أمريكا وإسرائيل.. سياسة خارجية «عالقة» في التسعينيات
ما بين تسعينيات القرن الماضي والأيام الراهنة، تجد الولايات المتحدة نفسها عالقة في إسرائيل في زمن فات.
فحين زار بيني غانتس عضو حكومة الحرب الإسرائيلية وزعيم تحالف "الوحدة الوطنية"، واشنطن، في مارس/آذار الماضي، كان هناك ليفهم وربما ليتغلب على الخلافات بين تل أبيب وواشنطن بشأن الحرب في غزة.
هذا ما فسرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية في بداية تحليل لها طالعته "العين الإخبارية"، لكنها سرعان ما خلصت إلى قناعة مفادها أن "الولايات المتحدة ما زالت عالقة في إسرائيل في زمن التسعينيات".
تقول"فورين بوليسي" إن "إحباط إدارة الرئيس جو بايدن تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وسمعة غانتس باعتباره الشخص الأكثر نضجا ومسؤولية في الإدارة، ومتلازمة اضطراب بيبي (بنيامين نتنياهو) التي تصيب الكثير من مجتمع السياسة الخارجية في واشنطن، خلقت توقعات كبيرة للزيارة".
بيد أن محاوريه الأمريكيين فوجئوا بعدم وجود اختلاف يذكر بين غانتس ونتنياهو بشأن الحاجة إلى عملية رفح التي بدأتها إسرائيل الشهر الماضي، رغم الضغوط الدولية الرافضة، ومعارضة إقامة دولة فلسطينية.
وتشير مجلة "فورين بوليسي" إلى أن نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس ومساعديها فوجئوا بموقف غانتس، نتيجة "للاعتماد بشكل دائم على موظفين لا يتمتعون بالكفاءة"، وربما الافتراضات الخاطئة، وهو التفسير الأكثر قبولا.
وتشير المراجعة الدقيقة لسجله إلى أن الصحفيين والمحللين والمسؤولين افترضوا فقط مجموعة من الأشياء عن غانتس لا تتوافق مع الواقع الموضوعي.
على سبيل المثال، خلال الحملات السياسية بين عامي 2020 و2022، لم يميز نفسه تماما على أنه السياسي الوسطي أو يسار الوسط الذي يتخيله الصحفيون والمحللون والمسؤولون.
وفي فبراير/شباط 2020، قال لقناة "i24News" الإسرائيلية إن رد الجيش على إطلاق الصواريخ من غزة يجب أن يكون "قاسيا للغاية"، وأن على تل أبيب "عدم التسامح مطلقا"، ووضع نفسه على يمين نتنياهو.
وفي المقابلة نفسها، اعترف غانتس بأن سكان غزة "لهم الحق في العيش بشكل طبيعي”، لكنه قام بعد ذلك بتعديل تصريحه، معلنا أن "عليهم التصرف بشكل طبيعي”.
لم يعلن غانتس علنا قط عن دعمه لحل الدولتين - ربما لأنه أنشأ ما وصفه أحد الملفات بـ"العلاقات الودية" مع حركة المستوطنين.
فهو لا يعتقد فقط أن إسرائيل يجب ألا تعود أبدا إلى خطوط الرابع من يونيو/حزيران عام 1967، بل كان غانتس أيضا داعما للولايات المتحدة وخاصة خطة الرئيس دونالد ترامب للسلام.
لماذا تتمسك واشنطن بغانتس؟
ومع ذلك، على الرغم من كل هذا، لا يزال مجتمع السياسة الخارجية في واشنطن يرى أن غانتس هو الأمل الأكبر لإسرائيل.
في هذا الإطار، يُعتبر زعيم "الوحدة الوطنية" محاورا أكثر قبولا بكثير من نتنياهو، وشخصا يمكنه صنع السلام مع الفلسطينيين رغم أن هذا الأمر مشكوك فيه للغاية، وفق فورين بوليسي.
وهي رواية يقوم بالترويج لها الإسرائيليون والأمريكيون الذين لا يحبون نتنياهو، والتي تلحق في الوقت ذاته الضرر بصناع السياسات والمحللين على حد سواء.
وقد يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي ساخرا ومراوغا وغير جدير بالثقة- بحسب المجلة- لكن التركيز المفرط عليه يسمح بازدهار الافتراضات الخاطئة في النظام البيئي السياسي.
ولهذا فإنه إذا كان هناك سياسي إسرائيلي يعارض نتنياهو، فيجب أن يكون هذا السياسي شخصًا جيدا يريد كل الأشياء نفسها التي تريدها واشنطن.
الافتراضات "الخاطئة"
لكن تبقى مسألة الافتراضيات الخاطئة ليست مجرد مشكلة تؤثر على نهج واشنطن تجاه إسرائيل، ولكنها تؤثر أيضا على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بشكل عام، وهي عامل مشترك بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، هكذا تقول المجلة.
مسألةٌ تستحضر عقودا مضت من الفشل الأمريكي في الشرق الأوسط، حيث استعرضت "فورين بوليسي" ستة أفكار وضفتها بـ"الخاطئة" أبلغت صناع السياسات في الإدارات الديمقراطية والجمهورية في أوقات مختلفة وبدرجات متفاوتة من التركيز.
- الافتراض الأول،: الذي تبنته إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، والذي اعتقد أن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين من شأنه أن يؤدي إلى تحول الأنظمة السياسية الاستبدادية في المنطقة.
- الثاني: خالف الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش افتراض كلينتون، معتقدا أن إصلاح الأنظمة الاستبدادية من شأنه أن يؤدي إلى السلام.
- الافتراض الخاطئ الثالث: هو أن الديمقراطية يمكن أن تزدهر بدون ديمقراطيين.
- والرابع: هو أن الثقافة والهوية لا يهمان وعكسهما – الهوية والثقافة يفسران كل شيء.
- خامساً، وربما هو الافتراض الأكثر أمريكية على الإطلاق" هو أن الناس في كل مكان يريدون نفس الأشياء.
- وأخيرا: تتمتع الولايات المتحدة بالقوة، ويمتلك مسؤولوها البصيرة والحكمة اللازمة لصياغة التحول السياسي الإقليمي.
بيْد أن الأمر المحبط في اللحظة الراهنة هو أن الأمريكيين لم يتعلموا دروس الماضي القريب، ويبنون على "افتراضيات خاطئة".
فالافتراض الأساسي لنهج إدارة بايدن تجاه الحرب وتداعياتها واضح ومباشر ولكنه "خاطئ للغاية"، بحسب المجلة الأمريكية.
وتقول المجلة "إذا أعطت واشنطن للفلسطينيين أفقا سياسيا لإنشاء دولتهم التي توفر للإسرائيليين في الوقت نفسه الأمن الذي يتوقون إليه، فإن كلا الجانبين سوف يغتنمان الفرصة. وهذا هو نفس الافتراض الذي غذّى اتفاق أوسلو (عام 1993)".
ولذلك "ربما كان الأمر أقرب إلى الواقع في التسعينيات. لقد أصبح هذا الحلم الآن بمثابة حلم محموم في واشنطن العاصمة".
وبينما تتباين نسبة المؤيدين والرافضين من الفلسطينيين والإسرائيليين لحل الدولتين، يسيطر شركاء نتنياهو المتطرفون - وزير المالية بتسلئيل سموتريش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير - على 13 مقعدا في الكنيست، وهو ما يزيد بتسعة مقاعد عن حزب العمل، الذي أصبح من بقايا معسكر السلام في التسعينيات.