منذ عقود، شكّل الإعلام الجسر الذي يربط بين الشعوب والثقافات، وهو اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة والتحديات التي تواجه الصحافة التقليدية.
وفي هذا السياق، تأتي قمة «بريدج» BRIDGE كمبادرة استثنائية تعكس رؤية دولة الإمارات العربية المتحدة في تشكيل مستقبل الإعلام الطموح، التي يقوم على تنفيذها باحترافية الشيخ عبدالله بن محمد بن بطي آل حامد، رئيس المكتب الوطني للإعلام، بما يسهم في تعزيز التكامل الإعلامي العالمي وخلق منصة ديناميكية تدعم الابتكار، وتُمكّن الإعلاميين، وترسّخ الصحافة المسؤولة في العصر الرقمي؛ حيث تُعيد «بريدج» تعريف مفهوم التعاون الإعلامي ليكون أكثر شمولاً وتأثيراً.
فالإعلام لم يعد مجرد ناقل للأحداث، بل أصبح قوة مؤثرة تشكل الرأي العام، وتحرك عجلة التنمية، وتؤثر في السياسات العالمية. ومع ذلك، فإن هذا الدور يتطلب تطويراً مستمراً لمواكبة التحولات الرقمية التي غيّرت من طبيعة المحتوى الإعلامي وأعادت تشكيل العلاقة بين الإعلام والجمهور.
من هنا، تأتي قمة «بريدج» لتلعب هذا الدور المحوري، حيث تسعى إلى بناء نموذج جديد للتواصل الإعلامي يعتمد على الحوار، والابتكار، والمسؤولية. فمع حضور أكثر من 2000 إعلامي، إلى جانب قادة دول ورؤساء تنفيذيين وخبراء عالميين، ستكون القمة بمثابة مختبر عالمي للأفكار الإعلامية الرائدة، وفرصة لإيجاد حلول جديدة للتحديات التي يواجهها الإعلام، من مسألة الأخبار الزائفة إلى استدامة نماذج الأعمال الصحفية، وأهمية التوعية القانونية للصحفيين والإعلاميين بالجرائم الإلكترونية وقوانين المطبوعات والنشر.
إن الإعلام ليس مجرد ناقل للمعلومات، بل هو ركيزة أساسية في تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز الهوية الثقافية، وبناء جسور التفاهم بين الشعوب. ومن هنا، فالمأمول أن تحقق قمة «بريدج» هذا الدور المحوري، وتعمل على تمكين الصحفيين والإعلاميين بالأدوات والمهارات اللازمة ليكونوا فاعلين في تشكيل المستقبل الإعلامي، وليس مجرد متابعين له، مع توفير منصة لتبادل الخبرات بين الإعلاميين من مختلف الخلفيات، بما يعزز التعاون الإعلامي العابر للحدود، ويسهم في بناء قطاع إعلامي أكثر تأثيراً وموثوقية، ليس على مستوى المنطقة فحسب، بل على مستوى العالم.
ولأن بناء إعلام قوي ومستدام لا يمكن أن يقتصر على نقاشات القمم والمؤتمرات، فقد أطلق الشيخ عبدالله بن محمد بن بطي آل حامد مبادرة «BRIDGE Foundation»، وهي مؤسسة غير ربحية تهدف إلى تمكين الجيل القادم من الإعلاميين، وتقديم الدعم للمواهب الناشئة، وتمويل الأبحاث التي تعزز النزاهة والمصداقية في الصحافة. وهي مبادرة رائدة يمكن أن تشكل نقلة نوعية في العمل الإعلامي العربي وترتقي به إلى آفاق جديدة.
وبالطبع، فمع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في صناعة الأخبار، وتقنيات الواقع المعزز والافتراضي، والتحليلات الضخمة للبيانات، يواجه الإعلام تحديات غير مسبوقة تتعلق بالمصداقية والاستدامة. ومن هنا، ستكون قمة «بريدج» المنصة المثالية لمناقشة هذه القضايا، حيث ستجمع بين خبراء التكنولوجيا وصناع القرار الإعلامي لإيجاد حلول عملية تضمن أن تظل الصحافة مصدراً موثوقاً للمعلومات، بعيداً عن الشائعات والأخبار السلبية التي قد تكون غير صحيحة أو غير مقبولة.
كما ستتيح القمة فرصة للإعلاميين لتجربة أحدث الابتكارات في مجال إنتاج المحتوى، مثل الذكاء الاصطناعي في الصحافة، والصحافة التفاعلية، والصحافة الغامرة، مما يساعدهم على تقديم محتوى أكثر جاذبية ودقة للجمهور.
إن قمة «بريدج» - بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام - ليست مجرد فعالية إعلامية، بل هي إطار استراتيجي طويل الأمد يهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الإعلامي العالمي؛ فهي تجسّد رؤية الإمارات في بناء إعلام مسؤول ومبتكر ومستدام، وترسيخ مكانتها كواحدة من أهم العواصم الإعلامية العالمية.
«بريدج» لن تكون مجرد منصة لمناقشة التحديات، بل هي محرك للتغيير والعمل المشترك، حيث يجتمع الإعلاميون والقادة والمبتكرون لرسم خريطة جديدة لمستقبل الإعلام، قوامها التعاون، والتكنولوجيا، والاستدامة.
ومع اقتراب موعد انعقاد القمة في ديسمبر/كانون الأول 2025، ستتحول «بريدج» بالتأكيد إلى حدث إعلامي عالمي مذهل، حيث ستُقدَّم حلولٌ جديدة لمشكلات الإعلام التقليدي، وتُعزز دور الإعلام في التنمية، وتفتح آفاقاً جديدة للاستثمار في القطاع الإعلامي.
«بريدج» ليست مجرد قمة، بل خطوة عملاقة نحو إعلام عالمي أكثر تأثيراً، وشفافية، واستدامة. وهذا ما نريده في عالمنا العربي.. هذا هو الإعلام المسؤول.. فشكراً للإمارات على هذه المبادرة التي أتمنى أن تحقق غاياتها وترتقي بالمشهد؛ فما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه المبادرات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة