السنة الأمازيغية.. احتفاء بمحصول الأرض وتشبث بالهوية
عام بعد آخر، وجيل وراء جيل، ظل الأمازيغ طيلة ثلاثين قرناً، مُتشبثين باحتفالات "إض يناير"، التي ترمز للأرض، وتحتفي بمحاصيلها.
وللمناسبة عدة أسماء، "إخف ن أسكَاس" أو "إض أوسكاس" أو "حاكَوزة"، إلا أن التسمية المتعارف عليها هي "إض يناير". والتي تتزامن بشكل دائم، مع الثاني عشر من شهر يناير / كانون الثاني، بالتقويم الميلادي.
ومهما اختلفت التسميات، تبقى الأرض الأصل في هذه المناسبة، إذ هي نهاية سنة فلاحية قديمة، وإعلان أخرى جديدة.
وفي هذا التاريخ، يتحول المُناخ من بارد إلى معتدل نسبياً، وفي عالم الفلاحة يعني ذلك الكثير، فهي بداية تباشير العام الفلاحي القادم، وفيها يكون الفلاح قد أنهى عمليات الزرع وما يُرافقها، ليرفع أكف الضراعة بالحصول على محصول وفير.
"هي أيضا احتفالات بطعم الأمل والتفاؤل"، يقول الناشط الأمازيغي، منتصر إثري لـ"العين الإخبارية"، أمل في عام تحل فيه البركة والخيرات على الجميع.
إلا أنه وإن كان ارتباط الحدث بالفلاحة، الشيء الذي يُعززه ارتباط الأمازيغ منذ القدم بالأرض والزراعة والتجارات المرتبطة بها. فإن إثري يرى لـ"إض يناير" سياقاً تاريخياً آخر، ويتعلق بانتصار أمازيغي قديم.
إذ توجد روايات، وإن شكك فيها بعض المؤرخين، إلا أن لها ما يسندها من كتابات ووثائق، يقول إثري، موضحاً أن هناك من يرجعها إلى تخليد نجاح الملك الأمازيغي شيشونغ أو شيشنق الوصول إلى الحكم بمصر، عام 950 قبل الميلاد.
وأيا كانت السياقات وأسباب النزول، تبقى لهذه المناسبة رمزية كبيرة، وأهمية أكبر، خاصة وأنها توحد جميع الأمازيغ باختلاف ألسنهم وأماكن استقرارهم، وحتى القبائل التي اختلطت بالعرب وانصهرت فيها.
ويؤكد المتحدث أن الاحتفال بالسنة الأمازيغية، يضيف أهمية نوعية للثقافة والهوية الأمازيغية في مختلف بلدان شمال إفريقيا، باعتباره أولا وسيلة لإرساء وترسيخ الهوية والثقافة المشتركة للشعوب المغرب الكبير.
ويضيف منتصر إثري: "يذكرنا بتاريخنا وحضارتنا وهويتنا وتقاليدنا وعادتنا وقيمنا الأمازيغية، وكل ما نتميز به كأمازيغ".
طقوس خاصة
ولهذه المناسبة طقوس احتفال خاصة، تُبدع النساء فيها في إعداد أطباق أمازيغية تاريخية، ويتفنن الرجال إلى جانبهن في أداء أعذب الأهازيج الأمازيغية.
تجتمع الأسر والعائلات، وتبدأ الاستعدادات، على الأقل يوماً عن الحدث، تنهمك النساء في المطابخ، تتقدمهن العجائز لما لهن من خبرة ودراية، يوجهن الأربعينيات ويُصححن أي هفوة في إعداد الأطباق الأمازيغية، أما الشابات والفتيات، فذاك يوم تعلم بامتياز.
وإن نحُل جسدها وتقوس، وتجعدت بشرتها وجفت، وتساقط شعرها وقلت خصلاته. لكن تحرص "الحاجة إيطو" على جمع الأحفاد والأبناء، تدخل المطبخ كشابة في العشرينات، وتقف بذات الشموخ الذي كانت ترعى به أغنامها قبل سنوات في جبال الأطلس، استعداداً لاحتفال قد يمتد لساعات متأخرة.
تسترسل بعبارات أمازيغية، موضحة لـ"العين الإخبارية" كيف كانت تشارك والدتها وأخواتها الإعداد لهذا اليوم الاحتفالي.
تُترجم إحدى حفيداتها قولها، معددة جملة من الأطباق التقليدية التي دأب الأمازيغ على إعدادها في مثل هذه المناسبات.
كنا نعد الكسكس الأمازيغي بسبعة أنواع من الخضار، نُحضر أطباقاً عديدة، أهمها إلبوبرن، بركوكس، تاكلا، العصيدة، وكُلها أطباق أمازيغية تعتمد السميد والفواكه الجافة والزبدة، إلى جانب العسل الحُر، وأملو وهو عجينة بين اللوز البري والعسل الحر.
تستكمل المتحدثة: "هذه الأطباق، ترفق ببعض السكاكر والفواكه الجافة، لإسعاد الأطفال والاحتفاء بهم".
لا نحتفل بالأكل فقط، يقول منتصر إثري، لـ"العين الإخبارية"، بل نُغني ونرقص على الأهازيج الأمازيغية، سواء الموسيقى التقليدية أحواش، أو الموسيقى الأمازيغية العصرية.
احتفال ونضال
تخليدنا لهذه الذكرى السنوية، ليس إحفالا وحسب، بل هو أيضاً نضال لتحصيل المزيد من الحقوق والتسريع بتنزيل الثقافة الأمازيغية واعتمادها في شتى مناحي الحياة اليومية للمواطنين، يورد إثري.
وعلى الرغم من التنصيص عليها لغة وثقافة رسمية في الدستور المغربي الجديد الذي تم إقراره عام 2011، إلا أنه وطيلة عشرة الأعوام الأخيرة، لم يُحرز هذا الملف أي تقدم.
وأوضح المتحدث أن الحكومة السابقة التي قادها حزب العدالة والتنمية الإخواني، لم تعط هذا الملف أولوية، بل حتى التنصيص على رأس السنة الأمازيغية عيداً وطنياً لم تتخذه على الرغم من كونها لا يُكلفها أي شيء على المستوى المالي.
ولفت إلى أن الحكومة السابقة، غابت لديها الإرادة السياسية لمُضي في ترسيم اللغة والثقافة الامازيغية بشكل عملي، مُرجعا ذلك لأسباب أيديولوجية.
وكشف إثري أنه لا حكومة عبد الإله ابن كيران، ولا حكومة سعد الدين العثماني، تفاعلتا مع مطالب الأمازيغ، ومراسلاتهم المستمرة في هذا الشأن.
وعود حكومية
في المقابل، تعد حكومة عزيز أخنوش، التي تولد مقاليد تسيير الشأن العام المغربي منذ أشهر بتنزيل سريع للطابع الرسمي للأمازيغية.
وفي تصريحات سابقة، أكد مصطفى بيتاس، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، وهو في الوقت ذاته الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، أن “الحكومة الحالية أعطت إشارات قوية بشأن النهوض باللغة الأمازيغية”.
وأكد الوزير، أن الحكومة المغربية، التي يرأسها عزيز أخنوش، خصصت مليار درهم لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، أي ما يناهز 110 ملايين دولار أمريكي.
واعتبر المسؤول ذاته أن “الحكومة لا تنظر إلى الأمر باعتباره مصالحة مع الهوية، بل تجسيد للعدالة والإنصاف”.
وشدد الناطق الرسمي باسم الحكومة على أن "ورش تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية جار على قدم وساق".
aXA6IDE4LjExOS4xMjcuMTMg جزيرة ام اند امز