تتصاعد الأحداث داخل الساحة الأمريكية، وعلى مستوى الحزبين، وهو ما برز مؤخرا في حالة الجدال الكبيرة داخل الحزب الديمقراطي، ومدى دعم الرئيس جو بايدن في معركته لإيجاد حل نهائي، وحاسم لمسألة الدين العام.
يأتي ذلك في ظل حالة من التشرذم، وعدم الاستقرار في الساحة الأمريكية حول أولويات الأمة الأمريكية في الفترة المقبلة التي تطرح تساؤلات أهمها هل الوصول بحالة الدَّين لمعدل مقبول قد يكون الحل ولو مؤقتاً، أم أن هناك توجهات، ومواقف جدية يجب العمل بها في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، وارتباك الجهاز البيروقراطي للدولة على المستوى الفيدرالي في التعامل، خاصة أن كل الحلول المطروحة لا تزال في إطار من الإجراءات الوقتية المسكنة.
تجاوزت القضية بالفعل التعاملات العابرة، وهو ما تدركه الأجهزة البيروقراطية، خاصة في الولايات الكبرى، والداعمة لإجراءات التعامل الجذري مع سقف الدين العام.
ومن الاقتصاد إلى السياسة، فإن هناك حواراً آخر مرتبطاً بقدرة الرئيس جو بايدن على الاستمرار، والعمل لولاية ثانية في ظل الحالة الصحية التي بات عليها الرئيس، والتخوفات من ترشحه في الانتخابات المقبلة، وما تحتاجه من جهد وجولات تنقل وخطاب إعلامي وسياسي جديد خاص به وبالحزب الديمقراطي قد لا يكون مطروحاً مما قد يذهب بالحزب لهزيمة جديدة.
وهو ما يتخوف من تبعاته قيادات الحزب ويحذرون من أن تصميم الرئيس الأمريكي جو بايدن قد يؤدي إلى منح فرص أقل له للتحرك، والعمل من قبل الحزب الجمهوري، خاصة أن الحزب يشهد حالة من الحراك غير المسبوق، مرتبط بالفعل بقيادات وازنة أعلنت دخولها المعركة الانتخابية الأمر الذي قد يوفر فرصاً جيدة للمنافسة الحقيقية والعمل في ظل مناخ جديد يتشكل ويدفع بالفعل للتخوف، والتحسب لأي سيناريو على الجانب الآخر.
على جانب آخر، ومع دخول حاكم ولاية نيوجيرسي السابق كريس كريستي السباق الانتخابي لعام 2024 في مواجهة الرئيس السابق ترامب، ومع إعلان نائب الرئيس السابق مايك بنس تقدمه للترشح، كما سيعلن حاكم ولاية نورث داكوتا دوغ بورغوم ترشحه أيضاً، ومع دخول الثلاثة السباق فإن الأمر سيختلف شكلاً ومضموناً، وسيشكل مناخاً مختلفاً في الفترة المقبلة، وسيعطي زخماً مبكراً للحملة الانتخابية، بل سيؤدي إلى تنافس كبير داخل الحزب الجمهوري.
إضافة إلى أن الرئيس السابق ترامب سيكون أيضاً على رأس المتصارعين، الأمر الذي سيبعث برسائل مبكرة بأن الحزب الجمهوري يتعامل مع الانتخابات المقبلة بمقاربة مختلفة ورؤية أكثر انفتاحاً، وإمكانات كبيرة سواء على مستوى الشخصيات والسياسات، فالانتخابات التمهيدية ستبدأ بعد نحو 6 أشهر من الآن إلا أن الاستعدادات داخل الكثير من الولايات خاصة التي تمثل معاقل التصويت لا تنتظر هذا الموعد الرسمي، وغالباً يحصل المرشح من الحزب الجمهوري على الدعم الرسمي مبكراً، والفائز في الترشح يحصل على 100% من التصويت النهائي.
بل هناك رهانات كبرى أن فرص ترشح الرئيس السابق ترامب واردة بقوة وأنه يواجه فرصاً أفضل من المعركة الانتخابية السابقة التي تنافس فيها مع منافسين كبار.
الرسالة أن الحزب الجمهوري سيعطي الفرصة لكثير من المتقدمين لاختيار الأفضل في ظل ما يجري من حالة التباين في الرؤى داخل الحزب حول الأولويات، والمهام التي يجب على الحزب العمل بها، والانتقال منها إلى الجمهور الأمريكي الذي يمكنه المنافسة.
والمواجهة في الفترة المقبلة لا تدور في فلك الرئيس الأمريكي السابق ترامب، خاصة أن المرشح الأقوى في الساحة الحزبية ليس فقط في الحزب الجمهوري هو ديسانتيس، الذي يصعد نجمه بصورة كبيرة، ولديه الحضور السياسي، والحزبي الكبير والقادر على مواجهة أي مرشح بصرف النظر عن إمعان البعض على عقد مقارنة بينه، وبين الرئيس السابق ترامب، وأنه لا يحظى بشعبيته.
لا يتوقف الواقع السياسي الراهن داخل الولايات المتحدة عن ترديد بعض الأسماء، أو الشخصيات من الحزبين، خاصة أن عملية حرق الأسماء قد بدأت، ولا تستهدف الرئيس السابق ترامب فقط بل ستمتد إلى الرئيس الحالي جو بايدن، خاصة مع فتح ملف الفساد لدى أسرة بايدن من جانب، وإعادة توجيه الاتهامات للرئيس بايدن بدليل التصعيد الجمهوري من داخل الكونغرس، وقيام مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" بالعودة مجدداً في الواجهة، واتهام الرئيس جو بايدن بعدم تسليم الوثائق المطلوبة عندما كان نائباً للرئيس كما صوتت لجنة التحقيقات الفيدرالية ضده، واتهمته رسمياً بازدراء الكونغرس، وهو الأمر الذي سيفتح الباب على مصراعيه بأن الرئيس بايدن يواجه اتهامات، وقد يدان.
ومن شأن هذه الخطوة أن تحدث مزيداً من الصراع السياسي والحزبي مجدداً في الكونغرس وخارجه بل وقد تؤدي إلى حالة من التشدد ومن الممكن أن تمتد إلى فتح ملف أسرة الرئيس جو بايدن، حيث يعمل الحزب الجمهوري على إيجاد رابط مباشر بين عملية صنع القرار التي يتخذها الرئيس بايدن، والمدفوعات التي تلقاها أفراد أسرته، في إشارة محددة إلى نجله هانتر بايدن، ويعمل رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي على تطوير الاتهام المحدد إلى سلسلة من الاتهامات الأخرى.
وبعيداً عما يجري، فإن وزارة العدل لن تتعجل بتوجيه اتهامات جنائية وفق سلطاتها المقرة حتى وإن تم التصويت على تهمة الازدراء في الكونغرس حيث لم يوجه مدير "إف بي آي" مثل هذه الاتهامات منذ 4 عقود على الأقل.
وتكشف كل ملابسات ما يجري بالفعل أن محاور التجاذب الكبيرة بين الحزبين ستستمر، ولن تتوقف بالفعل بل ستزيد في إشارة مهمة لما هو قادم من تطورات داخل الكونغرس وخارجه، وهو ما يجب وضعه في الاعتبار في الفترة المقبلة، التي تدفع بضرورة قيام كل حزب بالتأهب لما هو قادم من تحديات.
فالحزب الديمقراطي لا يتوقف عند ترشح الرئيس جو بايدن في ظل بزوغ نجم مرشحين كبار قادرين على خوض المعركة الانتخابية على مستوى الأمة الفيدرالية، وإقناع الجمهور الأمريكي بعيداً عن استطلاعات الرأي الموجهة، التي تتلاعب بنتائجها ومؤشراتها وسائل الإعلام، ومراكز المال.
كما أن الحزب الجمهوري - في المقابل- ليس هو حزب الرئيس السابق ترامب، فالواقع يشير إلى أن هذا الحزب العريق تأثر بالفعل جراء سياسات، وتوجهات ترامب وأضر بحضوره في المشهد الانتخابي والحزبي بل وتضررت الولايات المتحدة كلها جراء سياسته في الداخل الأمريكي وخارجه، حيث مست النموذج الأمريكي الذي تطرحه الولايات المتحدة للعالم كله، وليس للداخل كما يتصور البعض، وفي إشارة مهمة إلى أن الرئيس الأمريكي، أياً كان من يحكم، لا يجب أن يهز الصورة الإجمالية للولايات المتحدة.
سيستمر التجاذب قائماً داخل الكونغرس وخارجه ولن يتوقف في ظل حالة من التباين في الرؤى والطرح، وهو أمر عادي اعتادت الولايات المتحدة على العمل به، ولكن الإشكالية الحقيقية في غياب الرؤية الجمعية، والاتفاق على الحد الأدنى من الخلاف الحزبي، الأمر الذي يتجاوز موضوع الدين العام بكثير إلى إدارة الاقتصاد وإعادة تفعيل خطة التطوير، وإنعاش الاقتصاد، وحسن إدارة الموارد الداخلية، وتحديد أسس جديدة للبرنامج الصحي والضرائب التراكمية والرهونات العقارية، وغيرها من تلال المشكلات التي يجب على الكونغرس والرئيس حلها، دفاعاً عن مكانة الولايات المتحدة، ودورها القيادي في العالم وفي ظل ما تواجهه من صراعات كبرى أهمها الخطر الصيني، ومواجهة التحدي الروسي.
مع الوضع في الاعتبار أن تطبيق الاستراتيجية الأمريكية بمحاورها الاستراتيجية وفقاً لعقيدة الرئيس بايدن تحتاج إلى تكاتف داخلي منشود في هذا التوقيت، وليس الإغراق في الحملات الانتخابية التي بدأت مبكراً، وقبل استحقاقاتها الزمنية لنقل رسالة مهمة للجمهور الأمريكي بالرغبة الملحة في التغيير، والانتقال إلى وضع أفضل ومهم للأمة الأمريكية، وليس الانغماس في مساحات من الاختلاف والتباين، الذي يأتي في نهاية المطاف لصالح المناوئين للمصالح الأمريكية، وبقيادتها للعالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة