أحزاب المعارضة قد تدق باب الرئيس السابق عبدالله غول ليكون هو مرشحها المنافس للرئيس أردوغان،
يبدو أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة التي ستجري في 24 يونيو المقبل بتركيا ستتحول إلى معركة كسر عظم بين الرئيس رجب طيب أردوغان والمعارضة بكل أطيافها.
إذ يبدو أن الرغبة العارمة لدى المعارضة في التخلص من حكم أردوغان وسياساته، دفعت جميع أحزاب المعارضة لترك خلافاتها السياسية والأيديولوجية وراء ظهرها لتبحث سبل التوحد فيما بينها ضد الرئيس في سباق الرئاسة القادم، وهو أمر غير مسبوق في تركيا، ويعكس مدى الرفض السياسي والشعبي لسياسات أردوغان ومشاريعه.
ففي سابقة في تاريخ السياسة التركية أعار حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي التوجه، 15 نائباً من نوابه في البرلمان لـ"للحزب الجيد" قومي التوجه المشكّل حديثاً من قوميين انشقوا عن حزب الحركة القومية المتحالف مع الرئيس أردوغان.
وبانتقال هؤلاء النواب إلى الحزب الجيد، فإن هذا الحزب سيصبح له كتلة في البرلمان تمكنه من ترشيح زعيمته ميرال أكشنار التي تحظى بشعبية واسعة وتشكل تحدياً قوياً للرئيس أردوغان الذي حاول من خلال تقريب موعد الانتخابات وضع العراقيل أمام ترشحها، لأسباب إجرائية تتعلق بحداثة تشكيل الحزب.
استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن شعبية الرئيس أردوغان ما زالت بين 40 إلى 43% ، وترشيح المعارضة لشخصية سياسية قريبة من الحزب الحاكم – مثل عبدالله غول- قد يسحب المزيد من الأصوات المؤيدة لأردوغان باتجاه هذا المرشح وهو ما تراهن عليه المعارضة الآن.
ومن الغريب أن وزراء حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه الرئيس أردوغان انتقدوا تصرف المعارضة واعتبروه "خارجاً على أخلاق السياسة" وغير مقبول، متناسين أن زعيم حزبهم أردوغان ما كان ليستطيع دخول البرلمان عام 2003 لولا خطوة مشابهة قام بها حزب الشعب الجمهوري الذي سعى لتغيير قانون الانتخابات بشكل يتجاوز عن سابقة حبس أردوغان بتهمة إثارة النعرات القومية والطائفية، ويمكّن أردوغان من دخول البرلمان في انتخابات تكميلية في مارس 2003.
إذ اعتبر حزب الشعب الجمهوري أن الديمقراطية في تركيا يجب أن تكون فوق كل اعتبار، وأنه لا يجوز بقاء زعيم حزب ممثل في البرلمان محروماً من حقّه في الترشح للانتخابات. أما اليوم فإن حزب العدالة والتنمية يرى في سعي حزب الشعب الجمهوري لتوفير نفس الفرصة للسيدة ميرال اكشنار ضرباً من التحايل السياسي، وهو أمر يشير إلى مدى تراجع الحزب الحاكم عن مبادئه السياسية التي قام عليها قبل 18 عاماً.
زعماء المعارضة لم يكتفوا بهذه الخطوة فقط، بل بدأت اجتماعات بين زعماء حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي، والحزب الجديد، وحزب السعادة الإسلامي وريث حزب الرفاه الذي أسسه رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان، من أجل بحث إمكانية ترشيح مرشح موحد عن الأحزاب الثلاثة، مرشح يستطيع حصد أصوات ناخبي هذه الأحزاب الثلاثة بالإضافة إلى أصوات الناخبين الأكراد من أجل جمع أكبر نسبة من الأصوات تحسم الانتخابات لصالحه من الجولة الأولى، أو تجبر أردوغان على خوض جولة إعادة ثانية على الأقل.
ووفق بعض التقارير الإعلامية التركية، فإن أحزاب المعارضة قد تدق باب الرئيس السابق عبدالله غول ليكون هو مرشحها المنافس، ورغم أن هذه الخطوة ليست مضمونة بسبب تردد غول ووجود بعض التيارات المعارضة لهذا الاختيار من داخل حزبي الجيد والشعب الجمهوري، إلا أن هذا التوجه يشير إلى أن المعارضة باتت مستعدة للقبول برئيس للجمهورية من حزب العدالة والتنمية الحاكم غير أردوغان. وهو مؤشر واضح وقوي على أن المعارضة ترى أن المشكلة ليست في الحزب الحاكم وإنما في شخص أردوغان وهو أمر غير مسبوق أيضا في السياسة التركية.
عبدالله غول الذي أقصاه أردوغان عن السياسة بعد انتهاء فترة حكمه الرئاسية ومنع عودته إلى صفوف الحزب، اعترض في أكثر من مناسبة على سياسات أردوغان الداخلية والخارجية، ودخل في سجال سياسي معه قبل عدة أشهر بعد أن صرح بأنه قد يترشح للرئاسة. لكن غول بطبعه الهادئ وغير الصدامي، يخشى من لجوء أردوغان إلى حيل سياسية للضرب تحت الحزام بشكل يسيئ إلى سمعته كرئيس سابق للجمهورية.
استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن شعبية الرئيس أردوغان ما زالت بين 40 إلى 43% ، وترشيح المعارضة لشخصية سياسية قريبة من الحزب الحاكم – مثل عبدالله غول- قد يسحب المزيد من الأصوات المؤيدة لأردوغان باتجاه هذا المرشح وهو ما تراهن عليه المعارضة الآن.
إن المطالِع للوعود الانتخابية التي يقدمها الرئيس أردوغان وحججه لتقديم موعد الانتخابات لا يرى شيئاً يقدمه للناخبين، فحديثه يبقى في إطار "التصدي للمؤامرة الدولية ضد تركيا" و "بداية عهد جديد". ويعكس هذا إفلاساً سياسياً واضحاً، فالوضع الاقتصادي في تركيا يتدهور بسرعة أجبرت أردوغان على تقديم موعد الانتخابات قبل حدوث "زلزال اقتصادي" على حسب تعبيره هو شخصياً.
كما أن السياسة الخارجية لتركيا باتت مبنية على الخصام والعداء لكل الجوار الإقليمي والغرب بشكل عام، فيما السياسة الداخلية متأزمة للغاية مع استمرار حالة الطوارئ، والاعتقالات المتكررة لآلاف المواطنين بحجج مختلفة، وتدهور وضع القضاء والحريات، وهو وضع ترى جميع أحزاب المعارضة أن المسؤول الأول عنه هو الرئيس أردوغان وسياساته.
وتعكس تصرفات الرئيس أردوغان مدى قلقه وعدم وثوقه في نتائج الانتخابات القادمة، مما دعاه لاتخاذ تدابير كثيرة تعرقل تقدم شعبية أحزاب المعارضة وفرصتها في خوض الانتخابات، بدلاً من تقديم برامج ووعود انتخابية تزيد من شعبيته هو، إذ لجأ أردوغان إلى تغيير قانون الانتخابات بشكل يسمح باحتساب الأصوات غير الممهورة، وهو أمر غير مسبوق في تركيا وترى المعارضة أنه دعوة صريحة للتزوير.
كما أصرّ أردوغان على إجراء الانتخابات في ظل قانون الطوارئ، وهو أمر يعيق حرية المعارضة في الدعاية الانتخابية وإجراء الحملات الدعائية الشعبية، ناهيك عن منحه الحكومة السيطرة على كامل العملية الانتخابية.
كذلك رفض أردوغان إقالة وزراء العدل والداخلية والمواصلات وتعيين وزراء مستقلين، وهو أمر متبع قبل كل انتخابات برلمانية أو رئاسية من أجل ضمان حياد العملية الانتخابية. ناهيك عن سيطرة أردوغان على معظم وسائل الإعلام واستخدامه لجميع مؤسسات الدولة وموازناتها للحشد لدعايته الانتخابية وعرقلة حملات المعارضين له.
كل هذه الأمور توضح أن الرئيس أردوغان بات يدرك أن شعبيته قد لن تسعفه هذه المرة للفوز في الانتخابات بشكل عادل ونزيه، ويزيد من قلقه الآن تحرك المعارضة بهذا الشكل.
فرهان الرئيس أردوغان كان دائمًا على تشتت المعارضة واختلاف أجندتها، لكنه على ما يبدو لم يتوقع أن يصل مستوى رفض المعارضة له حد أن تضع كل الخلافات وراء ظهرها وتتحد ضده، لدرجة باتت أجندة الانتخابات اليوم محصورة في هدف واحد، بقاء أردوغان واستمرار سياساته، أو الإطاحة به ديمقراطياً وإعادة تركيا إلى سياساتها السابقة.
قد يكون الرئيس أردوغان هو الزعيم السياسي الأكثر شعبية في تركيا مقارنة ببقية الزعماء السياسيين مع تأييد أكثر من 40% من الناخبين له، لكنه في نفس الوقت أيضاً، الزعيم الذي تريد أكثر من 50% الباقية من الناخبين خروجه من السلطة.
قد تنجح المعارضة في سعيها هذا وتغير وجه تركيا بشكل كبير، أو قد تفشل في استكمال طريقها الذي بدأته في توحدها ضد أردوغان، أو قد تنجح لكن مرشحها قد يخسر الانتخابات بسبب عدم عدالة ظروفها وتحكُم الحكومة في مجرياتها، لكن ما يحدث اليوم في تركيا يكشف مدى صعوبة وضع أردوغان داخلياً وحجم الجبهة المعارضة له ولسياساته، حتى لو تمكن بطريقة ما من الفوز في الانتخابات، وحسب المعارضة وتوحدها ونبذ خلافاتها، الأمر الذي سيغير من صورتها أمام الناخبين وأمام الشارع التركي، ويمهد لصفحة جديدة من السياسة في تركيا بعد يونيو حزيران القادم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة