ذكرى استقلال المغرب.. سيرة مناضلة وقعت وثيقة التحرر
كثيرات هن النساء اللواتي ساهمن في تحرير المغرب، إلا أن من خلدهن التاريخ معدودات على أصابع اليد الواحدة.
مليكة الفاسي، هي واحدة من المغربيات اللواتي سخرن حياتهن للنضال إلى جانب أشقائهن الرجال في مسيرة تحرير الوطن.
ناضلت، واحتضنت أعضاء المقاومة المغربية آنذاك، وتركت بصمة واضحة في سجل الحركة الوطنية ببلادها، خاصة وأنها المرأة الوحيدة الموقعة على وثيقة المطالبة باستقلال المغرب، من بين 65 رجلاً.
سليلة أسرة عالمة
مليكة الفاسي، هي ابنة مدينة فاس المغربية. رأت فيها النور بتاريخ 19 يونيو/ حزيران عام 1919، في أسرة عُرفت بالعلم والوطنية.
وكان والدها، المهدي الفاسي، أحد قُضاة المدينة البارزين، زرع في أبنائه الثلاثة، الذين كانت مليكة الأنثى الوحيدة بينهم، روح المواطنة، ومجابهة المحتل.
ولم يُفرق الرجل بين أبنائه الذكور، وأنثاه الوحيدة، إذ حرص على منحها نفس التعليم، وذات العناية العلمية، فدرسها مختلف العلوم والفنون.
وحرص على تعليمها على يد ثلة من علماء وأساتذة جامعة القرويين المشهورة بالمدينة، وقبل ذلك درسها بكتاب خاص بالفتيات بين عامي 1928 و1930.
ودرست المرأة كُل صنوف العلوم والفنون، من لغات وموسيقى، ناهيك عن التربية على حب الوطن وفداءه، التي تشبعتها داخل منزلها، وبين أسرتها.
حقوقية
خطوات المرأة الأولى في عالم النضال، بدأت في سن الخامسة عشر، إذ كانت من المطالبات بحق المرأة في التعليم.
في هذه السن الصغيرة، كتبت الشابة مقالا لها في مجلسة المغرب عام 1934، وآخر عام 1943 في جريدة العلم، لسان حزب الاستقلال، وهي المقالات التي كتبتها بأسماء مستعارة.
قبل أن تخرج إلى العالم بوجه مكشوف، ويبرز اسمها في عالم الصحافة النسائية آنذاك، وتكون واحدة من الأصوات المدافعة عن الحرية، حرة الوطن، وحرية المرأة.
هي أيضاً مؤلفة، إذ لها قصص عديدة، وبعض المسرحيات، كـ"الضحية"، التي نشرتها مجلة "الثقافة المغربية" عام 1941.
حاضنة المقاومة
مليكة الفاسي، وبعد زواجها بابن عمها محمد الفاسي، الذي هو أيضاً من الرموز البارزة للمقاومة المغربية، انتقلت إلى مرحلة جديدة من النضال ضد المستعمر.
وحول الزوجان منزلهما إلى غرفة عمليات خاصة بالمقاومة، إذ خصصاه للعديد من الاجتماعات السرية للحركة الوطنية، كما كانت كاتمة سر الحركة الوطنية، وأول امرأة تلتحق بالجناح السري لحزب الاستقلال.
وكان هذا الجناح صلة وصل بين رجال المقاومة والسلطان الراحل، الملك محمد الخامس، ومن هذا الموقع قامت بدور هام، في غفلة عن المحتل الذي كان ينظر للمرأة المغربية بعين الازدراء والتحقير.
المرأة الوحيدة
وكانت مليكة آخر من التقى السلطان الراحل محمد الخامس قبل نفيه خارج البلاد.
وفي هذا الصدد، اختارت المرأة المقاومة التنكر في هيئة امرأة فقيرة محتاجة، مرتدية ثياباً رثة حتى لا تثير انتباه الفرنسيين.
وفي ليلة 19 أغسطس / آب عام 1953 توجهت إلى القصر الملكي، وعاهدت الملك على مواصلة الكفاح والمقاومة، وعند عودته كانت من أوائل من استقبله في المطار، فصافحها، وأثنى عليها حفظها للعهد.
وعند التوقيع على وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير/ كانون الثاني 1944، كانت مليكة الفاسي لاسم النسائي الوحيد ضمن قائمة ضمت 65 اسما وطنيا آخرا.
وبعد الاستقلال رفضت تسلم أي منصب سياسي يقيد حريتها، وآثرت الدفاع عن حق النساء في التصويت، وطالبت أن يتضمن الدستور مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وهو ما تضمنه الفصل الثامن من دستور 1962.
وعلى خُطى جده ووالده المُنعمين، سار العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في مسار ونهج تكريم رجال المقاومة ونساءها.
وفي هذا الصدد، حظيت مليكة الفاسي بتكريم من الملك محمد السادس عام 2005، وتوجت بوسام العرش العلوي من الدرجة الأولى، في الذكرى السنوية الحادية والستين لتقديم عريضة المطالبة بالاستقلال.
وفي 11 مايو / آب من عام 2007 لبت مليكة الفاسي نداء ربها يوم 11 ماي، وَوُورِي جسدها الثرى بضريح الحسن الأول بالرباط، ليبقى اسمها نبراسا ورمزا منقوشا في تاريخ المملكة المغربية.
وثيقة تاريخية
ووثيقة المطالبة بالاستقلال، هي وثيقة تاريخية في مسار نضال المغاربة للتحرر من المستعمر الفرنسي آنذاك.
وفي 11 يناير/كانون الثاني 1944، تقدم 66 شخصية وطنية وسياسية بوثيقة تطالب باستقلال المملكة والانسحاب الفوري لسلطات الحماية الفرنسية آنذاك.
وكانت البلاد مقسمة إلى مناطق نفوذ للاستعمار الفرنسي، وأخرى تحت السيطرة الإسبانية، فيما كانت مدينة طنجة منطقة تُسير بنظام حكم دولي.
ودشن الموقعون الـ 66 على الوثيقة خطابهم بالتأكيد على أن "الدولة المغربية تمتعت دائما بحريتها وسيادتها الوطنية وحافظت على استقلالها طيلة ثلاثة عشر قرنا إلى أن فرض عليها نظام الحماية في ظروف خاصة".
وجاء على رأس مطالب الوثيقة "استقلال المغرب ووحدة ترابه تحت ظل صاحب الجلالة ملك البلاد المفدى سيدنا محمد بن يوسف نصره الله وأيده"، بحسب تعبير الموقعين عليها.
aXA6IDE4LjE5MS4xNjIuNzMg جزيرة ام اند امز