لأول مرة منذ نصف قرن.. أمريكا تتدخل في سوق الصرف وتدعم عملة دولة أجنبية

دخلت الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب على خط أسواق الصرف العالمية، عبر تدخل مباشر لدعم عملة دولة أجنبية من الأسواق الناشئة، وهي الأرجنتين.
ووصفت هذه الخطوة بأنها غير مسبوقة منذ أكثر من خمسين عاماً، ما زاد من التساؤلات حول الأبعاد السياسية والاقتصادية
بحسب وكالة رويترز، نفذت وزارة الخزانة الأمريكية ثلاث عمليات متتالية خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري لشراء البيزو الأرجنتيني وبيع الدولار في السوق، وتحديدًا في أيام 9 و15 و16 أكتوبر/تشرين الأول، في إطار حزمة دعم اقتصادي ومالي تهدف إلى مساندة الأرجنتين التي تعاني من أزمة عملة خانقة وتدهور في المؤشرات الاقتصادية.
ويعد هذا التدخل الأول من نوعه منذ سبعينيات القرن الماضي، إذ اعتادت واشنطن دعم الدول الحليفة عبر القروض أو اتفاقيات تبادل العملات، لا من خلال شراء مباشر لعملاتها من السوق باستخدام أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، وهو ما يجعل هذه الخطوة سابقة في تاريخ السياسة المالية الأمريكية.
البعد السياسي والاقتصادي للتدخل الأمريكي في سوق الصرف
ورغم أن حجم التبادل التجاري بين واشنطن وبوينس آيرس لا يتجاوز 0.35% من إجمالي تجارة الولايات المتحدة، يرى محللون أن التحرك الأمريكي لا ينفصل عن صراع النفوذ مع الصين في أمريكا اللاتينية، خصوصا مع سعي بكين لتعزيز وجودها في قطاع التعدين الأرجنتيني الغني بـ الليثيوم والنحاس والمعادن النادرة.
كما وافقت واشنطن على دراسة إنشاء خط مبادلة بقيمة 20 مليار دولار مع الأرجنتين، في مسعى للحد من التوسع الصيني في المنطقة.
لكن البعد السياسي بدا أوضح، حيث عبّر الرئيس ترامب علنًا عن دعمه للرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، قائلاً: "لن نضيع وقتنا في الأرجنتين إن خسر حزب ميلي الانتخابات النصفية"
من جانبه، أكد وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت أن الدعم سيستمر طالما تواصل حكومة ميلي "اتباع سياسات اقتصادية رشيدة"، في إشارة إلى أن واشنطن تربط دعمها المالي بالمسار السياسي والاقتصادي للحكومة الأرجنتينية.
يرى خبراء اقتصاديون أن التدخل الأمريكي ينطوي على مخاطر سياسية ومالية عالية، إذ قال الباحث في مجلس العلاقات الخارجية براد سيتسر إن العملية تبدو أقرب إلى دعم أصدقاء سياسيين أكثر من كونها استجابة لأزمة اقتصادية حقيقية وفق رويترز.
ورغم الإصلاحات الصارمة التي نفذها ميلي منذ توليه السلطة عام 2023، والتي شملت خفض الإنفاق وخصخصة مؤسسات عامة وتحرير الأسواق، لا يزال الاقتصاد الأرجنتيني هشًّا.
فقد تراجع التضخم من أكثر من 200% إلى نحو 32%، لكن البلاد ما تزال غارقة في ديون تتجاوز 57 مليار دولار لصندوق النقد الدولي، مع استمرار الضغوط على عملتها المحلية.
استمرار تراجع البيزو رغم الدعم
ورغم التدخل الأمريكي المباشر، واصل البيزو الأرجنتيني تراجعه ليسجل 1476 بيزو مقابل الدولار أمس، في مستوى قياسي جديد، ما دفع بعض المحللين إلى التساؤل ما إذا كان السؤال الآن هو متى سينخفض البيزو أكثر وليس ما إذا كان سينخفض.
ويرى اقتصاديون أن تحرير سعر الصرف قد يصبح خطوة حتمية قريبة رغم مخاطرها التضخمية، إذ يمكن أن تسهم في استعادة الفائض التجاري وزيادة احتياطات النقد الأجنبي، بينما يمثل الدعم الأمريكي “صمام أمان مؤقتًا” لاستقرار العملة حتى إشعار آخر.
واشنطن تستخدم الدولار كسلاح سياسي مباشر
تكشف هذه الخطوة عن تحول استراتيجي في أدوات السياسة الخارجية الأمريكية، فبعد عقود من استخدام الدولار كوسيلة ضغط غير مباشرة عبر العقوبات والتحكم في النظام المالي العالمي، اتجهت واشنطن هذه المرة إلى التدخل المالي المباشر في أسواق العملات.
ويرى محللون أن ما جرى في الأرجنتين يمثل اختبارًا جديدًا للسياسة الأمريكية في إدارة النفوذ المالي عبر أدوات غير تقليدية، وسط تساؤلات عما إذا كانت هذه الخطوة ستتحول إلى سابقة تُستخدم مستقبلًا مع دول أخرى تشهد أزمات مشابهة، أم أنها مغامرة مالية عابرة محفوفة بالمخاطر.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODYg جزيرة ام اند امز