لا يتوقف فريدمان عند هذا الحد، إذ يحاول طمأنة «الإسرائيليين» بأن «صفقة التسوية الأمريكية التي يجري الحديث عنها، جيدة لإسرائيل وأمريكا»
تذكروا هذا الاسم.. ديفيد فريدمان «الرائع» أمريكياً و«إسرائيلياً»، فهو سفير المستوطنين لدى الإدارة الأمريكية، أو سفير الإدارة الأمريكية لدى المستوطنين.. لا فرق، وهو الذي لا يكف عن تحميل نفسه فوق طاقتها، لإثبات معدنه «الأصيل» في خدمة المشروع الاستعماري الاستيطاني على أرض فلسطين، إلى أن بلغ حداً لا يمكن لأحد أن يضاهيه في عشقه الجنوني لرعاع الاستيطان حتى التماهي، وإنكار فلسطين وشعبها وحقوقه المشروعة حتى ذروة الإسفاف.
مشكلة فريدمان وغيره من الاستعماريين وممولي الاستيطان وقطَّاع الطرق، أنهم لا يفهمون المنطقة وشعوبها. ونحن لن نتحدث هنا عن تاريخ الصراع، ولا عن مئات آلاف الضحايا من الشهداء والأسرى والمعاقين الفلسطينيين، بقدر ما نود التذكير بأن الطريق لن يكون أبداً ممهداً لتسويات أو تصفيات من هذا النوع.
هذا الفريدمان الذي لا يرى إلا بعين واحدة، والذي وهب حياته للدفاع عن المشروع الاستيطاني أكثر من «الإسرائيليين» أنفسهم، وساهم في إقناع إدارته في واشنطن بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» ونقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إليها، ثم أقنعها بالاعتراف بـ«إسرائيلية» هضبة الجولان السورية المحتلة، ها هو يحاول اليوم إقناعها بالاعتراف بضم الأغوار وشمال البحر الميت إلى «إسرائيل»، بل يدفع باتجاه إبرام معاهدة دفاع أمريكية-«إسرائيلية» مشتركة.
ولا يتوقف فريدمان عند هذا الحد، إذ يحاول طمأنة «الإسرائيليين» بأن «صفقة التسوية الأمريكية التي يجري الحديث عنها، جيدة لإسرائيل وأمريكا»، وأنها «ستجعل إسرائيل أقوى وأكثر أمناً، وسترضي كافة مناصريها مهما كانت خلفيّاتهم الدينيّة». الغريب في الأمر أن فريدمان يتحدث، بعد كل ذلك، عن تسوية سياسية أمريكية، ويلمّح إلى إمكانية تأجيل إعلانها إلى ما بعد تشكيل الحكومة «الإسرائيلية» الجديدة، من دون أن يقول تسوية مع من.. وعلى ماذا وكيف.. طالما أن الفلسطينيين لا يملكون ويجب ألا يملكوا أية حقائق خاصة بهم، أي لا حقوق تاريخية ووطنية مشروعة أقرتها الأمم المتحدة والقوانين الدولية لهم. وطالما أن الفلسطينيين مجرد أشباح يمنحهم فريدمان حق الإطلالة بين الحين والآخر للتعبير عن أمنياتهم وسرد حكاياتهم الخاصة. والسؤال: ما جدوى مثل هذه التسوية إذا كان الأمر يتعلق فقط بتوثيق التفاهم الأمريكي «الإسرائيلي» الاستراتيجي على إخضاع المنطقة والسيطرة على مقدراتها وثرواتها؟
مشكلة فريدمان وغيره من الاستعماريين وممولي الاستيطان وقطَّاع الطرق، أنهم لا يفهمون المنطقة وشعوبها. ونحن لن نتحدث هنا عن تاريخ الصراع، ولا عن مئات آلاف الضحايا من الشهداء والأسرى والمعاقين الفلسطينيين، بقدر ما نود التذكير بأن الطريق لن يكون أبداً ممهداً لتسويات أو تصفيات من هذا النوع.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة