الواقع أن هذا السلوك كان واضحاً منذ الوهلة الأولى لتفجّر الأزمة،
نجح النظام القطري في قمة الظهران في أن يحول عزلته الخليجية إلى عزلة عربية، وأول المؤشرات في هذا الصدد هو التمثيل القطري في القمة، فقد كانت من أعلى القمم تمثيلاً من حيث حضور القادة، إذ إنه من بين إحدى وعشرين دولة حضرت القمة مُثلت خمس عشرة منها على مستوى الملوك والرؤساء، وخمس على مستوى نواب الرؤساء ومن في حكمهم.
وانفردت قطر بأنها الدولة الوحيدة التي مُثلت على مستوى مندوبها الدائم في جامعة الدول العربية، ولا علم لي حتى الآن بما إذا كان المندوب القطري الذي لابد أنه حضر أيضاً الاجتماعات التمهيدية للقمة قد شارك في مناقشاتها أم لم يشارك أو أسهم بشيء ما في اجتماعات القمة ذاتها، لكن المؤكد أن مستوى التمثيل ينعكس على مستوى المشاركة وطبيعتها، وهو مؤشر على أن النظام القطري غير حريص على القمة العربية، ويبدو هذا الأمر منطقياً بحكم أن هذا النظام لم يكن حريصاً أصلاً على مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فما بالنا بجامعة الدول العربية، غير أن تصرفه هذا يعكس إحساساً بعزلته العربية أيضاً، إذ لو كان قد تلقى أي مساندة عربية يعتد بها لسلوكه ومواقفه لحرص على إثارة أزمة علاقته بالدول الأربع المقاطعة له في القمة، ولو من باب شق الصف العربي،.
ومن جانبها ثابرت الدول الأربع على موقفها الذي بات يعتبر الأزمة مع النظام القطري أزمة هامشية لا ينبغي أن تأخذ اهتماماً من الدول المقاطعة أكبر من حجمها، ولذلك لم تفكر بدورها في شغل القمة بهذه القضية، خاصة وقد بات واضحاً أن النظام القطري يستقوي بغير العرب إقليمياً وعالمياً، ولذلك فحتى لو اتخذت القمة العربية قرارات تتعلق بهذه الأزمة، فإنه لن يمتثل لها استناداً إلى حلفائه من غير العرب، وهذا هو بيت القصيد، أي أنه لم يعد يستظل بالقمة العربية.
ثابرت الدول الأربع على موقفها الذي بات يعتبر الأزمة مع النظام القطري أزمة هامشية لا ينبغي أن تأخذ اهتماماً من الدول المقاطعة أكبر من حجمها، ولذلك لم تفكر بدورها في شغل القمة بهذه القضية، خاصة وقد بات واضحاً أن النظام القطري يستقوي بغير العرب إقليمياً وعالمياً.
والواقع أن هذا السلوك كان واضحاً منذ الوهلة الأولى لتفجّر الأزمة، فقد سارعت كل من إيران وتركيا لنجدته بالمواد الغذائية أولاً، ثم زاد النظام القطري على ذلك باستقبال مزيد من القوات التركية إلى القاعدة التي أُقيمت على الأرض القطرية موجهاً بهذا السلوك طعنة في الصميم لمبدأ الأمن الخليجي ذاته تُهدد بنسف المنجزات التي تحققت في هذا الصدد.
وقد اتسق هذا المفهوم الجديد للأمن الذي يُبنى على الحماية الخارجية مع السلوك القطري في القمة، فقد كان النظام القطري هو الوحيد الذي تحفّظ على قراري القمة المتعلقين بالموقف من التدخل التركي المسلح في كل من سوريا والعراق، وفي القرار الخاص بتطورات الأزمة السورية تحفّظ المندوب القطري تحديداً على العبارة التي تنص على مطالبة الجانب التركي ب«سحب قواته من منطقة عفرين»، الأمر الذي من شأنه دعم المساعي الجارية للتوصل لحلول سياسية للأزمة السورية". أما في القرار الخاص باتخاذ موقف عربي إزاء انتهاك القوات التركية للسيادة العراقية فقد تحفّظ عليه النظام القطري وحده أيضاً بالكامل، ويدين هذا القرار توغل القوات التركية في الأراضي العراقية ويطالب بسحبها فوراً دون قيد أو شرط، ويدعو الدول الأعضاء إلى الطلب من الحكومة التركية عدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق، ومساعدة الحكومة العراقية في الإجراءات التي تتخذها وفق قواعد القانون الدولي، والتي تهدف إلى سحب الحكومة التركية قواتها من الأراضي العراقية وإدراج توغل القوات التركية في الأراضي العراقية ووقف التدخل التركي في دول الجوار كبند دائم على جدول أعمال مجلس الجامعة ومطالبة الأمين العام بالمتابعة، وتقديم تقرير إلى مجلس الجامعة في دورته العادية المقبلة، والتأكيد على متابعة العضو العربي في مجلس الأمن (الكويت حالياً) طلب انسحاب القوات التركية واتخاذ كافة الإجراءات لحين تحقيق الانسحاب.
ويعني التحفظ السابق أن النظام القطري لا يرى في احتلال تركيا أراضي سورية أو توغلها في أراض عراقية دون موافقة البلدين أمراً يستحق الإدانة، وهو ما يتسق وتوجهات النظام التي كشف عنها سلوكه في الأزمة مع الدول المقاطعة، والتي تؤكد الخروج التام للنظام القطري ليس فقط على مبادئ المنظومة الخليجية العربية وأسسها، وإنما امتداد هذا الخروج إلى مجمل النظام العربي.
نقلا عن الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة