عقبة أمريكية أمام اتفاق بريطانيا وموريشيوش.. ما علاقة إيران؟
رغم مرور أشهر على اتفاق توصلت إليه المملكة المتحدة مع موريشيوس بشأن أرخبيل تشاغوس، فإن عملية نقل السيادة التي لم يُحدد إطار زمني لتنفيذها، تواجه عقبة قد تؤدي إلى نسفها أو إرجائها.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصدرت بريطانيا وموريشيوس بيانًا مشتركًا يكشف عن اتفاق تاريخي سيتم بموجبه نقل السيادة على أرخبيل تشاغوس، بما في ذلك جزيرة دييغو غارسيا، حيث تقع القاعدة العسكرية البريطانية الأمريكية، إلى موريشيوس، لينهي قرابة 59 عامًا من الوجود المثير للجدل لبريطانيا، في المحيط الهندي.
إلا أن ذلك الاتفاق، يواجه عقبة أمريكية، قد تؤدي لإفشاله، فالرئيس دونالد ترامب يواجه دعوات من كبار الجمهوريين لمنع الصفقة؛ بسبب مخاوف من أنها ستسهل على إيران التجسس على الجيش الأمريكي.
وحث حلفاء مقربون، الرئيس الأمريكي على «تقطيع الاتفاق إلى الأبد» قبل مكالمته الهاتفية الأولى في البيت الأبيض مع السير كير ستارمر.
يأتي ذلك بعد أن فتحت موريشيوس محادثات مع طهران بشأن استضافة فروع للجامعات الإيرانية، التي يخشى خبراء أمنيون إمكانية استخدامها للتجسس على القاعدة في دييغو غارسيا، بحسب صحيفة «التلغراف».
واتهمت إيران في السابق باستخدام برامج التبادل الأكاديمي لنشر جواسيس في ألمانيا والسويد والولايات المتحدة، مما يعني أن هناك توقعات بأن الرئيس ترامب يستعد لرفض الاتفاق، مما سيكون بمثابة ضربة لرئيسة وزراء بريطانيا كير ستارمر.
ناقوس خطر
وفي مقال كتبه لصحيفة «التلغراف»، دق السيناتور عن ولاية لويزيانا جون كينيدي ناقوس الخطر بشأن محاولات إيران «تعميق العلاقات» مع موريشيوس، قائلاً إن التنازل عن جزر تشاغوس يهدد أمن المملكة المتحدة والولايات المتحدة .
وأضاف: إذا كانت موريشيوس تعمل على تعزيز صداقاتها مع الصين وإيران، فكيف يمكننا أن نتوقع منها إبعاد جواسيس أعدائنا عن قاعدتنا؟ من الصعب أن نصدق أن الصين وإيران لا تحاولان جر موريشيوس إلى محورهما وإبعادها عن الغرب.
وفي توبيخ لكير ستارمر، أضاف: «الأصدقاء لا يعقدون الصفقات خلف ظهر بعضهم، وخاصة عندما يكون أمننا المشترك على المحك».
وقد أعطى جيم ريش، رئيس لجنة العلاقات الخارجية القوية في مجلس الشيوخ، الجمهوري الإشارة الأكثر وضوحا حتى الآن إلى أن الرئيس سوف يمنع إقرار القانون، قائلا لصحيفة «التلغراف»: «لا يزال لدي مخاوف عميقة بشأن هذه الصفقة».
وتابع: لحسن الحظ، أعلم أن الرئيس ترامب يدرك أن الصين تشكل تهديدًا هائلاً لأمريكا ويعرف أنه لحماية أمننا القومي، فقد حان الوقت لدعم الوجود الأمريكي القوي وحلفائه في المحيطين الهندي والهادئ. إن هذه الصفقة ستكون خطوة في الاتجاه الخاطئ.
وبالإضافة إلى كونه حليفًا للرئيس ترامب، يعد السيناتور أحد أقرب الشخصيات الجمهورية إلى ديفيد لامي، وزير الخارجية .
وعلمت صحيفة «التلغراف» أن هناك توقعات واسعة النطاق داخل دوائر البيت الأبيض بأن الرئيس سوف يعترض على الاتفاق في أقرب وقت هذا الأسبوع.
وقال أحد الأشخاص المقربين من الجمهوريين إنه بناء على المحادثات الأخيرة مع مسؤولي ترامب فإنهم «واثقون للغاية من أنه سيتم حظره».
وأضاف أن هناك «دهشة وحيرة مطلقة إزاء تصرفات المملكة المتحدة وشعورا قويا بأن الاتفاق سينهار تماما».
ماذا يعني رفض ترامب المحتمل؟
تقول «التلغراف»، إن رفض ترامب المحتمل للصفقة، سيمثل ضربة قوية لحكومة داونينغ ستريت لأنه يشير إلى أن محاولات حزب العمال لإقناع الجمهوريين بدعم اتفاق تشاغوس قد فشلت، مشيرة إلى أن كبار أعضاء فريق ترامب، بمن فيهم وزير الخارجية ماركو روبيو وإيلون موسك، معادون للاتفاق في السر.
وقال كينيدي، وهو جمهوري مؤثر، إن «المملكة المتحدة حليفتنا، وموريشيوس صديقتنا، لكن هذه مسألة تتعلق بالأمن القومي بالنسبة للولايات المتحدة (..) أي شخص يتوقع من إدارة ترامب أن تضع حساسيات المتشددين التابعين للأمم المتحدة فوق المصالح العليا لأمريكا وحلفائنا يكتب شيكًا لا يمكن صرفه».
وتابع: إن شعوب جزر تشاغوس، والأمريكيين، والبريطانيين سوف تكون أكثر أمانا إذا ما رفضت هذه الصفقة مع موريشيوس إلى الأبد».
أرخبيل استراتيجي
وبموجب الاتفاق المقترح، ستسلم المملكة المتحدة السيطرة على جزر تشاغوس، وهي أرخبيل استراتيجي في المحيط الهندي، إلى موريشيوس.
وحذر المنتقدون مرارا وتكرارا من أن الاتفاق من شأنه أن يقوض أمن المملكة المتحدة والولايات المتحدة، مشيرين إلى العلاقات الوثيقة بشكل متزايد بين موريشيوس وكل من الصين والآن إيران.
وقال وزراء حزب العمال إن التنازل عن الجزر هو السبيل الوحيد للالتزام بالقانون الدولي وضمان أمن قاعدة دييغو غارسيا في المستقبل.
وفي عام 2021، رفضت محكمة العدل الدولية، سيادة المملكة المتحدة على الجزر، قائلة إنه يجب تسليمها إلى موريشيوس.
وكان رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، يمارس الضغوط على كبار الجمهوريين لمعارضة الاتفاق ولعب دورًا رئيسيًا في وضعه على رادار الرئيس.
ويعتبر رئيس الوزراء الأسبق، مقربًا من ترامب وكان السياسي البريطاني الوحيد الذي حصل على مقاعد مميزة في قاعة الكابيتول خلال حفل التنصيب الأسبوع الماضي.
وستخسر بريطانيا ورقة مساومة في علاقاتها مع الولايات المتحدة. فمنذ إنشاء إقليم المحيط الهندي البريطاني، استخدمت بريطانيا الجزر للحفاظ على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال، تم نشر وصول الولايات المتحدة إلى دييغو غارسيا كورقة مساومة ثلاث مرات خلال الحرب الباردة لتعزيز قدرات الأسلحة النووية البريطانية.
ووفقًا لبوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، وهو منتقد صريح للتنازل عن السيادة لموريشيوس: «لا يزودنا الأمريكيون بأسرار نووية حاسمة لمجرد أنهم يحبون إنجلترا القديمة الصغيرة. إنهم لا يتقاسمون المعلومات الاستخباراتية لأنهم يعشقون لهجاتنا الغريبة. لدينا علاقة رائعة لا غنى عنها لأن لدينا أشياء مهمة لنقدمها - بما في ذلك دييغو غارسيا».
وقال السير ريتشارد ديرلوف، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني (إم آي 6)، إن إيران ستستخدم أي اتفاق بشأن التبادل الأكاديمي مع موريشيوس كـ«غطاء» لنشر جواسيس في الأرخبيل. وحذر من أن «هذا يجعل القضية أسوأ، لأن وجود رابط كهذا مع إيران من شأنه أن يكون له تداعيات استخباراتية».
وحذر جون بولتون، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي خلال رئاسة ترامب الأولى، من جهد «منسق» من جانب إيران والصين لإدارة «أنشطة سرية» في موريشيوس، قائلا: «أعتقد أنهم يسعون وراء نفس الشيء، وهو ما يعرض أمن دييغو جارسيا للخطر».
وتابع: «أعتقد أن ترامب سوف يعترض بكل تأكيد على اتفاقية تشاغوس. وسوف تكون هذه دراسة حالة ممتازة للدفاع عن مصالح بريطانيا، وبالتالي مصالح الولايات المتحدة».
علاقات إيران وموريشيوس
وقام سفير إيران في المنطقة بزيارة موريشيوس، الجمعة، لمناقشة «التعاون» مع الجزيرة في مجالات الإسكان والتعليم والصحة والزراعة وصيد الأسماك.
وقال بيان صادر عن الحكومة الموريشيوسية إن طهران قدمت بالفعل مسودة اتفاق بشأن تبادل الأكاديميين والطلاب.
وأضافت أن الدكتور كافيراج شارما سوكون، وزير التعليم في موريشيوس الذي التقى السفير، «أعرب عن سروره بهذا الطريق الجديد المحتمل للتعاون».
وحذر جهاز المخابرات البريطاني العام الماضي من أن الدول الأجنبية تستخدم الجامعات البريطانية بشكل روتيني لإجراء عمليات تجسس.
وأصبحت العلاقات الدبلوماسية بين موريشيوس وإيران وثيقة بشكل متزايد في السنوات الأخيرة بعد عقود عديدة من الجمود العميق.
وفي شهر مارس/آذار الماضي، زار الجزيرة وفد من رجال الأعمال الإيرانيين لمناقشة استثمارات جديدة في الجزيرة، بما في ذلك في صناعة التصنيع الكيميائي.
وفي عام 2022، زار وفد موريشيوس طهران لحضور أول «منتدى اقتصادي مشترك» بين البلدين، حيث ناقشا توسيع العلاقات التجارية.