الأحد الماضي، كررت مقاتلات قطرية سلوكاً شائناً بالاقتراب من طائرة مدنية إماراتية على متنها نحو 90 راكباً أثناء رحلة عبر أجواء البحرين
لم تكن هي المرة الأولى التي تهدد فيها مقاتلات قطرية سلامة وأمن الطيران المدني الإماراتي خلال مروره عبر أجواء مملكة البحرين الشقيقة، حيث دأب "نظام الحمدين" في الأشهر الأخيرة على تكرار أفعاله العبثية الخائبة والاقتراب من حافة الهاوية مجازفاً بسلامة المدنيين من ركاب هذه الطائرات؛ من أجل تحقيق أهداف يعتقد أنها يمكن أن تلفت انتباه العالم للأزمة القطرية، التي انزوت في غياهب النسيان في ظل انشغال الجميع بما هو أهم وأكبر وأكثر تأثيراً من قطر وأزمتها، بعد أن أثبتت الأيام أن الأزمة بالفعل ملف ثانوي لا يستحق اهتمام القادة والدول!
الأحد الماضي، كررت مقاتلات قطرية سلوكاً شائناً بالاقتراب من طائرة مدنية إماراتية على متنها نحو تسعين راكباً أثناء رحلة جوية تمر عبر الأجواء البحرينية في رحلة مجدولة ومعروفة المسار، ومستوفية للموافقات والتصاريح اللازمة والمتعارف عليها دولياً.
لن تفلح هذه الاستفزازات في فك عزلة النظام القطري، ولن تفلح في استدراج دولة الإمارات إلى الرد بالمثل، فالمبادئ والقيم ـ قبل القوانين الدولية ـ تملي على الإمارات أن تترفّع عن الصغائر وأن تصون حقوق البشر في حياة آمنة ومستقرة.
الخطير هذه المرة أن المقاتلات القطرية قامت بملاحقة الطائرة الإماراتية والاقتراب منها بشكل خطير يهدد بكارثة جوية كادت أن تودي بحياة عشرات المدنيين الأبرياء من ركاب الطائرة!
هذا التكرار الواضح للممارسات التي تهدد سلامة الطيران المدني، لم يعد يمثل خرقاً للقوانين والاتفاقيات الدولية فقط، بل يمكن اعتباره نوعاً من الإرهاب الذي يمارسه "نظام الحمدين" من أجل الضغط على الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب كي تليّن موقفها تجاه ضرورة تخلي قطر عن دعم الإرهاب.
في ضوء ذلك، ليس من المنطق أن تنتظر المنظمات الدولية المعنية، وفي مقدمتها المنظمة الدولية للطيران المدني، حتى تقع كارثة جوية ـ لا قدر الله ـ ثم تتحرك لمحاسبة قطر على تهورها وانتهاكاتها المتكررة لسلامة وأمن الطيران المدني والملاحة الجوية الدولية.
السؤال البديهي الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا يكرر "نظام الحمدين" هذه الحماقات؟، وكيف يفكر هذا النظام البائس؟، وهل يعقل أن يكون هناك تصور ما لديه بأن أحدا ما سيصدّق أن طائرة مدنية ارتطمت ـ عن عمد ـ بمقاتلة قطرية في حال حدوث ذلك لا قدر الله؟، وهل هناك من يتصور أن تكرار هذه الانتهاكات يمكن أن يكون ورقة ضغط على دولة الإمارات لتليين موقفها حيال الدعم القطري للإرهاب؟.
الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها معروفة مسبقاً، بل يدركها جيداً من يخطط للقيادة القطرية ويرسم سياساتها، ولكنه الغرور والعمى الاستراتيجي الذي أصاب نظام الحمدين فجعله غير قادر على فهم الأمور وأبعادها، بل يعيش في أوهام تجعله يتخيل أن العالم يسير وفق إرادة قطر وأهوائها الخاصة، وهي أوهام تغذيها سيطرة رموز الإرهاب على مفاصل القرار وأمور الحكم وتوجيه السلطات لتنفيذ رغباتها وخططها ومؤامراتها؛ بغض النظر عن مصالح الدول والشعوب الخليجية، وهي ما أكدتها شهادة السفير الروسي السابق لدى قطر، فلاديمير تيتورينكو، في مقابلته مع قناة "أر تي" الروسية، التي فضح فيها علاقة قادة تنظيم الإخوان الإرهابي بنظام الحكم القطري، وكيف أن هذا النظام البائس بات ألعوبة في يد الإخوان ويتلقى منهم الأوامر والتعليمات الخاصة بالتدخل في شؤون الدول العربية.
هذه العلاقة التآمرية لم تكشفها فقط تصريحات المسؤول الروسي السابق، بل ـ ولسوء حظ "نظام الحمدين" ـ أكدتها أيضاً صحيفة "صنداي تلغراف" البريطانية في مقال بقلم إدوارد مالنيك، المحرر السياسي في الصحيفة، نشره يوم الأحد الماضي، وطرح فيه تساؤلات مهمة تعكس عدم جدية قطر في حملتها المزعومة ضد داعمي الإرهاب، واستشهد الكاتب في ذلك بحضور رئيس الوزراء القطري، الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، كضيف شرف في حفل لشخص وصفه المقال بأنه من أشهر ممولي الإرهاب في العالم.
وأشار المقال إلى أن رئيس الوزراء القطري ظهر في صورة إلى جانب عبد الرحمن بن عمير النعيمي بعد أسابيع من وسم حكومته للنعيمي بتمويل الإرهاب، في أعقاب قرار في هذا الصدد من بريطانيا والولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وبعد يومين فقط من قول أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، للرئيس الأمريكي دونالد ترامب "لن نتسامح مع ... الأشخاص الذين يدعمون الإرهاب ويمولونه"!!.
في ضوء كل هذا الملف الإجرامي، يجب ألا نستغرب أن يتجه من قام بتمويل الفوضى والاضطرابات التي تسببت في مقتل الآلاف وتشريد ملايين العرب، إلى محاولة تدبير جريمة اصطدام جوي من أجل جذب انتباه العالم إلى الأزمة القطرية، فكل المحاولات والمساعي والأموال التي قدمها "نظام الحمدين" لم تفلح في فك عزلته، ولم تنتج أية ضغوط على الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب كما كان يتخيل هذا النظام ومن يخطط له، وبالتالي لم يعد أمامه سوى افتعال الأزمات والذهاب إلى حد حافة الهاوية، واستفزاز دول الجوار بأفعال وممارسات لا يدرك عواقبها ولا نتائجها.
ختاماً ليس هناك سوى قول واحد: لن تفلح هذه الاستفزازات في فك عزلة النظام القطري، ولن تفلح في استدراج دولة الإمارات إلى الرد بالمثل، فالمبادئ والقيم ـ قبل القوانين الدولية ـ تملي على الإمارات أن تترفّع عن الصغائر وأن تصون حقوق البشر في حياة آمنة ومستقرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة