من أكبر عجائب الضربة الثلاثية أنها فضحت و عرَّت من يدعون أنهم مثقفون وقوميون
الضربة العسكرية الثلاثية (الأمريكية البريطانية الفرنسية) على مواقع في سوريا يبدو أنها من الوهلة الأولى لم تستهدف الأسد، أو نظامه أو تعاقبهم على أفعالهم المشينة، وليس لها أثر عسكري، فلو استمر ترامب على التهديد والوعيد لكان أشد وطأة من الضربة نفسها، فالضربة الثلاثية ذات الأهداف السياسية لم تخرج رغم التوتر الروسي الغربي عن السّيطرة، وتركت هامش مناورة يحول دون اندلاع صراع غير محمود العواقب.
نحن لا نريد عقولاً قوميّة تحرِّكها طائفية بغيضة أو أيديولوجية نتنة تستيقظ في قصف ومعاقبة بشار وتنام عند احتلال تركيا وإيران لأراض عربية، ونحن لا ولن نحترم من يحدثنا عن العروبة ويصمت عن دعم نظام قطر للإرهابيين في كل الوطن العربي .
بعيدًا عن السياسات الحكومية العربية الرسمية وغير الرسمية التي لها أهدافها وتحكمها المصالح والتوجهات، نجد من المفارقات المضحكة المبكية، إصرار بعض المثقفين والكتّاب السياسيين العرب على وصف الضربة الثلاثية التي تلقاها النظام السوري قبل أيام (بـالعدوان الثلاثي)، وذلك للتذكير وربطها بما حدث أيّام جمال عبدالناصر في العام 1956 عندما هاجمت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل الإذاعة والتلفزيون الرسمي في مصر، رداً على تأميم قناة السويس.
من أكبر عجائب الضربة الثلاثية أنها فضحت وعرَّت من يدّعون أنهم مثقفون وقوميون حين سموها بالعدوان الثلاثي أو العدوان الأحمق على سوريا، وأنها انتهاك صارخ للسيادة السورية وكرامة الشعب السوري وسائر شعوب المنطقة، وأنهم يَرَوْن أهمية أن يحل الشرق الأوسط والعرب مشاكلهم وأزماتهم بدون أي تدخل من الشرق والغرب، وأن تدخلهم لا يصلح شيئاً بل يزيد الأمور تعقيداً والضحايا هم الشعوب العربية على مر العصور، في تشبيه غير محمود وغير مقبول بالعدوان الثلاثي على مصر.
أقول لهؤلاء القوميين ما يحدث في سوريا منذ سبع سنوات وحتى الآن هو عدوان غاشم مكتمل، فالشعب السوري يُقتل ويُباد بالأسلحة بدم بارد، ومازال هناك من يرى ويزرع في أذهان الناس بأن بشار وفريقه نظام مقاوم ضد الاٍرهاب.
هؤلاء موقفهم غير أخلاقي ولا قومي ولا إنساني، سواء كانوا شيوعيين أو يساريين أو بعثيين أو اشتراكيين أو ليبراليين أو إسلاميين من إخوان وغيرهم، أو من أذناب إيران أو ما تبقى من الناصريين، وكأن الضربة أحيت ضمائرهم لذا استنكروا واعتبروها عدواناً على بلد عربي، هم يدينون أي عقاب للنظام المجرم الذي يقتل السوريين بكافة أنواع الأسلحة بوحشية بما فيها الأسلحة الكيماوية منذ أعوام، ويشرّدهم في الداخل والخارج بمساعدة إيران ومليشياتها وروسيا ومرتزقتها، هؤلاء لا يمثلون عروبة ولا قومية، وبعضهم ينتمي إليها لتحقيق أغراض خاصة بهم، وأجزم لو أن الجامعة العربية قررت إرسال قوات عربية لحماية الشعب السوري لعارضوها.
لذلك علينا أن نقرأ المسألة بسهولة، فنحن لا نريد عقولاً قومية تحرِّكها طائفية بغيضة أو أيديولوجية نتنة تستيقظ في قصف ومعاقبة بشار، وتنام عند احتلال تركيا وإيران لأراض عربية، ونحن لا ولن نحترم من يحدثنا عن العروبة ويصمت عن دعم نظام قطر للإرهابيين في كل الوطن العربي، فالحوثي في اليمن وحسن نصر اللات في لبنان والأسد في سوريا وغيرهم ممن تسببوا في نكبة العرب سابقاً، فهم يدّعون أنهم مدافعون عن العروبة، لذا أرى أن بعض "القومجيين" يمثلون انتكاسة للعقول والمفاهيم، وخونة لأمتهم العربية والشعب العربي الذي تجمعه اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافيا والمصالح، حتى لو تقمّصوا العروبة وتأبطوا التاريخ والجغرافيا وانتسبوا للقبيلة، إنما هم مجرد شبيحة أبعد مما تتصورون وتتوقعون عن العروبة والقومية العربية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة