في عصر المعلومات السريعة والتكنولوجيا المتقدمة، تواجه وسائل الإعلام التقليدية والحديثة تحديًا كبيرًا للحفاظ على مصداقيتها أمام جمهورها.
فالمصداقية تُعدّ حجر الزاوية في بناء الثقة بين الوسيلة الإعلامية والمجتمع، ولكن حتى أكثر المؤسسات الإعلامية احترامًا قد تقع في فخ الأخطاء أو التحيز غير المقصود.
لا يمكن لأي مؤسسة إعلامية أن تدّعي المصداقية المطلقة بنسبة 100٪، لأن الإعلام يعتمد على العمل البشري، ومن الطبيعي أن تحدث أخطاء. السؤال الأهم هو: كيف يمكن للمؤسسات الإعلامية معالجة هذه الأخطاء والحفاظ على سمعتها المهنية؟
عندما تواجه وسيلة إعلامية مشكلة في المصداقية، يمكنها اتباع خطوات عملية لإصلاح الخلل. أولى هذه الخطوات هي الاعتراف بالخطأ والاعتذار العلني. فعلى سبيل المثال، عندما نشرت شبكة بي بي سي تقريرًا غير دقيق حول الوضع في سوريا عام 2015، قدّمت اعتذارًا رسميًا وشرحت الخطأ، مما عزّز من صورتها كوسيلة إعلامية مسؤولة.
التصحيح السريع للمعلومات يُعدّ من أبرز معايير الشفافية. صحيفة نيويورك تايمز تعتمد سياسة واضحة لنشر التصحيحات بشكل علني، مما يُظهر التزامها بالشفافية والمهنية. في بعض الأحيان، يتطلب إصلاح الخلل تحقيقًا داخليًا ومراجعة للسياسات التحريرية، كما فعلت قناة سي بي إس نيوز عام 2004 بعد تقرير غير دقيق عن الرئيس الأمريكي جورج بوش.
التفاعل مع الجمهور يلعب دورًا محوريًا في تعزيز المصداقية، كما يظهر في تجربة منصة الغارديان التي أتاحت للجمهور الإبلاغ عن الأخطاء مباشرة عبر موقعها. مثل هذه المبادرات تعزز الثقة وتجعل الجمهور شريكًا في عملية التصحيح.
ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، برز دور مؤثري الإعلام الاجتماعي كفاعلين رئيسيين في المشهد الإعلامي. يتمتع هؤلاء المؤثرون بقدرة هائلة على الوصول إلى جماهير واسعة بسرعة، لكن التزامهم بالمصداقية يظل موضع تساؤل. أحيانًا يركّز المؤثرون على المحتوى الجذاب والمشاهدات العالية على حساب دقة المعلومات. وقد شهدنا حالات انتشرت فيها شائعات عبر حسابات مؤثرين، مما دفع منصات مثل إنستغرام وفيسبوك إلى تطبيق أدوات للتحقق من الحقائق والتنبيه عند نشر محتوى مشكوك فيه.
تبقى المصداقية عملية مستمرة من البناء والمحافظة عليها. لا يوجد أحد كامل، ولكن الشفافية والالتزام بالحقائق قد يقرّبان الوسيلة الإعلامية والمؤثرين الاجتماعيين من الكمال الذي يتطلع إليه الجمهور.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة