إن رسم السيناريوهات والمشاهد المستقبلية للنظام الدولي يتطلب دورا عربيا فاعلا ومؤثرا من الدول العربية الكبيرة كمصر والإمارات والسعودية.
تحاول الإدارة الأمريكية الإمساك مجددا بأركان النظام الدولي من جديد في ظل دعاوى تتردد على لسان كثير من السياسيين والأكاديميين بضرورة إجراء تعديلات حقيقية على بنية النظام الدولي في الفترة المقبلة، وعدم توقفه عند تقسيم مناطق النفوذ بين الولايات المتحدة والصين وروسيا على غرار ما تم في مرحلة الاستقطاب الثنائي، وهو الأمر الذي سيواجه بالمزيد من التحدي الأمريكي تنفيذا لمبدأ مونرو والذي ما تزال تعمل به الولايات المتحدة بصورة أو بأخرى.
فالولايات المتحدة لا تريد أن تغير من القاعدة الراهنة والتي استقرت لسنوات طويلة، والتي تركز على استمرارها على رأس النظام الدولي بصرف النظر عن التحولات والتغييرات التي يشهدها العالم في الوقت الراهن، والتي ستنعكس بالفعل على علاقات الدول الكبرى والصغرى معا وهو ما يجب الانتباه إليه جيدا.
فكثير من التحليلات الأمريكية الحالية تصب في اتجاه واحد، وهو رفض أي شراكة أمريكية مع أي قوة دولية أخرى، وأنه لا عودة لتقسيم العالم، خاصة وأن المبدأ الأمريكي في القيادة واضح، وبالتالي سيظل مخطط الولايات المتحدة عدم المساس بأي من المنظمات المالية مثل البنك الدولي، وصندوق النقد ومؤسسات التمويل الكبرى.
فبديلها إعادة بناء نظام مالي جديد لن تكون فيه حاضرة بقوة بصرف النظر عن حصتها المالية الكبيرة في موازنتها، وتحكمها في القرار الاقتصادي، وآليات تعاملها مع الدول الساعية للاقتراض.
ولأن مثل هذه الأمور ستفتح الباب على مصراعيه لتغييرات أخرى، ستطول التنظيم الأممي مثل إعادة النظر في إدارة مجلس الأمن والمنظمات الاقليمية التابعة، وبالتالي سينفتح الباب على مصراعيه لتغييرات حقيقية لا تريدها الولايات المتحدة على الأقل في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إذا استمر لولاية ثانية.
حيث من المؤكد استمرار التجاذب السياسي والاقتصادي قائما بين القوى المركزية المرشحة للصعود الدولي، وهي الصين والمانيا وفرنسا واليابان، والسؤال ماذا عن الموقف العربي؟، وأين نحن من هذه التطورات الجارية، والتي بدأت معالمها في الظهور في ظل الإعلان الأمريكي عن إعادة انتشار قواتها، وسحب بعض وحداتها في العالم وفقا لما طرح أمريكيا مؤخرا؟، وانطبق على بعض القوات الأمريكية في المنطقة؟، وفي منطقة جنوب الساحل والصحراء وصولا إلى القيادة الأمريكية في أفريقيا، ومناطق أخرى من العالم.
التحليلات الأمريكية الحالية تصب في اتجاه واحد ، وهو رفض أي شراكة أمريكية مع أي قوة دولية أخري، وأنه لا عودة لتقسيم العالم خاصة وأن المبدأ الأمريكي في القيادة واضح.
والإجابة أن الولايات المتحدة وفي حال استمرار الرئيس ترامب لولاية جديدة ستتجه لفرض خياراتها الدولية، وليس التوافق أو النقاش مع القوى الدولية لاعتبارات تتعلق بمصالحها الاستراتيجية، والتي ستصطدم بدون جدال مع مصالح الدول الأخرى التي تريد استثمار ما يجري لتغيير قواعد اللعبة الدولية، وهو الأمر الذي يسعى إليه الجانب الروسي بصوة مباشرة ومعلنة حتى لو اصطدم بالمصالح الأمريكية، ودخل في مناطحات سياسية متعددة.
وسيعمل به الجانب الصيني في الشرق الأوسط وأفريقيا، وفي قلب التطورات الآسيوية الدولية، وعلى رأسها المصالح الأمريكية في آسيا سواء مع اليابان أو الصين أو الهند، وهو ما قد لا تتفهم أبعاده جيدا الولايات المتحدة التي تريد محاصرة وتهميش حدود الحركة الدولية للقوى الكبرى، ولن تستطيع في ظل ما ترتب له كافة الدول الكبرى التي تبحث عن حضور حقيقي في المنظومة الدولية بصرف النظر عن السلوك الأمريكي المتوقع قبولا أو رفضا.
خاصة وأن إعادة النظر في أفكار العولمة القديمة والسيادة الوطنية، وإعادة قراءة فكرة القومية، وبناء شراكات مختلفة سيكون مطروحا بقوة، وسيتم في إطار دعاوي بدأ بعض رؤساء العالم في إعادة طرحها في اطار تقييم حقيقي لما يجري في جوهر النظام الدولي الحالي، والمرشح للتغيير في الفترة المقبلة بقوة.
خاصة أنه لا ضمانات من أي نوع – وفي حال التوصل لعلاج فيروس كورونا – أن يهدأ العالم ويستقر خاصة وأن تكرار أزمات مشابهة سيكون مطروحا وقائما في إطار مرحلة جديدة من مواجهات غير تقليدية وغير مسبوقة، وهو ما سيتطلب مراجعة مواقف القوى الدولية المسؤولة عن إدارة النظام الدولي، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي ستظل تطبق مبدأ مونرو لأنه ببساطة يقر قيادتها للعالم وليس توزيع مناطق النفوذ أو الحضور.
إجمالا شاءت أم أبت الولايات المتحدة فإن عصرا جديدا سيتشكل، وسيعاد بلورة أسس الحوكمة الدولية والمنظمات العالمية، ونظام الأمم المتحدة إضافة إلى مراجعة المعاهدات الدولية التي حكمت علاقات الدول في مختلف دول العالم لسنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية واستمرت للوقت الراهن.
إن رسم السيناريوهات والمشاهد المستقبلية للنظام الدولي يتطلب دورا عربيا فاعلا ومؤثرا من الدول العربية الكبيرة كمصر ودولة الإمارات العربية والسعودية للقيام بدور استباقي في إعادة ترتيب الحسابات والأولويات العربية الدولية، وفي مواجهة ما يخطط في الدوائر الأمريكية والأسيوية حتى قبل أن تحسم أزمة كورونا ، ويتم التوصل لحل حقيقي في مواجهتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة