وثيقة الاستقلال.. المغرب يستعيد ذكريات ملحمة الكفاح لنيل الحرية
تحتفل المملكة المغربية بالذكرى الـ 78 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، وهي المناسبة التي تعد حدثا محوريا في مسلسل استقلال البلاد.
ويخلد المغاربة، قيادة وشعباً هذه المناسبة، بفخر واعتزاز، لما تمثله من الذكريات الغالية في مسيرة الدفاع عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية للبلاد.
كما تشكل فرصة مُتجددة للاحتفاء بأبطال المقاومة الباسلين، ورجال جيش التحرير والحركة الوطنية، الذين بذلوا الغالي والنفيس، بقيادة السلطان الراحل محمد الخامس، وأبناء أسرته، على رأسهم الملك الراحل الحسن الثاني.
تلاحم العرش والشعب
وفي 11 يناير/كانون الثاني من العام 1944، تقدم 66 شخصية وطنية وسياسية بوثيقة تطالب باستقلال المملكة والانسحاب الفوري لسلطات الحماية الفرنسية آنذاك.
وكانت البلاد مقسمة إلى مناطق نفوذ للاستعمار الفرنسي، وأخرى تحت السيطرة الإسبانية، فيما كانت مدينة طنجة منطقة تُسير بنظام حكم دولي.
وثيقة المطالبة بالاستقلال، جاءت بعد مسلسل من المعارك الوطنية لمواجهة المستعمر، لا تزال مناطق الأطلس المتوسط، وشمال البلاد مع جنوبه شاهدة على معالمها.
معارك ميدانية، تلتها أخرى سياسية واحتجاجية على قرارات التفرقة بين أبناء الوطن الواحد من عرب وأمازيغ، في رفض واضح للظهير البربري آنذاك، والذي وصفه المقاومون بالظهير التمييزي.
وفي 16 مايو/أيار من العام 1930، أصدرت السلطات الفرنسية قراراً يفصل المناطق الأمازيغية عن نظيرتها الناطقة بالعربية، وذلك في خطوة منها لتقسيم الدولة المغربية، وتفريق جهود المقاومة الشعبية.
هذه الخطوة أشعلت الانتفاضة الشعبية للمطالبة بطرد المستعمر، فاندلعت المظاهرات واحتدمت المواجهات، ليُقدم قادة الحركة الوطنية في محطتين متتاليتين عامي 1934 و1936، مطالب صريحة للمستعمر برفع يده عن شؤون المغاربة.
قبل أن تتوج المسيرة بتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير/كانون الثاني عام 1944.
تلاحم الشعب والقيادة
وكعادة القيادة الوطنية، كان السلطان الراحل الملك محمد الخامس في قلب هذه العملية، مُجسداً قناعة الشعب الكاملة في التحرير والاستقلال، والتمسك بمقوماته وثوابته المقدسة.
ولم يكن تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال إلا ثمرة تنسيق واتصالات مكثفة بين رجال المقاومة والقيادة الوطنية، التي تحدت سلطات الإقامة ودخلت معها في مواجهة سياسية مباشرة.
وجاءت فكرة الوثيقة بإيحاء من السلطان الراحل الملك محمد الخامس، قبل أن ينهمك رجال المقاومة في إعدادها، بتنسيق وتوافق على مضمونها.
ليتم تقديمها بعد الانتهاء من صياغتها إلى مقر الإقامة العامة، فيما وُجهت نسخ منها للقنصليات العامة لكل من دول الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، كما أرسلت نسخة منها إلى ممثلية الاتحاد السوفياتي آنذاك.
وكانت الوثيقة حدثاً غير مسبوق، وثورة كبيرة على الاستعمار الفرنسي، وتعبيراً جليا عن إرادة المغاربة القوية في الدفاع عن حقوقهم المشروعة في تقرير مصيرهم وتدبير شؤونهم بأنفسهم وعدم رضوخهم لإرادة المستعمر.
حرية
ودشن الموقعون الـ 66 على الوثيقة خطابهم بالتأكيد على أن "الدولة المغربية تمتعت دائما بحريتها وسيادتها الوطنية وحافظت على استقلالها طيلة ثلاثة عشر قرنا إلى أن فرض عليها نظام الحماية في ظروف خاصة".
وأوضحت الوثيقة أن الغاية من نظام الحماية والمبرر لوجوده كانا "إدخال الإصلاحات التي يحتاج إليها المغرب في ميادين الإدارة والعدلية والثقافة والاقتصاد والمالية والعسكرية"، مشددة على أن ذلك كان يجب أن يتم دون "أن يمس ذلك بسيادة الشعب المغربي التاريخية ونفوذ جلالة الملك".
وأردفت أن "سلطات الحماية بدلت هذا النظام بنظام مبني على الحكم المباشر والاستبداد لفائدة الجالية الفرنسية ومنها جيش من الموظفين لا يتوقف المغرب إلا على جزء يسير منه وأنها لم تحاول التوفيق بين مصالح مختلف العناصر في البلاد".
وزادت أن "الجالية الفرنسية توصلت بهذا النظام إلى الاستحواذ على مقاليد الحكم واحتكرت خيرات البلاد دون أصحابها وحيث إن هذا النظام حاول بشتى الوسائل تحطيم الوحدة المغربية ومنع المغاربة من المشاركة الفعلية في تسيير شؤون بلادهم ومنعهم من كل حرية خاصة أو عامة".
واستعرضت الوثيقة في أعقاب ذلك، مجموعة من المواقف الدولية والأحداث الواقعة آنذاك، للتأكيد على أحقية الشعب المغربي في الحصول على الاستقلال.
وفي هذا الصدد، أكدت الوثيقة أن الأمة المغربية، هي "وحدة متناسقة الأجزاء تشعر بما لها من الحقوق وما عليها من واجبات داخل البلاد وخارجها تحت رعاية ملكها المحبوب وتقدر حق قدرها الحريات الديمقراطية التي يوافق جوهرها مبادئ ديننا الحنيف والتي كانت الأساس في وضع نظام الحكم بالبلاد الإسلامية الشقيقة"، بحسب تعبير الوثيقة التاريخية.
مطالب
وختم الموقعون على الوثيقة خطابهم، بسرد ثلاثة مطالب مستعجلة وواضحة إلى سلطات الحماية والمجتمع الدولي.
وكان أول هذه المطالب "استقلال المغرب ووحدة ترابه تحت ظل صاحب الجلالة ملك البلاد المفدى سيدنا محمد بن يوسف نصره الله وأيده"، بحسب تعبير الوثيقة.
والتمست الوثيقة من السلطان محمد الخامس "السعي لدى الدول التي يهمها الأمر الاعتراف بهذا الاستقلال وضمانه، ولوضع اتفاقيات تحدد ضمن السيادة المغربية ما للأجانب من مصالح مشروعة".
وزادت "أن يطلب نظام المغرب للدول الموافقة على وثيقة الأطلنطي والمشاركة في مؤتمر الصلح".
وختمت بالالتماس من الملك محمد الخامس، أن "يشمل برعايته حركة الإصلاح الذي يتوقف عليه المغرب في داخله، ويكل لنظره السديد إحداث نظام سياسي شوري شبيه بنظام الحكم في البلاد العربية الإسلامية في الشرق تحفظ فيه حقوق سائر عناصر الشعب المغربي وسائر طبقاته وتحدد فيه واجبات الجميع، والسلام".
aXA6IDE4LjE5MS42Mi42OCA= جزيرة ام اند امز