بعد أن تعافت أسعار النفط خلال الشهور الأخيرة من التدهور، بتأثيرات فيروس كورونا، وذلك نتيجة لتزايد مستمر في الطلب.
تناول نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، ما هو منتظر أكثر من قرار اجتماع أوبك+ المقبل، المحدد له أغسطس 2021، بأن يرفع الاجتماع الإنتاج بشكل ملموس من مرحلة الرفع التدريجي الحادث منذ بداية هذا العام للسماح بمزيد من براميل النفط للسوق.
وقال "نوفاك"، في ملاحظاته أثناء انعقاد منتدى "سان بطرسبرج" الاقتصادي الدولي: "بينما لا يزال مبكرًا الحديث عن قرار متعلق بالإنتاج في أغسطس المقبل، أؤكد أن أسعار النفط الراهنة جيدة بما فيه الكفاية لروسيا"، وأضاف: "تعكس أسعار النفط قوى العرض والطلب"، وذكر أنه من المنتظر أن يزيد الطلب الموسمي خلال الربع الثالث من العام الحالي.
وأكد "نوفاك" أن مؤتمر أوبك+ المقبل سوف يتناول ويقر إنتاج النفط لشهر أغسطس والشهور التالية، مشددًا في الوقت ذاته على أن أسعار النفط إذا اشتطت للغاية "فربما يجبر ذلك المستخدمين على التحول لنوع آخر من الطاقة".
وفي هذا المقام، انتقد "نوفاك" مقترحَ وكالة الطاقة الدولية، التي تمثل مصالح الدول المستهلكة، و"خريطةَ الطريق"، التي قدمتها وستؤدي في نهاية المطاف إلى أن يرتفع سعر برميل النفط إلى 200 دولار.
لو اتبع العالم خريطة طريق وكالة الطاقة الدولية، التي توجب وقف الاستثمارات في حقول نفطية جديدة فورًا، حتى يمكن تحقيق عالم خالٍ من انبعاثات الكربون بحلول عام 2050، فإن أسعار النفط ربما تتجه إلى ماذا؟، 200 دولار للبرميل، وأسعار الغاز سوف ترتفع بشكل صاروخي، كما ذكر "نوفاك".
وشارك عدد من الدول المنتجة للنفط في الخليج العربي "نوفاك" تقديره ذاك، متعهدين بالاستمرار في توسيع الاستثمار بمجال النفط والغاز، ملقين باللوم على النشطاء في مجال المُناخ، الذين يسعون نحو نفاد السيولة والاستثمار في صناعة النفط والغاز.
ويتوقع الاقتصاديون توسع النمو العالمي بمعدلات أسرع نظرًا لخطط التحفيز المالية بسبب جائحة كورونا، وسوف يترتب على هذا ارتفاع الطلب على الطاقة بصورة أسرع.
وربما يكون أفضل تعبير عن ذلك الموقف هو التعليق السعودي، الذي طُرح في منتدى "سان بطرسبرج"، والرافض لسيناريو "لالا لاند" أو "أرض الأحلام"، الذي طرحته وكالة الطاقة الدولية، فقد رفض سمو الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، خريطة طريق وكالة الطاقة الدولية، مطلقا عليه "سيناريو أرض الأحلام"، إذ أجاب حينما سُئل فيما إذا كان النفط قد انتهى بقوله: "المملكة تزيد من طاقتها الإنتاجية".
وهكذا انتقل الجدل بشأن تخفيض الانبعاثات الكربونية والطريق المستقبلي أمام شركات النفط إلى مستوى جديد كليا، منذ أن قامت وكالة الطاقة الدولية في شهر مايو الماضي بإصدار تقريرها المفاجئ، الذي يقترح عدم القيام باستثمارات جديدة في مجال النفط والغاز إذا ما كان على العالم أن يصل إلى انبعاثات كربونية صفرية صافية بحلول عام 2050.
وكما سبق القول، فمن الواضح أن المنتجين الكبار في تحالف "أوبك+"، خاصة السعودية وروسيا، سوف يستمرون في استثمارات النفط والغاز كما يقولون، لأن العالم لا يزال بحاجة إلى هذه الموارد لعقود مقبلة، على الرغم من الدفع الشديد ضد الوقود الأحفوري والاستثمار في الطاقات الجديدة.
كما يرى المحللون وبعض كبار رجال شركات النفط، مثل شركة توتال الفرنسية، أن القصور المستمر في استثمارات النفط والغاز، بينما تتقادم الحقول، سوف يؤدي إلى أزمة في العرض وارتفاع هائل في الأسعار مستقبلا.
وقال المسؤولون في السعودية وروسيا إن عدم القيام باستثمارات جديدة في النفط والغاز على إطلاقه هو أمر "غير واقعي" و"ساذج".
وبينما تمضي شركات النفط الكبرى في طريق تخفيض إنتاجها، لا سيما خلال العقد المقبل، فإن هذا ليس شأن خطط شركات النفط الكبرى داخل تحالف "أوبك+".
فقد كتب رئيس شركة "بريتش بتروليم" أن التنبؤات باستثمارات أقل في النفط والغاز "تتسق من عدة نواحي مع منهجنا في خفض إنتاجنا بمقدار 40% خلال العقد القادم".
وعلّق أيضًا رئيس شركة "إيني" الإيطالية بـ"إننا الآن عند نقطة تحول تاريخية، حيث يحتاج كل منا إلى لعب دور مؤثر"، وهكذا نجد أن حتى الشركات الكبرى تقول إنها ستستمر في إنتاج النفط والغاز مستقبلا، وإنْ قللت إنتاجها عن المستوى السائد حاليًّا.
ولدى المملكة السعودية، وكذلك روسيا، مصلحة قليلة بالتحرك بعيدًا عن الاستثمارات في الوقود الأحفوري، لأنهما وشركاتهما يمكن أن يكونا الفائزين الكبار من النشاط الحالي لنشطاء المناخ ضد شركات النفط الكبرى، التي تواجه تمردًا من قبل حاملي الأسهم والدعوة لـ"إبقاء النفط في الأرض".
ففي روسيا، حذر رئيس أكبر شركة منتجة للنفط، "روسنفت"، من أن قصور الاستثمارات في النفط يهيئ المسرح لانخفاض شديد في العرض، وقال إن "الاستقرار طويل الأجل في عرض النفط في خطر نتيجة لنقص الاستثمارات"، وأضاف: "العالم يستهلك النفط، ولكنه ليس مستعدًا للاستثمار فيه".
وعاد نائب رئيس الوزراء الروسي، وقال، على هامش اجتماعات منتدى "سان بطرسبرج" الاقتصادي، إن تقرير وكالة الطاقة الدولية استخدم "منهجًا غير واقعي"، مضيفًا: "ليس هناك شك بأننا في حاجة للتحرك نحو الطاقة الخضراء ونحو الأجندة الخضراء ما دام هناك طلب عليها في المجتمع، ولكن نحن في حاجة إلى أن نكون واضحين حول الموارد التي يمكنها القيام بذلك، ومَن الذي سيدفع مقابلها، ما هي التكنولوجيات والفرص المتاحة لنا؟، بما في ذلك القدرة على حل المشاكل القائمة، التي لا تزال تنتظر حلولا لها".
وأشار إلى أن روسيا سوف تستمر في الاستثمار في النفط والغاز والفحم إلى جانب استثماراتها في الطاقات المتجددة، وأضاف: "خلال العقود المقبلة سيتم استخدام مزيج من الطاقات المتجددة والوقود الأحفوري".
وانتقد وزير الطاقة السعودي، أثناء انعقاد منتدى سان بطرسبرج، تقرير وكالة الطاقة الدولية، قائلا إنه "لماذا ينبغي عليَّ أن آخذه بجدية؟!"، وأضاف: "نحن ننتج النفط والغاز بتكلفة قليلة، وننتج من الطاقات المتجددة أيضا، وأتطلع إلى أن يقبل العالم واقع أننا في طريقنا لأن نكون فائزين من كل هذه الأنشطة".
ونجد نفس الموقف في الإمارات، حيث تتضمن خطط شركة "أبوظبي الوطنية للطاقة" زيادة الإنتاج من مصادر الطاقة المتجددة، إذ تسعى الشركة لزيادة نسبة الطاقة المنتجة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى 30% خلال العقد المقبل.
وتمتلك الشركة واحدة من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم بـ"أبوظبي" وهي في طور الإعداد لبناء أخرى أكبر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة