كوني أحد أبناء أم القيوين، فقد نشأت على قيمها، وترعرعت على مبادئها التي لم تكن مجرد كلمات تُقال، بل أفعال تُعاش يوميًا في مجتمعها، وفي مجالسها، وفي تفاصيل حياتها.
وبعد قراءتي لمقال الدكتورة موزة غباش، الذي تناولت فيه التاريخ العريق لهذه الإمارة، ازددت يقينًا بأن أم القيوين لم تكن مجرد نقطة على خريطة الإمارات، بل كانت ولا تزال رمزًا للهوية، وامتدادًا للكرم والجود والوفاء، وهي القيم التي نراها تتجسد بكل وضوح اليوم وفي كل عام، خاصة في شهر رمضان المبارك، في مجلس الشيخ سعود بن راشد المعلا، حاكم أم القيوين.
إن حديث الدكتورة عن موقع الدور الأثري، وحصن فلج المعلا، وجزيرة السينية ليس مجرد استعراض لمحطات تاريخية، بل هو شهادة على إرث ممتد، وشواهد على حياة كانت تقوم على التفاعل والكرم، على العطاء قبل الأخذ، وعلى التكاتف قبل أي شيء آخر. وكما كانت أم القيوين في الماضي موطنًا للبحارة والتجار الذين استقبلوا الغرباء بقلوب مفتوحة، فإنها اليوم، تحت قيادة حاكم أم القيوين، لا تزال الوجه نفسه الذي يعكس أرقى معاني الضيافة العربية الأصيلة.
وكما قال الشاعر العربي:
"حرٌّ إذا جئته يومًا لتسأله.. أعطاك ما ملكت كفاه واعتذرا"
وهذا البيت يكاد يصف أهل أم القيوين بدقة، وعلى رأسهم والدنا الحاكم، فهم يجودون بما لديهم لا من باب التفاخر، بل لأن الكرم عندهم طبيعة أصيلة لا تحتاج إلى تصنّع أو تكلّف، ويعتبرون العطاء واجبًا لا فضلًا. وترى ذلك في حديثهم، في تفاعلهم مع الناس، في تواصلهم الدائم مع المجتمع، وفي إدراكهم العميق أن القيادة ليست مجرد مسؤولية، بل هي احتواء للناس وقرب منهم.
وهذا ما نراه في مجلسه، حيث لا تُطرح القضايا فحسب، بل تطيب النفوس، وتُبنى العلاقات، ويجد كل من يدخله نفسه بين أهله. فهذا المجلس هو صورة مصغرة لروح أم القيوين، التي لم تتغير رغم تغير الزمن، بل ازدادت أصالةً وتمسكًا بقيمها.
وأنا، كأحد أبناء هذه الإمارة، لا أرى ذلك كمراقب من الخارج، بل كجزء من هذا النسيج الاجتماعي وشاهد على هذا العطاء المستمر. لقد عشت حرص الشيخ سعود بن راشد المعلا على أن يبقى مجلسه مضيافًا للجميع، بلا قيود أو اعتبارات، وإن وُجدت، لكانت طبيعية، إلا أن حكمته جعلتها غير موجودة.
وقد قال الشاعر:
"يُخفي صنائعه والله يُظهرها.. إن الجميل إذا أخفيته ظهرا"
ما ذكرته الدكتورة موزة غباش عن ماضي أم القيوين نؤكده، إذ إنه ليس مستجدًا، بل هو امتداد لجذورٍ ضاربة في عمق التاريخ، وجدتُ أثرها في نشأتي، وفي قصص الأجداد، وفي كل مجلس يجمعنا. وهذا هو سر أم القيوين الذي لا يتغير، مهما تغيرت الظروف، إنها إمارة لم تفقد هويتها أمام زحام الحداثة، بل اختارت أن تسير في طريق يجمع بين الجمالين، جمال الماضي الذي نفخر به، وجمال الحاضر الذي نبنيه مع قيادتنا الحكيمة.
وختامًا، أقولها عن تجربة، وليس من باب المجاملة: نحن أبناء أم القيوين لم نتعلم الكرم من الكتب، بل رأيناه في وجوه آبائنا، وفي تصرفات قادتنا، وفي مجالسهم التي لم تغلق بابها يومًا في وجه أحد. وهذه الروح، التي تسري في مجتمعنا، هي ما يجعل أم القيوين ليست مجرد إمارة، بل بيتًا كبيرًا يسع الجميع.
شكرًا والدي الشيخ سعود بن راشد المعلا، لأنك لم تجعل من التراث مجرد ذكرى، بل جعلته واقعًا نعيشه، نلمسه، ونفتخر بأننا جزء منه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة