تابعت ما أطلق عليه "الاتحاد الحازم".
وهي تدريبات عسكرية مشتركة تجريها وحدات من الجيش اللبناني مع عناصر من نظيريه الأردني والأمريكي، في إطار مساعدات تقدمها واشنطن.
وهذا التمرين الذي جرى خلال الفترة بين 17 و28 مايو/أيار الجاري في لبنان وشرق البحر الأبيض المتوسط، هدف إلى تعزيز التشغيل المتبادل وتحصين العلاقات العسكرية بين البحرية الأمريكية والجيش اللبناني.
وكان لافتاً ما شددت عليه السفيرة الأمريكية في لبنان خلال اختتام هذه التدريبات من أن الولايات المتحدة "وقفت إلى جانب الجيش اللبناني تماماً، كما تقف إلى جانب الشعب اللبناني".. وكشفت عن تحويل مبلغ 120 مليون دولار من التمويل العسكري إلى الجيش اللبناني للسنة المالية 2021 بهدف تزويد الجيش اللبناني بأنظمة وخدمات وتدريبات دفاعيّة بالغة الأهميّة، وفق السفيرة الأمريكية.
في نظرة تاريخية إلى هذا الأمر المهم، فقد ركز تدريب الولايات المتحدة لأفراد الجيش اللبناني إلى حد كبير على المهنية الأساسية وصيانة المعدات. ومنذ عام 2008 فصاعدا، زادت الولايات المتحدة بشكل كبير من تدريبها لوحدات القوات الخاصة التابعة للجيش اللبناني، بما في ذلك فوج المغاوير اللبناني وفوج الهجوم الجوي اللبناني وفوج مغاوير البحر (المعروف أيضا باسم القوات البحرية اللبنانية) وعلى الرغم من أنه لا يزال هناك نقص في قدراتها وإمكانياتها، فقد أظهرت القوات الخاصة اللبنانية مكاسب كبيرة، لا سيما كجزء من الجهود التي بذلت في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي عام 2017.
ومن نافلة القول إن للمساعدات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة إلى أي بلد هدفاً بديهياً، ألا وهو خدمة الأهداف العسكرية المشتركة للطرفين، وهي احتواء العدو المشترك، أي الإرهاب الدولي تحديداً، تمهيداً للقضاء عليه. ولو شاءت الإدارة الأمريكية محاسبة لبنان على ما حل به بسبب النكبات والنكسات التي رافقت الدور الأمريكي في لبنان في مطلع الثمانينيات لكان باستطاعتها العودة إلى هذا السجل. وسواء فعلت ذلك أو لا، فإن الأمور مرهونة بخواتيمها، والسياسات تتغير في عالمنا بسرعة كبيرة، خاصة سياسات الدول الكبرى التي تخول لنفسها التدخل في شؤون الدول الأخرى، خاصة الصغيرة منها، مثل لبنان.
وهنا يرد السؤال المهم: إلى أيّ مدى يمكن للولايات المتحدة أن تذهب في هذه السياسة؟
خلال الأسبوع الماضي عقدت وزارة الخارجية الأمريكية والجيش اللبناني مؤتمرهما الافتتاحي لموارد الدفاع في 21 مايو/أيار 2021، وترأس الوفد الأمريكي المسؤول الأول عن مراقبة التسلح والأمن الدولي سي إس إليوت كانغ، وترأس الوفد اللبناني القائد العام للجيش اللبناني العماد جوزيف عون. وكان من بين المشاركين الأمريكيين الآخرين القائم بأعمال مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي مارا كارلين والسفيرة الأمريكية في لبنان دوروثي شيا، فضلاً عن نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الأمن الإقليمي ميرا ريسنيك ونائب مساعد وزير الخارجية لشؤون بلاد الشام إيمي كترونا، بالإضافة إلى ممثلين من مكتب وزير الدفاع ووكالة التعاون الأمني الدفاعي.
في هذا المؤتمر الافتراضي، تم تسليط الضوء على قوة الشراكة بين الولايات المتحدة والجيش اللبناني، وكذلك سبل تعزيز التعاون الأمني. وأحيا المشاركون ذكرى استكمال خارطة طريق المساعدة الأمنية غير الملزمة لمدة خمس سنوات التي تعمل على مواءمة الدعم الأمريكي السنوي المتوقع للجيش اللبناني مع الأولويات المشتركة في مكافحة الإرهاب وأمن الحدود وكذلك بناء المؤسسات الدفاعية، الذي سيمكن من التخطيط المشترك الفعال لمتطلبات الدفاع المستقبلية، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والإنسانية التي يعاني منها اللبنانيون والعسكريون على وجه الخصوص.
وجددت وزارة الخارجية الأمريكية التزامها للجيش اللبناني من خلال الإعلان عن 120 مليون دولار في شكل مساعدات تمويل عسكري خارجي إلى لبنان للسنة المالية 2021، وفقاً لإجراءات إخطار الكونجرس، وهو ما يمثل زيادة مقدارها 15 مليون دولار على مستويات السنة الماضية، وتم الحديث كذلك عن سبل الاستفادة من النطاق الكامل للسلطات، بموجب القانون الأمريكي، التي يمكن للولايات المتحدة من خلالها تقديم مساعدة إضافية للجيش اللبناني في الوقت الذي يصارع فيه الأزمات داخل لبنان.
وهنا يأتي السؤال المحوري وهو لماذا هذا الرهان على الجيش اللبناني؟ ولماذا كل هذا الاهتمام الأمريكي بقائد الجيش؟
واضح أن الأمريكيين يراهنون على الجيش بصفته حليفاً وثيقاً في المنطقة، ولا يمكن التخلّي عنه أو السماح بإضعافه.. ويظهر ذلك من خلال المساعدات الأمريكية التي أُعلن عنها قبل أيام للجيش اللبناني التي هي كما قلنا سابقاً بقيمة 120 مليون دولار، أي بزيادة 15 مليوناً جديدة، حيث تم الإعلان عن أن هذه الزيادة مخصصة لإعادة تأهيل الحوض الأول للبحرية اللبنانية في بيروت، وثلاثة زوارق مهامها البحرية ضمن أميال عشرة في البحر، لضبط الحدود البحرية ومنع تسرب المهاجرين.
ولا يخفى ما يعنيه هذا الكلام من وجود توقعات دولية بأن الانهيار المستمر اقتصادياً ومالياً في لبنان، هو ما سيدفع بتسرب لبنانيين وسوريين وفلسطينيين في اتجاه أوروبا بطريقة غير شرعية.
الاهتمام الأمريكي بالجيش وقائده، حسب ما أسمع هنا في واشنطن، يندرج ضمن عدة أهداف أعلاها هو أن قائد الجيش مرشح قوي ومحتمل لرئاسة الجمهورية، وهو مرشح طبيعي، ذلك أن كل قائد للجيش هو مرشح للرئاسة، وبالتالي فإن هذا الموقف الأمريكي بالتعاطي معه ينطلق من رغبة في الإتيان برئيس قوي في وجه مرشحي السلطة السياسية الذين يخوضون معركة عرقلة الحكومة، تحضيراً لمعركة الرئاسة وليس ببعيد منا الخرق القانوني الفاضح الذي طرحه رئيس تكتل التغيير والإصلاح جبران باسيل قبل ساعات حول الدعوة لحوار وطني من أجل "ولادة حكومة جديدة" في محاولة لإطالة الفراغ الحكومي وصولاً إلى انتهاء العهد الرئاسي الذي يحلم جبران بالوصول إلى كرسيه ليل نهار.. لكن غاب عن باله أن جوزيف عون بالنسبة للأمريكيين شخصية متوازنة وغير خاضعة للقوى السياسية ويتحرك من أجل مصلحة المؤسسة العسكرية.
أيضا من أهداف هذا الموقف الأمريكي أن الحفاظ على الجيش وقدراته يسهل على المجتمع الدولي التعاطي مع جهة رسمية موحدة، خاصة أن جزءاً كبيراً من المساعدات الدولية بات يأتي عبر الجيش وليس عبر الإدارات المحلية، وكذلك يأتي هذا الموقف من وجود خشية دولية أن تؤدي الأزمة الاقتصادية إلى إضعاف الجيش والمؤسسات الأمنية الشرعية مقابل صعود قوة حزب الله، لذا فإن تسارعاً يجري في الأروقة الخارجية لدعم الجيش وقدراته على كل الصعد، وهذا ما بدا من خلال الدعم الأمريكي للجيش في المؤتمر المشترك بين الخارجية الأمريكية والجيش اللبناني ورسالة نواب الكونجرس لبايدن التي أعلن عنها مطلع الأسبوع، حيث قام مجموعة من البرلمانيين الأمريكيين في الكونجرس بتوجيه رسالة إلى إدارة الرئيس جو بايدن لاتخاذ خطوات فورية للتطرق للأزمة المستمرة في لبنان والحيلولة دون تدهور الوضع أكثر، وقد نقل موقع AlMonitor الأمريكي رسالة النواب الـ25 التي أرسلوها إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن وأعربوا فيها عن "قلقهم الشديد من الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تشهد تفاقماً كبيراً وتؤدي إلى زعزعة البلاد، ما يخلق تهديدات حقيقية وواضحة على المنطقة أجمع".
ودعا المشرعون وعلى رأسهم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الديمقراطي غريغوري ميكس، بلينكن إلى "التصرف بعجلة وبشكل بارز بالتعاون مع الشركاء الدوليين لمساعدة الشعب اللبناني الذي يعاني والحيلولة دون انهيار لبنان اقتصادياً، الأمر الذي سيهدد أمن الشرق الأوسط واستقراره وأمن الولايات المتحدة القومي"، كما حذروا من "استغلال حزب الله ومليشيات أخرى وشبكات إجرامية، إضافة إلى قوى خارجية كإيران ، الأوضاع المتدهورة"، حيث قالوا إن "هذه العناصر تسعى إلى زرع مزيد من الانقسام في المجتمع اللبناني لمصالحها الخاصة"، وإن "دعم لبنان في هذا الوقت الحساس لا يقتصر فقط على الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية، بل هو ضرورة أمنية تهدف إلى منع هذه العناصر من تهديد استقلال لبنان وسيادته".
لكن ما يهمنا في هذه الرسالة هو ما طرحه النواب من خطوات تحتاج الولايات المتحدة إلى اعتمادها لحلحلة الأزمة في لبنان؛ أولاها الدفع نحو إنشاء مجموعة دولية على غرار مجموعة "أصدقاء لبنان"، تضم فرنسا وغيرها من الحلفاء الدوليين، بهدف التنسيق لتقديم مساعدات مالية وتأسيس برنامج إصلاحي بالتعاون مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بهدف استقرار الاقتصاد اللبناني، وذلك في انتظار تشكيل حكومة قادرة على التجاوب مع مطالب شعبها ووجود تدابير صارمة للقضاء على الفساد، وإصلاح الوزارات غير الفعالة. كما دعوا إلى إجراء مراجعة شاملة وتدقيق في حسابات "مصرف لبنان المركزي".
والأهم من ذلك هو الطروحات الخاصة بالجيش اللبناني، حيث أكد النواب "ضرورة توفير مزيد من المساعدات للجيش الذي هو شريك قديم للولايات المتحدة ومؤسسة محترمة وضرورية للأمن في لبنان" وأنه "رغم أن المساعدات الأمريكية يجب أن تستمر وتركز على التدريب والعتاد، فإن تراجع قيمة رواتب عناصر الجيش والمصاعب الاقتصادية التي تواجههم قد تؤدي إلى تخليهم عن الخدمة وتراجع أداء الجيش، ما سيؤدي إلى مزيد من التدهور في الوضع الأمني، وبالتالي إلى استفادة مجموعات مسلحة مثل حزب الله وغيره من مليشيات تهدد إسرائيل والمنطقة".
خلاصة القول إن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تتطلع إلى دور أكبر للمؤسسة العسكرية اللبنانية، نظرا لما تتمتع به قيادة الجيش من تقدير من جميع القوى السياسية في الداخل اللبناني، وستكون الدعائم الأساسية لذلك الدور رغم صعوبة هذا الأمر في الوقت الحالي ترجيح كفة الردع العسكري للدولة في مواجهة تنامي قدرات "حزب الله" العسكرية، لمنع أي ضغوط من الحزب لتحقيق مصالح سياسية في الداخل اللبناني، أو تجاه ملفات إقليمية مثل: التقارب مع سوريا، فضلاً عن ممارسة الجيش لدوره في تحقيق السلم والأمن وضبط الحدود مع دول الجوار، الأمر الذي يزيد من نفوذ المؤسسة العسكرية، وبالتالي فإن تغيير موازين القوى في الداخل اللبناني، يُحيِّد أثر السلاح غير الشرعي كورقة يستخدمها "حزب الله" للضغط من أجل تحقيق مصالحه السياسية ذات الأبعاد الإقليمية التي ترسمها له إيران التي لم تقبل يوماً أن تدعم الدولة اللبنانية وجيشها، بل قدمت كل سلاحها لحزب ومنظمة إرهابية لا يشكل لبنان في مفهومها سوى أرض محكومة تحت سلطة "الولي الفقيه".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة