في كراج صغير بمدينة سياتل الأمريكية، جلس شاب شغوف يدعى جيف بيزوس أمام جهاز الحاسوب وضغط على زر الإرسال، لتغادر أول شحنة كتب إلى زبون واحد.
لم يتخيل أحد حينها أن تلك اللحظة البسيطة ستكون الشرارة التي ستغير إلى الأبد طريقة التسوق في العالم، وتفتح الباب لولادة أكبر شركة تجارة إلكترونية عرفها التاريخ.
رؤية من قلب ثورة الإنترنت
في تسعينيات القرن الماضي، كان الإنترنت لا يزال بطيئاً ومجهول الملامح، لكن بيزوس، الذي عمل سابقاً في وول ستريت، كان يرى أبعد من الحاضر، حيث راقب عن كثب بدايات ثورة الاتصالات وفكر في كيفية استثمارها.
وبينما كان معظم الناس يشترون من المتاجر التقليدية، تساءل بيزوس: كيف يمكن إقناعهم بتغيير عاداتهم التاريخية والتسوق عبر الشاشات؟، فكانت إجابته حاسمة: المستقبل سيكون على الإنترنت، وهدفه أن يبني متجراً يبيع “كل شيء لأي إنسان في أي مكان”.
من "Cadabra" إلى "Amazon"
عام 1994، أطلق بيزوس موقعاً بسيطاً أطلق عليه اسم Cadabra، مستلهماً فكرة السحر والتغيير الجذري، لكن بعد أشهر قليلة غير الاسم إلى Amazon.com، مستوحياً عظمة واتساع نهر الأمازون.
كان الطموح واضحاً: أن تصبح الشركة أكبر وأشمل متجر إلكتروني على مستوى العالم، فبدأ الموقع ببيع الكتب فقط، وكانت أول عملية شحن بعد عام كامل من التأسيس.
من الكتب إلى كل شيء
لم تتوقف أمازون عند الكتب طويلاً، بل توسعت بسرعة لتشمل الإلكترونيات والملابس والمنتجات اليومية، وتبع ذلك طفرة كبرى مع إطلاق خدمات مثل أمازون برايم للتوصيل السريع والاشتراكات، وأليكسا المساعد الذكي، وخدمات أمازون السحابية AWS.
كما استحوذت على سلاسل كبرى مثل Whole Foods، ومع مرور الوقت، لم تعد الشركة مجرد متجر إلكتروني، بل تحولت إلى بنية تحتية للاستهلاك العالمي، وأعادت أمازون تعريف التجارة بطرق غير مسبوقة، فغيرت طريقة التسوق، وكيفية تقييم المنتجات، وكيف تُدار المخازن، وحتى أساليب بناء الشركات.
عبر الابتكار التقني، جعلت الشركة الشراء بضغطة زر، مدعومة بخوارزميات ذكية ومستودعات عملاقة وموظفين يعملون في الخفاء، واليوم، أصبحت أكبر متجر تجزئة إلكتروني في العالم، حيث تتجاوز مبيعاتها ألف دولار كل ثانية، ويعمل لديها أكثر من 1.3 مليون موظف حول العالم، وتخطت قيمتها السوقية حاجز التريليون دولار.
ما بدأت به أمازون لم يكن سوى شحنة كتاب واحدة، لكنها فتحت فصلاً جديداً في تاريخ التجارة العالمية، واليوم، بعد أن تحولت إلى عملاق يحدد إيقاع الاقتصاد الرقمي، يبقى السؤال: هل غيرت أمازون حياتنا للأفضل؟.