قبل نحو عام من اليوم كتبت مقالاً كان يطرح سؤالًا إن كانت جرائم الكراهية تنتشر في منصاتنا الرقمية وتتحول إلى "حمى مجتمعية".
وكأي مقال أرسلت رابطه إلى عدد من الأصدقاء فجاءني رد أحدهم سريعاً "نعم نحن نعاني من جرائم الكراهية في منصاتنا الرقمية، وعلينا أن نعترف".
اليوم، في عالمنا الرقمي اليوم، أصبحت جرائم الكراهية أكثر انتشاراً وخطورة من أي وقت مضى، مدفوعة بتنامي تأثير وسائل التواصل الاجتماعي؛ فلم تعد العنصرية، والتحريض على العنف مجرد خطابات هامشية مقتصرة على الجلسات المغلقة، بل باتت تتصدر المشهد العام، مدفوعة بالانتشار السريع للمحتوى على منصات مثل إكس وفيسبوك.
هذه الظاهرة تعكس بدقة التحذير الذي أطلقه الفيلسوف والروائي الإيطالي أمبرتو إيكو، حين قال: "أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالقٍ من الحمقى، ممّن كانوا يتكلمون.. دون أن يتسبّبوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً.. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل... إنه غزو البُلهاء".
هذه الكلمات تلقي الضوء على أحد أخطر تحديات العصر الحديث، وهي قدرة أي شخص، بغض النظر عن مستوى وعيه أو مسؤوليته، على نشر أفكار كراهية وتحريضية إلى الجمهور، دون أي حواجز تُذكر؛ حيث لم يعد الأمر يقتصر على خطاب عشوائي يُلقى في مكان مغلق، بل أصبح خطاباً متاحاً للجميع، يتفاعل معه الآلاف، وربما الملايين، مما يحوّله من مجرد رأي فردي إلى خطاب عام يمكن أن يؤثر في المجتمعات بأسرها.
والأنكى من ذلك، أن وسائل الإعلام التقليدية كانت تمتلك نوعاً من الفلترة والتدقيق قبل نشر أي خطاب علني، أما اليوم، فأي شخص يمكنه كتابة منشور أو تغريدة، ليتم تداولها خلال دقائق، وتتحول إلى "حقيقة" في نظر البعض، حتى لو كانت مجرد افتراءات مغرضة.
وليس هذا فحسب، بل صممت منصات التواصل الاجتماعي لجذب الانتباه من خلال الإثارة، وهو ما يجعل منشورات الكراهية والتحريض تنتشر بشكل أسرع من المحتوى المعتدل أو التحليلي؛ فالكثير من الأبحاث تشير إلى أن الأخبار الزائفة وخطابات الكراهية تحصل على تفاعل أكبر من المحتوى المتوازن، ما يزيد من خطورتها.
كما أن الخوارزميات التي تدير هذه المنصات تروج للمحتوى الذي يحقق أعلى معدل تفاعل، دون تمييز بين ما هو تحريضي وما هو نافع، وهكذا، يجد المستخدم نفسه محاطاً بخطاب الكراهية دون أن يدرك مدى تأثيره على تشكيل آرائه وتوجهاته.
العديد من الدول تدرك خطورة هذه الظاهرة، مما دفعها إلى سن تشريعات لمكافحة خطاب الكراهية عبر الإنترنت، ومع ذلك، يظل التطبيق الفعلي لهذه القوانين معقداً، نظراً للتحديات المتعلقة بتحديد المسؤولية القانونية، خاصة عندما يكون المحرضون مجهولي الهوية.
لكن الأساس دوما ليس تطبيق القانون بصرامة، فعلى المستوى الاجتماعي، تؤدي جرائم الكراهية الرقمية إلى تعميق الانقسامات داخل المجتمعات، وتحويل الحوار العام إلى ساحة صراعات بدلاً من كونه وسيلة للتفاهم والتقارب، كما أن تكرار هذه الخطابات يجعلها مألوفة وعادية، مما يقلل من حساسيتنا تجاهها، ويزيد من قبولها، لذا فالأهم تعزيز الوعي الاجتماعي بخطورتها من خلال عقد الندوات المجتمعية، وتفعيل دور الأكاديميين والإعلاميين والقانونيين في هذا الاطار، وتحفيز الخطاب المتوازن من أجل مجتمعات أكثر تسامحاً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة