تتجه الأزمة الأمريكية الإيرانية في الخليج العربي لمزيد من التصعيد في ظل حسابات سياسية واستراتيجية متعددة على الجانبين
تتجه الأزمة الأمريكية الإيرانية في الخليج العربي لمزيد من التصعيد في ظل حسابات سياسية واستراتيجية متعددة على الجانبين، وفي ظل تأكيدات من الطرفين بعدم الرغبة في الحرب أو الدخول في مواجهات عسكرية محدودة أو شاملة، على اعتبار أن هذا الأمر تبدو فيه المواجهات صفرية، وهو أمر يذهب المواجهات إلى حدودها القصوى دون أن يكون هناك فرص للمراجعة أو العودة إلى مسار سياسي.
مع ذلك تبقى كل الخيارات قائمة؛ حيث لا يوجد خيار أو سيناريو حذر وكامل، خاصة أن الرئيس ترامب يجد نفسه الآن في موقف محدد، إما القبول بالوضع الراهن أو التصعيد بطريقة قد تؤدي لإجبار الولايات المتحدة على التدخل عسكرياً، وهو الخيار الذي لم يستبعده الرئيس ترامب مؤخراتبدو الشروط الأمريكية لمراجعة إيران صعبة وغير قابلة للقبول من قبل طهران، حيث يمثل التوجه الحاكم للسياسة الإيرانية مشروعا ونموذجا من الصعب التخلي عنه، أو التعامل معه على أنه أدوات تكتيكية وليس منهج حكم أو أسلوبا استراتيجيا حقيقيا، ومن ثم فإن الرهانات على أن إيران يمكن أن تعود عن نهجها غير وارد، وكل ما يمكن قبوله إيرانيا هو العمل على تقليل المطالب الأمريكية، والتعامل معها على أنها معطيات للتفاوض وليست شروطا، خاصة أن مراكز التأثير والنفوذ ولعبة التوازنات داخل إيران لا تقتصر فقط على الحرس الثوري، أو صراع التيارات الذي بات واضحا داخل بنية النظام الإيراني، رغم نفي ذلك والتأكيد على أن إيران قوية ومتماسكة في مواجهة المخاطر والتحديات التي تواجهها وأنها لن تقدم على تنازلات مؤلمة.
ولهذا يستمر التصعيد الكلامي والتهديدات السياسية التي لا تحمل سوى شعارات خالية من أي مضمون، وهو ما لا يؤدي إلى نقاط تلاقي مع الجانب الأمريكي؛ حيث يبدو في الواجهة السياسية وزير الخارجية جواد ظريف بخبرته الكبيرة في التفاوض مراهنا بأن إيران لا تريد الحرب، وهو ما رد عليه الرئيس ترامب بتغريدات مباشرة، وبقوة خارجا عن نطاق ما تم ترديده في بدايات الأزمة، وهو ما يعني أن الإدارة الأمريكية رئيسا وخارجية وأجهزة معلومات، خاصة المخابرات المركزية، ووزارة الدفاع تراهن على التحدي، ولكن من غير الصحيح ما يتم تداوله من أن جون بولتون مستشار الأمن القومي هو الوحيد الذي يرغب بمواجهة عسكرية مع إيران؛ إذ هناك الكثير من وزارة الدفاع من يتفق معه.
ومن ثم فالواقع السياسي الأمريكي كإدارة لا تتعامل مع الحالة الإيرانية وفق تقييمات نهائية، وإنما من خلال رؤية أكثر تقييما ومشاركة وتأثيرا، وهو ما سيعطي للفترة المقبلة رؤى سياسية واستراتيجية مختلفة تتأرجح بين الموقف العسكري والسياسي من جانب، وفرص استعادة إيران على المحك من جانب آخر، خاصة في حال اتجاه إيران لاستئناف نشاطها النووي في ظل الرهانات الإيرانية على تطويل أمد الأزمة والوصول إلى احتمالات التغيير في البيت الأبيض، وانشغال الإدارة الأمريكية بأمور منها، خاصة في إطار الحرب التجارية مع الصين واليابان والعلاقات المتوترة مع روسيا، وكذلك إعادة ترتيب الحسابات الأمريكية في مناطق أخرى، والمعني هنا أن إيران قد تؤجل اتخاذ مواقفها السياسية والاستراتيجية بعض الوقت لحين اتضاح الصورة مع التمهيد لذلك داخل إيران، خاصة تجاه الشعب الإيراني الذي ما زال يعاني تداعيات التدخلات الإيرانية غير المبررة في الإقليم، والتي يدفع ثمنها بالفعل، وفي ظل حالة من التأزم الداخلي اقتصاديا وأمنيا، وعودة حالة الحراك بصورة كبيرة والمظاهرات في المدن الإيرانية الرئيسية.
كما أن الداخل الإيراني ليس على قلب رجل واحد، بل بالعكس هناك حالة من الغليان المجتمعي والسياسي الذي يخشى فيه النظام الإيراني حدوث هزة سياسية واردة جدا، إذا قام الجانب الأمريكي بنقل المواجهة للداخل، وهو ما يجري بصورة محترفة وعبر وسائل استخباراتية محترفة.
ومن ثم فليس صحيحا ما تردده الإدارة الأمريكية في خطابها السياسي والإعلامي؛ من أنها تريد تهذيب الحضور الإيراني في الإقليم، وتغيير سلوكيات وتوجهات النظام الإيراني فقط، ولا تريد قلب النظام أو الإطاحة به، خاصة أن استمرار الحالة الإيرانية على ما هي عليه واستمرار المناكفات الإيرانية للسياسة الأمريكية مكلف وسيتطور بصورة كبيرة، ولعل إطلاق الصواريخ على مكة المكرمة نموذجا لما سيجري في الفترة المقبلة ما لم تحسم المواجهات عبر استراتيجية أمريكية شاملة، وليس الانتظار أو التوقع، وهو ما يحذر منه الخبراء الأمريكيون في وزارة الدفاع تحديدا.
ورغم ذلك كله فإن خيار التفاوض سيكون الخيار المتاح لكل من واشنطن وطهران على حد سواء، في ظل رفض إقليمي ودولي واضح إزاء هذا التصعيد الذي سيشعل أسواق الطاقة، وسيؤدي لنتائج سلبية على الأمن الدولي بأكمله، وهو أمر تتخوف من تبعاته القوى الدولية على مختلف توجهاتها في الوقت الراهن.
إن تجنب التصعيد في الفترة المقبلة سيكون صعبا ولكنه وارد ومحتمل، وسيكون أحد الحلول لتجنب الصراع هو إبرام صفقة نووية جديدة، وهو ما يدّعي الرئيس ترامب بأنه يريدها، ولكن من المستبعد أن تدخل إيران في مفاوضات سريعة مع إدارة لا تثق بها، ومن الأصعب أن توافق إيران بسهولة على الاتفاق الذي قد يطرحه الرئيس ترامب، بعد أن صرح برغبته في منع جميع أنواع تخصيب اليورانيوم والسماح بإجراء عمليات تفتيش.
ومع ذلك تبقى كل الخيارات قائمة؛ حيث لا يوجد خيار أو سيناريو حذر وكامل، خاصة أن الرئيس ترامب يجد نفسه الآن في موقف محدد، إما القبول بالوضع الراهن أو التصعيد بطريقة قد تؤدي لإجبار الولايات المتحدة على التدخل عسكريا، وهو الخيار الذي لم يستبعده الرئيس ترامب مؤخرا رغم إعادة تدوير سيناريو الصفقة الذي سيبدو أنه الأكثر طرحا، خاصة أن هناك تاريخا ممتدا من الصفقات بين واشنطن وطهران، إلا أن المؤكد أن شروط أية صفقة ستكون صعبة ومعقدة بالنسبة لطهران، ولن يقبل الرئيس ترامب بصفقة أقل من تلك التي تمت مع كوريا الشمالية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة