جو بايدن.. "طائر فينيق" ينبعث من رماد السياسة الأمريكية
كاد أن يعتبره الإعلام الأمريكي، قبل أشهر، منتهيا سياسيا، لكنه حقق عودة مدوية منحته تذكرة الدخول إلى البيت الأبيض.
بدا أشبه بطائر الفينيق الذي ينبعث في نهاية حياة طبعتها أكثر من مأساة، فخاض منافسة شرسة مع خصمه الجمهوري دونالد ترامب، ودخل سباقا صعبا توجه بانتصار ثمين أعاد الديمقراطيين إلى السلطة.
لعب على ورقة شعبيته في صفوف العمال البيض والناخبين السود، وظهر أكثر تصالحا مع تلعثمه الذي يلازمه منذ طفولته، وتجاوز زلاته الكلامية، فلم يترك لترامب الذي يسميه "جو الناعس" أي مجال لإحراجه كما يفعل دائما.
طائر الفينيق
في فبراير/شباط الماضي، اعتقد متابعون للشأن الأمريكي أن ترشيح بايدن (77 عاما) للانتخابات الرئاسية انتهى تماما، غير أنه خيب جميع التكهنات، وانبعث سياسيا من جديد، في عودة مدوية بسباق اختيار الحزب الديمقراطي لخليفة ترامب.
شبهه إعلام أمريكي، وقتها، بطائر الفينيق المنبعث في نهاية حياة مأساوية، وقال عقب فوزه في معظم الولايات على منافسه السيناتور بيرني ساندرز: "قبل بضعة أيام فقط، أعلن الإعلام والمعلقون نهاية هذا الترشح"، قبل أن يستدرك: "ومع ذلك أنا هنا لأقول نحن أحياء".
عودة قوية أكدت شعبيته الواسعة خصوصا في صفوف السود الذين غالبا ما شكلوا حجر الأساس في حسابات أي مرشح ديمقراطي يدخل سباق البيت الأبيض.
وعلاوة على شعبيته بصفوف الفئة المذكورة، لعب بايدن أيضا على مصدر قوة آخر وهو الخبرة التي اكتسبها من توليه منصب نائب للرئيس السابق باراك أوباما لمدة 8 سنوات.
مسيرة جعلت قسما من الناخبين الأمريكيين ينظرون إليه على أنه سياسي عقلاني محنك قادر على رأب الشرخ الناجم عن سياسة ترامب الداخلية والخارجية.
إرث ترامب
وبفوزه في سباق البيت الأبيض، يكون بايدن حقق فوزا ساحقا أيضا على الانطباع السيئ الذي خلقه حوله ترامب عبر حملات شنها الأخير ضده بشكل متكرر، سواء في خطاباته المباشرة أو عبر تغريداته.
صور ترامب خصمه على أنه سياسي لا يجيد إلا سياسة الدفاع، وأعاد مواقفه إلى ساحات النقاش العام، مركزا على تصويته ضد حرب الخليج في عام 1991، مقابل تأييده الحرب على العراق في 2003، علاوة على معارضته للغارة الأمريكية التي قتلت أسامة بن لادن.
نجح ترامب لفترة في خلق هالة من التشكيك حول بايدن، غير أن الأخير نجح بدوره على ما يبدو في كسرها، وخرج من جلباب الرجل المتناقض كما صوره منافسه الجمهوري، والسياسي العاجز عن بلورة مفهوم واضح وصارم للسياسية العسكرية الخارجية.
أجندة دولية مختلفة
من يعرف بايدن يدرك أن خبرة الرجل الطويلة كرئيس للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، ونائب للرئيس السابق أوباما، ستدفعه حتما نحو رسم الأجندة الدولية للشرق الأوسط بشكل مغاير، خصوصا وسط الفوضى الجيوسياسية السائدة.
تقارير إعلامية أمريكية أشارت إلى أن الرئيس الجديد حريص على عدم التورط في حروب جديدة طويلة الأمد، ما يرجح عودته إلى استراتيجية الحلفاء والشركاء، واعتماد دبلوماسية جديدة براجماتية غير أيدولوجية، تستند أساسا إلى الردع عبر القوة الاقتصادية والناعمة.
فالسياسي الذي يقف على الطرف المناقض لرؤية ترامب يؤمن بالحاجة الملحة إلى اختراع علاقات متوازنة، وتحقيق ترابط عميق بين سياسات واشنطن داخليا وخارجيا، من خلال تعزيز ما يسميه قيم الولايات المتحدة.
رؤية يعتقد أنها ستحفظ للولايات المتحدة دورها الريادي في العالم، لكن بعيدا عن منطق القوة، بل اعتمادا على منطق القدوة.
بايدن.. مآس ومعركة التلعثم
ولد جوزف روبينيت بايدن الابن في 20 نوفمبر/تشرين ثان 1942 بمدينة سكرانتون في بنسلفانيا.
ويقول بايدن إنه أمضى طفولته بالمدينة المذكورة، حيث اضطر والده لخوض العديد من التجارب التجارية الفاشلة، وكافح من أجل العثور على وظيفة ثابتة، وهذا ما جعله يتفاخر بجذوره العمالية.
اختبر في حياته مآسي كثيرة، حيث فقد زوجته الأولى نيليا هانتر وابنته ناعومي التي كانت رضيعة لم تتجاوز عامها الأول، في حادث سيارة عام 1972.
لم يكن حينها قد انقضى أكثر من أسابيع قليلة على فوزه بانتخابات مجلس الشيوخ عن ديلاوير، ليتم لاحقا تنصيبه أثناء وجوده إلى جانب نجليه اللذين أصيبا أيضا في الحادث مع والدتهما.
وانقضت 3 سنوات قبل أن يلتقي بايدن زوجته الثانية جيل جاكوبز وهي مدرّسة من بنسلفانيا، ثم تزوجا لاحقا ورزقا بابنتهما آشلي.
أما نجلاه من زوجته الأولى، بو وهانتر، فاستطاعا النجاة من الموت، ودخل الأول عالم السياسة، ليصبح نائبا عاما لديلاوير، لكنه توفي في 2015 إثر صراع مع سرطان الدماغ عن 46 عاما، وكانت تلك من بين أسوأ المآسي التي تعرض لها بايدن.
في عام 1987، ترشح بايدن للرئاسة للمرة الأولى، لكنه انسحب من المنافسة، وكذلك فعل في 2008، بعد أن جاء في المركز الخامس في تجمع ولاية أيوا.
وعند دخوله السباق في أبريل/نيسان 2019، قدم بايدن نفسه على أنه أفضل خصم للملياردير الجمهوري، غير أن الهزيمتين اللتين مني بهما بالانتخابات التمهيدية، بعثرت آماله، وهزت صورة المنتصر.
تعرض بايدن لسخرية واسعة بسبب تلعثمه وزلاته الكلامية المحرجة التي غذت هجمات ترامب ضده.
وبحسب إعلام أمريكي، قال بايدن إن تلعثمه حرمه من تلقي مساعدة مهنية عندما كان طفلاً، لكنه تدارك الأمر، وانخرط ضمن قسم علم أمراض الكلام عندما أصبح طالبا في كلية الحقوق بجامعة سيراكيوز.
لكن، ورغم جميع التوضيحات التي قدمها، إلا أن مناوئيه يرون أنه لا يزال هناك الكثير ليتحدث عنه بشأن وضعه الصحي، خصوصا عقب محاولاته الفاشلة طوال حياته لتجاوز عقدة التلعثم.
aXA6IDE4LjIxOC4xOTAuMTE4IA== جزيرة ام اند امز