توافق أعضاء تحالف أوبك+ يوم الثلاثاء الماضي على الحفاظ على خطة تقليص خفض الإنتاج التي تم إعلانها في أبريل الماضي.
وتقضي الخطة بزيادة في المعروض النفطي بمقدار 1.1 مليون برميل يوميا موزعة بشكل تدريجي على ثلاثة أشهر، بحيث يتم زيادة الإنتاج بمقدار 350 ألف برميل في مايو، و350 ألف برميل في يونيو، و400 ألف برميل في شهر يوليو.
كما سيتم خلال نفس الفترة عودة مليون برميل من الإنتاج السعودي كانت المملكة قد أعلنت طواعية في السابق عن خفضها حتى تساعد على تماسك واستقرار الأسواق وبذلك تبلغ الزيادة في المعروض من أوبك+ 2.1 مليون برميل يوميا.
ويأتي هذا القرار على الرغم من توقع البعض إعلان التحالف عن تقليص آخر في خفض الإنتاج، وأيضا على الرغم من توقعات منظمة الأوبك بارتفاع الطلب على النفط هذا العام بمقدار 6 ملايين برميل يوميا.
قرار التمسك بما تم إعلانه في أبريل دون ضخ أي براميل إضافية في الأسواق يعد حكيما لعدم وضوح الرؤية حتى الآن خلال الأشهر المقبلة. فهناك عوامل متناقضة على جانبي العرض والطلب مما لا يجعل الأمور حتى وقتنا الراهن واضحة. ويبدو أن التحالف يسير على هدي المثل القائل "لا تفكر في عبور الجسر قبل الوصول إليه".
عوامل متناقضة على جانب العرض
حدثت الكثير من التطورات مؤخرا التي دفعت بعدة عوامل متناقضة تتعلق بالمعروض النفطي.
ويأتي على رأس هذه التطورات ذلك الذي ألم بعمالقة شركات النفط العالمية خلال الأسبوعين الأخيرين. فقد صوتت الجمعيات العمومية لأكبر شركتين لإنتاج النفط في الولايات المتحدة وهما إكسون وشيفرون لصالح ضرورة اهتمام الشركات أكثر بقضية المناخ مما يضمر تخفيض الاستثمارات الموجهة للنشاط التقليدي لهذه الشركات. كما تلقت شركة ضخمة هي شل هزيمة في المحكمة بهولندا بإصدار حكم يجبر الشركة على تخفيض الانبعاثات الكربونية الصافية لها بمقدار 45% بحلول عام 2030.
ويرى البعض أن ما حدث في اجتماع الجمعيات العمومية أهم من الحكم القضائي لسببين الأول هو أنه أمر من المحتمل تكراره في شركات أخرى، أما الأمر الثاني أنه ملزم على خلاف حكم المحكمة الذي يمكن استئنافه.
التطور المهم الثاني هو ما حدث في مجال النفط الصخري الأمريكي. فعلى خلاف ما حدث خلال انخفاض أسعار النفط في عام 2015-2016 حافظ منتجو النفط الصخري عند انهيار الطلب وانخفاض الأسعار في عام 2020 على وعودهم بكبح نمو الإنتاج وإعادة المزيد من الأرباح لحاملي الأسهم
فمع إيرادات الربع الأول من هذا العام أبرزت اجتماعات الشركات شيئا غير مألوف سابقا من الشركات المساهمة العامة وهو الدعوة لضبط النفس. فالعديد من المنتجين سجلوا تدفقات نقدية قياسية، ولكنهم لم يعيدوا استثمار معظمها مرة أخرى في الحفر. إذ بدلا من ذلك يوجه منتجو النفط الصخري الآن التدفقات النقدية تجاه تخفيض مستوى ديونهم ومكافأة حاملي الأسهم.
وعلى الرغم من أن الربع الأول من العام شهد ارتفاع أسعار النفط بنسبة 20%، إلا أن منتجي النفط الصخري الأمريكيين حافظوا على وعودهم بالإبقاء على مستوى الإنتاج دون تغيير. ويرى الكثير من المراقبين أن هذا التحكم في الإنتاج ربما يستمر حتى نهاية هذا العام على الأقل.
لهذا وبناء على ما حدث في إيرادات الربع الأول فإن شركات النفط الصخري سوف تبقى متمسكة بأولويتها الجديدة وهي إرسال المزيد من التدفقات النقدية لحاملي الأسهم، وليس بإغراقه في الأرض ثانية سعيا وراء معدل إنتاج قياسي، وذلك على الأقل لفترة من الوقت حتى تعود مستويات عرض وطلب النفط إلى المستويات التي كانت عليها قبل وقوع الأزمة.
وعلق أحد رؤساء الشركات "إن العائد المرتفع على رأس المال المستثمر، وتخفيض معدلات إعادة الاستثمار، وتوليد تدفقات نقدية سوف يحدد الرابحين في هذه الدورة، وليس السلوك التاريخي بتحقيق نمو ضخم في الإنتاج."
ولخص الأمر أحد رؤساء الشركات بقوله "أشعر بأنه من المهم التأكيد على أننا ليس لدينا النية لتخصيص رأس مال لمشروعات التوسع والنمو حتى يتعافى جانب الطلب. ويبقى من الواضح أن طاقة إنتاج النفط في أوبك+ تم امتصاصها بكفاءة من قبل الأسواق العالمية."
ولم يقتصر هذا الأمر على الشركات المستقلة بل يمتد للشركات العملاقة مثل إكسون وشيفرون حيث أنه رغم ارتفاع الأسعار لم تندفع هذه الشركات لرفع مستوى إنتاجها في الأجل القصير من حقل برميان على سبيل المثال، وحسب رئيس القطاع المالي في شركة شيفرون فإن هذا الأمر سيمتد "حتى يحتاج العالم هذه البراميل."
والدليل الذي يقدم على صحة ما سبق هو بقاء الإنتاج الأمريكي عند 11 مليون برميل يوميا لعدة شهور الآن رغم الارتفاع الملموس في الأسعار، منذ بداية هذا العام على الأقل.
هذه التطورات السابقة تساعد إلى حد كبير تحالف أوبك+، حيث يصبح له صوت أعلى في تحديد المعروض من النفط، والسعي لاستقرار الأسواق في ظل تهديدات محدودة من المعروض من خارج دول التحالف.
أيضا من العوامل التي تبدو مشجعة الانخفاض الكبير في المخزون من النفط الخام لدى الدول المستهلكة.
أما الجانب المناقض لما سبق فهو ما يتعلق باحتمالات عودة النفط الإيراني للأسواق. فمن الواضح كما أعلن أن هناك تقدما في المفاوضات الخاصة بالملف النووي الإيراني. ورغم اللغط الذي يتسم به هذا الملف إلا أنه من الواضح بأن نجاح المفاوضات سيسفر عن زيادة في كمية الإنتاج الإيراني الذي سيتم طرحه في الأسواق. وبينما يبالغ البعض في كمية الإنتاج الإضافية ويصل بها إلى 2.5 مليون برميل يوميا، إلا أن الكمية الإضافية ربما لا تزيد على 1.5 مليون برميل يوميا في المدى المنظور. فحسب بعض الجهات رفعت إيران إنتاجها بالفعل خلال العام الحالي لتصل به إلى 2.5 مليون برميل يوميا وتعتمد على تصدير نفطها إلى الصين بتقديم خصم ملموس على الأسعار. ولما كانت إيران تنتج قبل خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عام 2018 ما يقل بقليل عن 4 ملايين برميل يوميا، فلن يكون بمقدورها في المدى القصير سوى إضافة 1.5 مليون برميل يوميا، لكنها زيادة كبيرة أيضا سيكون لها دون شك تأثيرها على الأسعار اعتمادا على الوقت الذي ستعود فيه إيران إلى الإنتاج بطاقتها القصوى.
ووفقا لبعض التقارير فربما لن يتم التوصل إلى تفاهم نهائي بشأن رفع العقوبات الأمريكية عن إيران سوى بحلول شهر أغسطس المقبل.
من هنا كان موقف تحالف أوبك+ حصيفا في الانتظار حتى اجتماعات أخرى مقبلة حتى يحدد موقفا بشأن مستوى الإنتاج في المستقبل.
جانب الطلب
تسود توقعات بزيادة في الطلب على النفط مع تقدم عملية التطعيم ضد فيروس كورونا وبالتالي إعادة فتح الاقتصادات وزيادة أعداد المسافرين في الولايات المتحدة وأوروبا. ويبقى توقع الطلب على النفط في الولايات المتحدة قويا، مع عودة فتح الاقتصاد، ومع البداية الرسمية للدخول في فصل الإجازة وقيادة السيارات الموسمي، الذي ينبغي أن يقدم دعما أكثر للطلب على البنزين.
ووفقا لبيان لمنظمة الأوبك صدر يوم الاجتماع الوزاري لتحالف أوبك+، أعادت المنظمة تأكيدها على ارتفاع متوسط الطلب على النفط بمقدار 6 ملايين برميل يوميا هذا العام، معظمها سيحدث في النصف الثاني من العام. فقد توقعت أن يرتفع مستوى الطلب من خارج بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بحوالي 6.8% أي ما يعادل 3.3 مليون برميل يوميا. كما سيرتفع مستوى الطلب من بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بنسبة 6.4% أي نحو 2.7 مليون برميل يوميا.
أما الجانب المناقض لما سبق فهو عودة ارتفاع معدل الإصابات بالفيروس في كل من الهند (ثالث أكبر مستهلك عالمي للنفط)، واليابان (رابع أكبر مستهلك)، والبرازيل وما يترافق مع هذا من العودة للإغلاقات ومن هنا التأثير سلبا في الطلب على النفط.
ويبدو قرار أوبك+ حكيما في ضوء عدم اتضاح الرؤية تماما بشأن مستقبل العرض والطلب في الأسواق. لكن مع ذلك تبدي بعض الجهات ثقتها في استمرار ارتفاع الأسعار خاصة مع الأوضاع الحالية بوجود نقص في المعروض النفطي قياسا إلى الطلب. إذ تحدد بعض الجهات حجم النقص النفطي بمقدار 650 ألف برميل يوميا، بينما ترى روسيا كما صرح نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك بأن السوق العالمي يعاني حاليا من عجز يبلغ مليون برميل يوميا
وفي نفس الإطار نجد أن بنك جولدمان ساكس قد أبقى مؤخرا على توقعاته بأن تبلغ أسعار برميل النفط 80 دولارا مع نهاية هذا العام، وذلك على الرغم من احتمال عودة النفط الإيراني إلى الأسواق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة