سياسة حرق الجسور.. سر خوف أمريكا من تدخل الصين عسكريًا لدعم روسيا
قبل ساعات من بلوغ الأزمة الأوكرانية عامها الأول دون حسم يلوح في الأفق، امتلأت الساحة بالكثير من المعلومات، التي لم تخلُ من اتهامات وتحذيرات.
تلك الاتهامات والتحذيرات كانت سلاح الأطراف المنخرطة في الأزمة الأوكرانية، لترسيخ مواقف أو إثبات واقع، أو إطلاق رسائل تحذير.
إحدى تلك الرسائل، كان الاتهام الأمريكي الذي أطلقته واشنطن هذا الأسبوع إلى الصين، زاعمة أن بكين تخطط لتزويد روسيا بأسلحة لدعم عمليتها العسكرية بأوكرانيا، وهو ما تنفيه بكين.
إلا أنه في حال حدوث ذلك، فإن قواعد النزاع المستمر منذ عام تقريبًا، "ستتغير" بحسب خبراء، أكدوا أنه إذا تدخلت الصين، فإن أي ميزة كانت لأوكرانيا بفضل القدرة الصناعية للغرب ستختفي على الفور.
فما سبب تصميم واشنطن على اتّهامها هذا؟
منذ بداية الأزمة الأوكرانية في 24 فبراير/شباط 2022، عرضت الصين على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعمها المالي والدبلوماسي، لكنها ظلّت تتجنّب إرسال الأسلحة أو أن يكون لها أي تدخل عسكري عَلَني.
وفي هذا الإطار، باعت شركات صينية تسيطر عليها بكين مسيّرات ومعدات أخرى لروسيا ولأوكرانيا، لكنّ موسكو لجأت إلى إيران من أجل الحصول على أسلحة أساسية للقتال مثل المسيرات القتالية.
وبحسب الرواية الأمريكية، فإن كوريا الشمالية زودت أيضًا روسيا بصواريخ وقذائف مدفعية، وهو ما لم تؤكده بيونغ يانغ. وتخشى الولايات المتحدة حاليًا أن تفعل بكين الشيء نفسه.
وفي محاولة لمنع أي دعم عسكري صيني لأوكرانيا، جدّد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن تحذيره بهذا الصدد يوم الإثنين، قائلا في حديث مع قناة "إس بي سي"، إن بكين تنظر في إرسال "أسلحة" إلى روسيا دعما لهجومها في أوكرانيا، مشدّدا على أن أي إمدادات من شأنها أن "تؤدي إلى مشكلة خطيرة".
وكان بلينكن حذر عقب اجتماع مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني وانغ يي في ميونيخ على هامش المؤتمر حول الأمن يوم الأحد، من أن الصين تبحث في توريد أسلحة إلى روسيا.
ولم يقدّم بلينكن أي دليل لدعم تصريحه، لكنه جزء من المعلومات الحساسة التي تنشرها واشنطن لإحباط وتعطيل خطط الحرب الروسية، إلا أن المتحدث باسم الخارجية الصينية وانغ ونبين وصف هذه التصريحات بأنها "معلومات خاطئة".
وحول ذلك، يقول الباحث المتخصص في الشؤون الآسيوية الشرقية في معهد "لووي" في سيدني ريتشارد ماكغريغور إن "اختيار بلينكن بثّ هذه المخاوف يشير إلى أن الولايات المتحدة لديها معلومات استخباراتية قوية".
لماذا تشعر أمريكا بالقلق؟
يقول الخبير في التخطيط الاستراتيجي والجنرال في الجيش الأسترالي المتقاعد ميك راين، لـ"فرانس برس"، إن تدفق الأسلحة من الصين "من شأنه أن يعيد خلط أوراق" النزاع في أوكرانيا، مضيفًا: "إنها حرب أنظمة صناعية. حتى اللحظة، روسيا لا تزال وراء الغرب. إذا تدخلت الصين، فإن أي ميزة كانت لأوكرانيا بفضل القدرة الصناعية للغرب ستختفي على الفور".
ويتابع: "ستجعل الذخائر الصينية حياة الأوكرانيين صعبة جدًا، سواء كانت ذخائر مدفعية أو ذخائر دقيقة التصويب أو أسلحة هجومية بعيدة المدى تفتقر إليها روسيا".
ومنذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تكافح موسكو لجمع ما يكفي من الجنود والذخيرة والأسلحة، وهو ما يفسر جمودها في مواجهة المقاومة الأوكرانية.
في غضون ذلك، تمكّنت أوكرانيا من كبح التقدّم الروسي ومن التغلّب على القوات الروسية في بعض الأحيان، لكن بعض الخبراء يعتبرون أن الحرب وصلت حاليًا إلى منعطف يسعى فيه كل جانب للحصول على أكبر قدر من الموارد وتحقيق مكاسب حاسمة مع اقتراب فصل الربيع.
ما الذي يجعل الصين تتدخل في أوكرانيا؟
يقول المعلّق العسكري الصيني سونغ تشونغ بينغ إن الصين لن ترسل أسلحة إلى روسيا، مشيرًا إلى أن التعاون السياسي والتجاري والعسكري بين موسكو وبكين قد ازداد حتى قبل الحرب في أوكرانيا وأن هذا الاتجاه سيستمر.
ويضيف: "الصين لن تستمع لطلبات الولايات المتحدة. ستعزز تعاونها مع روسيا وفقًا لإرادتها الوطنية واهتماماها في مجال الأمن القومي".
ويعتقد العديد من الخبراء أن هناك المزيد على المحك وأن النزاع في أوكرانيا بدأ يتحول إلى حرب بالوكالة جدير بحقبة الحرب الباردة.
حرق الجسور
ويعتبر أستاذ الدراسات الاستراتيجية والأمن في جامعة كورتين في أستراليا أليكسي مورافييف أن "الحرب في أوكرانيا هي لحظة حاسمة لبيئة الأمن الدولي وللنظام الدولي"، مشيرًا إلى أن أي تحرك لتصدير الأسلحة سيكون "خطوة كبيرة" بالنسبة للصين التي قد تتعرّض لعقوبات غربية وسيحرق الجسور المتبقية مع واشنطن ويفسد العلاقات مع أوروبا.
لكن احتمال رؤية روسيا تخسر يُقلق بكين، بحسب مورافييف، الذي أضاف: "في هذه الحالة ستجد الصين نفسها وحيدة (..) روسيا هي القوة الكبيرة الوحيدة التي تدعم الصين".
في السيناريو المعاكس، سيعني الانتصار الروسي "إلحاق هزيمة استراتيجية بالولايات المتحدة" وبالتالي المساعدة في تلميع خطاب الرئيس شي جين بينغ بأن الغرب في حالة انحطاط.
ويلفت مورافييف إلى أن الصين ستحاول لعب دور محقق التوازن في هذا النزاع، وإيجاد التوازن الصحيح بين المخاطرة والمكافأة، من خلال توريد أسلحة عبر الشركات التي تسيطر عليها الدولة أو كوريا الشمالية أو مجموعة فاغنر بدلًا من الجيش الروسي مباشرة. ويضيف "أعتقد أن مقاربتهم ستكون متكتمة".
aXA6IDEzLjU4LjM4LjE4NCA= جزيرة ام اند امز