ارتباطات تنظيم الإخوان المسلمين بإيران لا تقتصر على أفرع التنظيم في مصر أو ما حولها من دول عربية، بل يمتد ذلك إلى منطقة الخليج العربي.
في عام 1979، أشاد تنظيم الإخوان المسلمين وهلل كثيراً بوصول نظام ولاية الفقيه إلى الحكم بعد الإطاحة بالشاه رضا بهلوي الذي مثّلت تنحيته سقوط الدولة البهلوية. ومن فرط سعادة تنظيم الإخوان المسلمين بوصول المرشد الإيراني الخميني إلى الحكم، وضع التنظيم على صدر مجلته الرئيسية صورة تعبر عن انقشاع عهد الشاه، وقدوم الخميني الذي ظهر على غلاف المجلة بوجه بشوش سمح يمثل "سماحة الإسلام" بينما يحترق الشاه متحولاً إلى رماد. كانت تلك اللحظات فارقة في توثيق العلاقات الحميمية بين المنهجين؛ الإخوان المسلمين وولاية الفقيه، وتاريخ التلاقي والتفاهم والتقارب والتعاطف الذي جمع التنظيمين على مدى عقود مضت.
في عام 1945، توجه أحد متشددي التيار الديني الشيعي في إيران ومؤسس حركة "فدائيان إسلام" ويدعى نواب صفوي ليجتمع بسيد قطب أحد قادة الفكر الإخواني. وقد مثّلت تلك الزيارة التي قام بها صفوي دليلاً على مدى التقارب بين الجماعتين الراديكاليتين. وبعد ذلك بثلاث سنوات، أي في عام 1948، قام حسن البنا -مؤسس تنظيم الإخوان المسلمين عام 1928- بتأسيس جمعية التقارب بين المذاهب الإسلامية، وكانت تلك دعوة صريحة للتقارب بين الجماعات الإسلامية بغض النظر عن توجهاتها المذهبية، حيث كان تنظيم الإخوان المسلمين يرى أن التقارب مع منظومة الولي الفقيه أمر مطلوب.
إن تاريخ حكم ولاية الفقيه، ومن قبل ذلك تاريخ الحركات الدينية المتشددة في إيران، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتنظيم الإخوان المسلمين، وقد سارع النظام الإيراني وحرسه الثوري إلى رفض توجه الإدارة الأمريكية تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وقد كانت إيران تدافع بهذا الموقف عن نفسها مباشرة وليس فقط عن تنظيم الإخوان المسلمين.
وقد وجد تنظيم الإخوان المسلمين في وصول ولاية الفقيه إلى الحكم في إيران فرصة لتغيير مسار التحرك، والكشف بشكل أكبر عن التوجهات والأطماع السلطوية عبر العنف واستخدام السلاح. ورغم أن تنظيم الإخوان المسلمين قد أسس ما يسمى "التنظيم الخاص" كذراع عسكرية له منذ عام 1940، وكان هو مطبخ عمليات الاغتيالات السياسية التي نفذها تنظيم الإخوان المسلمين منذ ذلك الوقت، فإن العملية الأكبر والأكثر شراسة وعنفاً كانت اغتيال الرئيس المصري وقائد قواتها المسلحة محمد أنور السادات في أكتوبر عام 1981 خلال عرض عسكري احتفاءً بانتصارات أكتوبر على إسرائيل، أي بعد وصول الملالي إلى الحكم في طهران بقرابة ثلاث سنوات، وسرعان ما أظهر نظام ولاية الفقيه تعاطفاً مع الإخوان المسلمين في مصر بعد اغتيال السادات، حيث احتفى بالعقل المدبر لعملية الاغتيال خالد الإسلامبولي، وكرمه بإطلاق اسمه على أحد شوارع العاصمة الإيرانية، كما انتشرت صوره على الجدران والمباني في إيران.
ولم يقتصر التقارب بين المشروعين الإخواني والولائي على الزيارات والتعاطف والتقارب، فبعد وفاة الخميني عام 1989، انتقلت العلاقات بين الطرفين إلى التبادل الفكري الرسمي. ففي الوقت الذي اعتبر فيه الإخوان المسلمون أن منهج المرشد الخميني في إدارة الثورة والوصول إلى الحكم ينبغي أن تسير عليه الجماعة نفسها، فإن كتب ومؤلفات سيد قطب، التي أصّلت لفكر الجهاد والإرهاب والانقلابات على الحكم، تمت ترجمتها إلى اللغة الفارسية وتحولت إلى مقررات تُدرس في الجامعات الإيرانية بأمر من المرشد الإيراني علي خامنئي الذي جاء خلفاً للخميني. بمعنى آخر، فإن المرشد الأعلى خامنئي كان معجباً بأفكار سيد قطب، ووجد أنها تخدم مشروع تصدير الثورة الإيرانية، فأمر بترجمتها وتدريسها.
ورغم خروج مختلف المنظرين من المنتمين إلى الإخوان المسلمين ليتحدثوا عن خلافات أصيلة في الفكر والعقيدة والمنهج بينهم وبين نظام ولاية الفقيه ومتبعيه، فإن ذلك لم يكن سوى تغطية على العلاقات المستمرة والتواصل اللامنقطع بين الإخوان وإيران. وقد تجلى هذا الأمر خلال مرحلة ما يسمى "الربيع العربي"، حيث حاول الإخوان جاهدين إخفاء حقيقة علاقاتهم وارتباطاتهم بإيران، خوفاً من سخط الشعوب والجماهير عليهم، خصوصاً أن الطرفين حملا نفس الأهداف التدميرية تجاه الدول العربية، لكن سرعان ما انكشف ذلك مع أول زيارة يقوم بها الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد إلى القاهرة رافعاً علامة النصر، ثم قيام الرئيس المخلوع عضو الإخوان المسلمين محمد مرسي برد الزيارة إلى طهران، لتبدأ بعد ذلك سلسلة من التفاهمات بين التنظيمين لتزويد الإخوان المسلمين في مصر بخبرات الحرس الثوري الإيراني وشرطة الباسيج وغيرهما.
إن ارتباطات تنظيم الإخوان المسلمين بإيران لا تقتصر على أفرع التنظيم في مصر أو ما حولها من دول عربية، بل يمتد ذلك إلى منطقة الخليج العربي، حيث لا يخفي عناصر التنظيم والمحسوبون عليه تعاطفهم مع النظام الإيراني أو أحياناً الحديث عنه على استحياء حينما يكون هذا الحديث متعلقاً بجرائم النظام. بتاريخ 28 يوليو 2017، بث تلفزيون أبوظبي برنامجاً وثائقياً تضمن اعترافات عضو تنظيم الإخوان المسلمين القطري محمود الجيدة، وورد فيه أن جماعات الإخوان المسلمين الخليجية قامت بتأسيس ما يسمى مكتب التنسيق الخليجي ليكون مظلة لجماعات الإخوان في المنطقة. وورد في الوثائقي الإماراتي أن المكتب التنسيقي الخليجي يرتبط بعنصر يمثل حلقة الوصل بين المكتب والنظام الإيراني، في دلالة على حجم الارتباط والتنسيق بين الإخوان وإيران حتى على مستوى دول الخليج العربي.
علاقة تنظيم "حماس" بالنظام الإيراني والحرس الثوري الإيراني هي أفضل مثال على مدى قرب العلاقات بين إيران والإخوان المسلمين. تنظيم "حماس" يمثل ذراعاً عسكرية لتنظيم الإخوان المسلمين في فلسطين. وقد رفع التنظيم منذ تأسيسه عام 1987 شعار تحرير فلسطين والقدس وغير ذلك، إلا أنه سرعان ما تبين أنه يسخّر جميع عناصره البشرية وقدراته خدمة لأجندة النظام الإيراني، وسرعان ما انكشفت الخيوط والحبال التي تربط أعلى كوادر التنظيم بالمرشد الأعلى الإيراني وحرسه الثوري. ولذلك، فقد عملت هذه الحركة على التحكم بالأوضاع في غزة وما دونها، وأسهمت في إلحاق الضرر الكبير بأمن الدول العربية، ومن ذلك دور "حماس" في عمليات اقتحام السجون المصرية عام 2011 وإطلاق المحكومين من تنظيم الإخوان المسلمين منها، والهجوم على أقسام الشرطة والمراكز الأمنية.
ولذلك، فإن تاريخ حكم ولاية الفقيه، ومن قبل ذلك تاريخ الحركات الدينية المتشددة في إيران، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتنظيم الإخوان المسلمين، وقد سارع النظام الإيراني وحرسه الثوري إلى رفض توجه الإدارة الأمريكية تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وقد كانت إيران تدافع بهذا الموقف عن نفسها مباشرة وليس فقط عن تنظيم الإخوان المسلمين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة