يبدو أن السباق العالمي نحو إحراز مكانة متقدمة في مجال التكنولوجيا الراقية، خاصة تكنولوجيا أشباه الموصلات لن يتوقف.
فقد كشفت كوريا الجنوبية عن خطط طموحة لإنفاق نحو 450 مليار دولار لبناء أكبر قاعدة في العالم لأشباه الموصلات خلال العقد المقبل، لتلتحق بالصين والولايات المتحدة في سباق عالمي للهيمنة على تكنولوجيا رئيسية.
وسوف تستثمر شركة سامسونج للإلكترونيات وشركة إس كيه هاينكس أكثر من 510 تريليونات وون (454 مليار دولار) في البحث وإنتاج أشباه الموصلات وذلك حتى عام 2030، وذلك في ظل مخطط أولي وضعته إدارة الرئيس الكوري الجنوبي مون جي إن. وسوف تكون الشركتان بين 153 شركة تغذي الدفع المستمر في الإنتاج على مدى عقد من الزمن، وذلك بغرض الحفاظ على الصناعة الأكثر أهمية من الناحية الاقتصادية للبلاد. وكان قد تم طرح مختصر للمخطط من قبل المسؤولين في قطاع إنتاج الرقائق في منتصف شهر مايو الحالي أمام الرئيس عند زيارته للمصنع الأكثر تقدما تكنولوجيا في إنتاج الرقائق، وهو مصنع سامسونج في جنوب العاصمة سيؤول.
وقد رفعت سامسونج إنفاقها بمقدار 30%، ليبلغ 151 مليار دولار حتى عام 2030، بينما التزمت هاينكس بإنفاق 97 مليار دولار، للتوسع في المصانع القائمة، إضافة إلى خطتها بإنفاق 106 مليارات دولار من أجل بناء مصانع جديدة في يونج.
وقال الرئيس مون "إن المنافسين العالميين يضغطون باستثمارات ضخمة، ليكونوا الأوائل في الاستحواذ على سوق المستقبل، وشركاتنا تقبل بالمخاطرة والابتكار في ذات الوقت ولديها استعدادات تامة للأيام العصيبة".
ويأتي هذا الجهد الكوري في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة، والصين، والاتحاد الأوروبي من أجل دعم قدراتها في مجال رقائق أشباه الموصلات بعد النقص العالمي في الرقائق الذي عرض الجميع إلى الاعتماد على حفنة من المصنعين الآسيويين. وينتشر النقص في الرقائق الآن من صناعة السيارات إلى التليفونات الذكية، وهو ما رفع الرقائق لكي تتواجد على جداول أعمال الحكومات من واشنطن وبروكسل إلى بكين.
وما هو على المحك هو تكنولوجيا أساسية للتقدم غير المسبوق في مجالات تمتد من الذكاء الاصطناعي إلى المركبات ذاتية القيادة إلى المنازل الموصولة بشبكة الإنترنت. وكوريا الجنوبية التي تعد حليفا أمنيا للولايات المتحدة والمُصدر الرئيسي إلى الصين، كانت تمشي على حبل مشدود بين الاثنتين بينما تدعم من براعة إنتاجها.
وتعد رقائق أشباه الموصلات صاحبة أكبر نصيب في صادرات كوريا الجنوبية حيث من المتوقع أن تتضاعف هذه الصادرات بحلول عام 2030 لتبلغ نحو 200 مليار دولار، وفقا لما تقوله وزارة التجارة والصناعة والطاقة.
وتشبه وزارة التجارة والصناعة الرقائق بالأرز الذي يعد عنصرا غذائيا رئيسيا عالميا، وتطلق عليها تعبير "أسلحة استراتيجية" في السباق من أجل التفوق التكنولوجي الذي يتكثف ليس فقط بين الشركات ولكن بين الدول أيضا.
وطبقا للوزارة فإن الحكومة تسعى إلى بناء حزام من رقائق أشباه الموصلات يمتد على مدى عشرات الكيلومترات جنوب سيؤول العاصمة ويجمع معا المصممين، والمصنعين، والموردين.
وتصنع سامسونج وهاينكس أغلب رقائق الذاكرة العالمية، وأشباه الموصلات الأساسية التي تدخل في صناعة كافة الأجهزة. ولكن هناك منطقة تتأخر فيها كوريا الجنوبية وتكمن في قدرتها على إنتاج رقائق المنطق المتقدمة التي تتناول العمليات الرياضية المعقدة لأمور مثل الذكاء الاصطناعي وتشغيل البيانات، وتهيمن على هذا المجال بشكل خاص شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات، التي تصنع معالجات تليفون أبل الآيفون. وتهدف سامسونج إلى أن تنافس بشكل أكثر قوة في هذا المجال، لتؤمن بعضا من بطاقات رسومات شركة نفيديا ونصيب أكبر في رقائق تليفونات شركة كوالكوم. وأعلنت هاينكس أيضا عن طموحات للدخول في مجال إنتاج رقائق المنطق.
وسوف تحفز الحكومة الكورية صناعتها المحلية عن طريق إعفاءات ضريبية، وأسعار فائدة منخفضة، وتيسير التدخل التنظيمي والبنية التحتية المعززة، على أمل أن ترى مصنعي الرقائق فيها في موضع القيادة العالمية، كما تقول وزارة التجارة والصناعة. كما ستؤمن الحكومة أيضا موارد مياه كافية للسنوات العشر المقبلة في المنطقة المحددة وتعزز من إمدادات الطاقة، وهما موردان أساسيان لشركات تصنيع أشباه الموصلات المتقدمة.
ويحاكي المخطط الأولي الكوري جهودا تجري حول العالم، فالرئيس جو بايدن يريد أن يخصص 50 مليار دولار للبحث وإنتاج أشباه الموصلات في الولايات المتحدة، وهو جزء من طموح شامل لحماية سلاسل التوريد الأمريكية. وقد أعلنت الصين بالفعل في إطار خطتها الخمسية استثمار 1.4 تريليون دولار بين عامي 2021 و2025 في البنية الأساسية التكنولوجية المتقدمة، من الذكاء الاصطناعي إلى المحطات الأساسية لتكنولوجيا 5G إلى القطارات فائقة السرعة.
والمجال الرئيسي الذي كافحت فيه الصين هو مجال صنع الرقائق، حيث ما زالت شركاتها الأكثر تقدما متأخرة على الأقل خمسة أعوام عن منافساتها. وسوف تتضمن خطة الصين الخمسية إجراءات لدعم الاستثمار في أشباه الموصلات، ومنح القطاع نفس الأولوية التي سبق ومنحته لبناء قدراتها الذرية. وخصصت الصين مئات المليارات من الدولارات لتنمية صناعتها من أشباه الموصلات، لخشيتها من الاعتماد على الواردات ذات التصميم الغربي.
وتهدف كوريا الجنوبية أيضا إلى اجتذاب الاستثمارات الأجنبية في مجال التكنولوجيا المتقدمة. وقد أعلن صانع معدات صناعة أشباه الموصلات الهولندي إيه إس إم إل عن نواياه في إنفاق 240 مليار وون (214 مليون دولار) لبناء مركز تدريب في هواسيونج، بينما أعلنت شركة لام للبحوث والتي مقرها كاليفورنيا عن خطة لمضاعفة طاقتها بالبلاد.
ويقول أحد المحللين بالمعهد الكوري للاقتصاد الصناعي والتجارة "تحث كوريا الجنوبية بشكل أساسي الموردين العالميين على القدوم والعمل مع صانعي الرقائق المحليين، حتى يمكنها بناء نظام بيئي على أراضيها بدلا من رؤيتهم ينتقلون للولايات المتحدة وأماكن أخرى"، ويضيف "إن توسيع استثمارات كوريا لتشمل المسابك والرقائق المنطقية يضمن أيضا أن لديها شيئا تلجأ إليه، في حال حدوث أي خطأ في صناعة رقائق الذاكرة التي تهيمن عليها".
وفيما يتعلق بمساهمتها المباشرة، تريد كوريا أن تساعد على تدريب 36 ألف خبير بالرقائق بين عامي 2022 و2031، وتساهم بمقدار 1.5 تريليون وون (1.3 مليار دولار) في البحث والتنمية في مجال الرقائق، كما أنها ستبدأ في مناقشة تشريعات مصممة من أجل مساعدة صناعة أشباه الموصلات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة