من "تاكلا" أو "بركوكش" غير مملح إلى مكان خارج القرية، ثم ينصرفن دون أن يتكلمن بعد وضعه في مكان معلوم.
وتسمى هذه العملية "أصيفض" أي إعطاء الجن نصيبه من الطعام، قبل أن يُضاف إليه الملح.
ويمكن أن تجتمع النساء لوحدهن ويذهبن إلى الحقول في ضواحي القرية حيث الربيع الأخضر، ويحملن على ظهورهن سلات ويجمعن مختلف الأعشاب، في خطوة يعتقدن أنها تلون افتتاح السنة الأمازيغية الجديدة بالأخضر، لون الخصوبة والطبيعة والسلام.
وإجمالا، لا تتقيد الاحتفالات بنمط موحد بين الأمازيغ، حيث تختلف من منطقة لأخرى، ففي شرق الجزائر مثلا يحرصون على إراقة دم حيوان يفضل أن يكون ديكا.
فيما لا يشترط وجود ذبيحة في العاصمة الجزائرية، فالمهم حسب المعتقدات السائدة هو أن يكون هناك لحم لحماية العائلة من الأمراض والعين الحاسدة.
aXA6IDE4LjExOS4xMjEuMjM0IA== جزيرة ام اند امز