لم يكن اجتماع عمّان الذي جمع وزراء ومسؤولين أمنيين من سوريا ودول الجوار مجرد لقاء تقني لبحث ملفات أمنية عابرة.
بل كان الاجتماع مؤشراً واضحاً على إدراك عميق من المطبخ السياسي الأردني – ومعه دول الجوار – لحجم المخاطر التي تواجه سوريا، وضرورة التحرك العاجل لضمان أمنها واستقرارها، والحفاظ على وحدتها في وجه التحديات المتزايدة.
منذ سنوات، والأردن يقف عند الحد الفاصل بين التفاعل الحذر والانخراط المباشر في الشأن السوري، متأثراً بتبعات الصراع على المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، لكن ما يجعل هذا الاجتماع مختلفاً اليوم هو أنه يأتي في وقت حساس، حيث يواجه الداخل السوري أوضاعاً متفجرة على أكثر من صعيد: اقتصاد يترنح، وتململ شعبي، وتهديدات إرهابية متزايدة، وضبط الحدود الذي بات يُقلق الجميع.
وأمام هذه الفوضى، يدرك الأردن ومعه دول الجوار أن الانتظار لم يعد خياراً، وأن عليهم العمل بشكل جماعي للحيلولة دون تحول الظروف السورية إلى مصدر تهديد إقليمي أوسع.
ورغم اختلاف الأجندات السياسية للدول المشاركة في الاجتماع، إلا أن هناك إجماعاً واضحاً على أن تفكك سوريا ليس في مصلحة أحد؛ فالأردن ولبنان عانيا من موجات اللجوء وتداعيات التهريب، والعراق لديه هواجس أمنية مرتبطة بحدوده الغربية، وتركيا تواجه تعقيدات المشهد الكردي وملف اللاجئين، وبالتالي فإن أي انهيار جديد في دمشق سيعني مزيداً من الفوضى العابرة للحدود، وهو ما لا تريده هذه الدول بأي شكل من الأشكال.
لكن السؤال الأهم يبقى: هل تستطيع هذه الجهود تحقيق نتائج فعلية؟ الحقيقة أن الأزمة السورية باتت معقدة بدرجة يصعب معها إيجاد حلول سريعة، خاصة في ظل التداخلات الدولية والمصالح المتشابكة، ومع ذلك، فإن تحرك عمان ومن خلفها دول الجوار يثبت أن هناك رغبة في إيجاد مقاربة إقليمية، ربما تكون أكثر واقعية من الطروحات الدولية التي غالباً ما تصطدم بمصالح دولية.
المطبخ السياسي في عمان، المعروف بقراءته العميقة للمتغيرات الإقليمية، يدرك أن الوقت قد حان لمقاربة جديدة، قوامها التنسيق الإقليمي لمنع انهيار سوريا، وإيجاد حلول عملية للمشكلات الأمنية التي تؤثر على الجميع، وقد لا يكون هذا الاجتماع كافياً، لكنه بالتأكيد خطوة في الاتجاه الصحيح، ورسالة واضحة بأن دول الجوار لن تبقى متفرجة على ما يجري في دمشق.
في النهاية، يبقى الأمل معلقاً على قدرة هذه الدول على تحويل هذا التنسيق الأمني إلى مقاربة سياسية أشمل، تفتح المجال أمام تسويات تضمن استقرار سوريا، وتجنبها سيناريوهات التقسيم والانهيار التي لا تخدم سوى أعداء المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة