أخيراً تحدث الرئيس الأمريكي "جو بايدن" عن السياسة الخارجية التي يعتبرها حبه الأول، كما صرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض.
جو بايدن، لطالما تكلم وصرح عن السياسة الخارجية كسيناتور ديمقراطي رزين حين كان عضواً في لجنة السياسة الخارجية في الكونجرس في تسعينيات القرن الماضي، وحين كان نائباً للرئيس "باراك أوباما"، لكنها المرة الأولى التي يتحدث فيها كرئيس أمريكي.
جو بايدن الرئيس يأتي في حقبة سياسية شديدة الحساسية، لأنها تجيء بعد أربعة أعوام من حكم الرئيس السابق ترامب، الذي يعتبر حالة استثنائية في السياسة وفي الديمقراطية الأمريكية، كما يقول منظروها.
في خطابه أمام موظفي الخارجية الأمريكية، وضع عناوين كثيرة وخلق قلقاً وأسئلة أكثر.
أشرت في مقال سابق إلى أن "بايدن" سيهتم بالسياسة الداخلية لأمريكا أكثر من السياسة الخارجية باعتباره مجبراً على ذلك، بسبب انقسام المجتمع الأمريكي بعد حادثة اقتحام مبنى الكونجرس، وبسبب جائحة كورونا، لكنه بعد خطابه الأخير تأرجح في الاهتمام بين السياستين الداخلية والخارجية.
بايدن خلق لنفسه تحديات كان في غنى عنها، خصوصاً ما يتعلق بالروس والصينيين، فأشار أنه تحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأبلغه أن أمريكا الأمس ليست كأمريكا اليوم ولن تقبل تدخلاتكم.
إذاً العنوان الذي أصبح واضحاً هو أننا بصدد علاقة متوترة بين أمريكا والروس وأمريكا والصينيين.
طبعاً مع الأخذ في الاعتبار أن السياسات الخارجية لا يمكن أبداً أن تُبنى في خطاب أو في تصريح، فالسياسة هي ما لا يقال، وليس ما يتم الإعلان عنه، وثمة ضوابط ومتغيرات ديناميكية تجعل العلاقة متغيرة بين كل الأطراف.
العنوان الآخر الذي يستحق الوقوف عنده هو ما لم يقله بايدن، وهو ما يخص الملف الإيراني النووي لأنه يتوقف عليه كثير من السياسة الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط ومنطقتنا العربية على الأخص.
عدم ذكره من قريب أو من بعيد لهذا العنوان يخلق تساؤلات كثيرة، هل هو إغلاق لعدم النقاش حول إذا ما كانت أمريكا ستعود أم لا؟
أو أنه ترك الباب مفتوحا لمزيد من النقاش؟
لكن الجانب المطمئن هو إشارته الصريحة إلى تهديدات إيران تجاه المنطقة تحديداً.
إذاً فكرة التحالفات القديمة في المنطقة باقية ولن يتم تفكيكها كما توقع البعض، أيضاً عدم ذكره لكثير من قضايا الشرق الأوسط، يجعلنا نتوقع أننا أمام اهتمام أكثر بالملف وليس إهمالاً له، وقد تكون هناك خطابات قادمة تفك شيفرة التعامل الأمريكي مع كل ملف.
لكن الذي كان لافتاً ومقلقاً هو تكراره المتعمد لمصطلح القيم الأمريكية، والريادة الأمريكية، بالإضافة للقيادة الأمريكية.
وهنا أسئلة كثيرة مقلقة، لأن الرجل بهذا الطرح يكرر أخطاء من سبقه من صقور المحافظين الجدد، خصوصاً زمن بوش الابن، الذي أسس سياسته على نشر القيم الديمقراطية الأمريكية ومواجهة الاستبداد.
وبالتالي من حقنا أن نتساءل عن أي قيم أمريكية كان يتحدث "بايدن" هل القيم التي ذكرها "بوش الأب وبوش الابن"؟
هل هي القيم التي تحدث عنها مفكرو وملهمو المحافظين الجدد، مثل الفيلسوف الأمريكي "فوكوياما" صاحب كتاب "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" والذي يعتبر الأب الروحي لجيل أمريكي كامل من الحكام والنخب الأمريكية؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة