نجوم كرة بساق واحدة.. آلام وأحلام على البساط الأخضر (صور)
وقف نجوم العالم فى نهاية فبراير/ شباط الماضي، يصفقون لمارسين أوليكسى الفائز بجائزة بوشكاش لأفضل هدف لعام 2022، ليخطف الأنظار من الجميع.
سجل اللاعب هدفا خياليا لفريق فارتا بوزنان البولندى، وشهدت قاعة الاحتفال بجوائز the best في العاصمة الفرنسية باريس، احتفاء خاصا بأوليكسى الذى يركض فى ملاعب كرة القدم بساق واحدة، غير مصدقين قدرته على تسجيل هدف رائع بهذا الشكل المبهر.
واستند أوليكسي على عكازه قبل أن يسدد الكرة بقدمه بطريقة أكروباتية بديعة نالت تصفيق العالم كله، لتؤكد كرة القدم مجدداً أنها ليست مجرد لعبة يجرى خلفها كبار النجوم وصغار اللاعبين، ولكنها تحمل الكثير من المعانى الجميلة أهمها المتعة والفرحة والفخر لكل من يلعب ولكل من يشاهد ويشجع.
الجميل أن أوليكسى فاز بجائزة بوشكاش متفوقا على كبار نجوم العالم، ومنهم الفرنسي ديميتري باييه صاحب الهدف الجميل لمارسيليا الفرنسى فى مرمى باوك اليونانى، وكذا البرازيلي ريتشاليسون وهدفه المميز لمنتخب بلاده ضد صربيا في كأس العالم بقطر 2022.
وكتب أوليكسى التاريخ بوصفه أول لاعب من أصحاب القدم الواحدة يدخل ضمن ترشيحات الأفضل فى العالم، قبل أن يحصد جائزة بوشكاش باقتدار.
أوليكسى.. المثل والقدوة
يمثل أوليكسى قطاعا عريضا من أصحاب نفس الألم، لكنه كذلك يشاركهم الأمل والحلم، بل أصبح مثلا وقدوة لكل من يتعلق بكرة القدم، بالرغم من فقدان أحد الساقين.
فقد أوليكسى ساقه منذ 12 عاما تقريبا فى حادث مؤلم، بعد سقوط آلة ثقيلة عليها، وقت أن كان يشتغل كعامل بالطرق، وتسبب الحادث فى بتر طرفه الأيسر السفلى.
كان أوليكسى في الحقيقة شخصا مجهولا فى بولندا، يسعى فقط لجني بعض المال لمواصلة العيش، لكنه أصبح واحدا من مشاهير بلاده، ولعب كرة القدم باحتراف شديد فى 2019 قبل أن يصبح واحداً من أهم نجوم كأس العالم لأصحاب الهمم بعد 3 سنوات فقط، وهو الآن يفتخر كثيرا لكونه صاحب أجمل هدف فى العالم. لكن هل هناك نجوم كرة القدم بساق واحدة فى الوطن العربى؟ الإجابة نستعرضها في "العين الرياضية" من خلال السطور التالية.
شعبية هائلة في مصر
فى مصر، شهدت الأشهر الأخيرة نشاطاً غير مسبوق للاعبى كرة القدم أصحاب الساق الواحدة، لكن الفضل كله يعود إلى هذا الشاب الصغير الذي تسبب في انتشار اللعبة.
بدأ مشوار الحلم بصورة غريبة كانت حديث المصريين فى عام 2017، وتحديدا خلال مباراة مصر والكونغو والتي شهدت تأهل "الفراعنة" إلى نهائيات كأس العالم 2018 في روسيا.
في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2017، كان محمود عبده، وهو شاب فقد ساقه في سن السادسة بعد حادث سيارة، يحلم بالاحتفال بتأهل منتخب مصر إلى كأس العالم، لكنه لم يكن يعرف أنه سيكون صاحب اللقطة الأبرز في تلك اللحظات التاريخية.
بكى محمود عبده عند تسجيل الكونغو هدف التعادل، الذي كاد أن يقضي على أحلام المصريين، لكن محمد صلاح منح جمهور "الفراعنة" الفرحة الكبرى من علامة الجزاء، ليقفز محمود عبده فى الهواء وعلى قدم واحدة.
وقف محمود عبده على ساقه "السليمة"، رافعا العكازين فى الهواء، فى واحدة من أغرب مشاهد الاحتفالات بملاعب كرة القدم على الإطلاق، وقرر أن يصنع الحلم بعدما شاهد عبر الانترنت لقطات من مباريات لأصحاب الساق الواحدة، ليصبح مؤسس اللعبة فى مصر، ولكن كيف نجح فى ذلك؟
بداية الحلم
يقول محمود عبده لـ"العين الرياضية " عن مسيرته الملهمة: "لازلت أتذكر المشهد القاسي وعمري 6 سنوات أثناء عبوري للشارع، قبل أن تصدمني سيارة كبيرة وتسبب الحادث فى بقائى بالمستشفى لمدة عامين وأجريت 9 عمليات جراحية".
واستدرك بقوله: "لكنى عشت حياتى بشكل طبيعى لاحقا، وواصلت الدراسة واللعب أيضاً، كنت أحلم بالانضمام إلى فريق الأهلى قبل الحادث وتعلقت بكرة القدم بشدة، سواء قبل أو بعد الواقعة، لكني لم أتوقف عن ممارسة كرة القدم وسط اندهاش كل من يشاهدني".
واستطرد: "ألعب مع زملائي بل وأتفوق عليهم أحيانا كثيرة، لكن صورتى فى مباراة تأهل مصر لكأس العالم منحتني شهرة عريضة، لدرجة أن الاتحاد الدولى لكرة القدم وصفها بالأفضل، واعتبر الفيفا أن تلك اللقطة تجسيداً للإرادة والأمل".
وأكمل مشددا "اكتشفت أن هناك منتخبات كبرى تلعب بساق واحدة، ومواهب عديدة تمارس اللعبة برغم كل الصعوبات، وهنا قررت أن أبدأ المشوار، حيث بدأت فى دعوة كل من يعاني من بتر فى الساق ويعشق كرة القدم، وبدأنا المشوار بـ9 لاعبين فقط، والآن يزيد عددنا عن 200 لاعب من مختلف المحافظات".
"لم يكن الطريق أبدا مفروشا بالورود، لقد تعرضنا لصعوبات وعقبات لكن التحدي كان السبب فى عبور كل الطرق الصعبة، ونجحنا فى تكوين أول منتخب لمصر شارك فى بطولة أفريقيا 2021 بتنزانيا، وحققنا المركز السابع، قبل تأسيس عدة فرق محلية منها الزمالك وبيراميدز والمقاولون العرب وزد"، هكذا يُضيف عبده.
ولاحقا، نجح منتخب مصر فى حصد الميدالية البرونزية لدورة الألعاب الأفريقية فى لعبة الساق الواحدة بعد الفوز على نظيره الأنغولي، بينما يحلم عبده ورفاقه الآن في اقتناص لقب بطولة أفريقيا التي ستُقام في مصر خلال شهر إبريل/ نيسان المقبل، خاصة بعد الاستعانة بمدرب أجنبي، هو التركي إيفران أويانيك.
بشكل عام، يحق لمحمود عبده أن يشعر بالفخر لكونه سببا في ممارسة العديد من أقرانه لكرة القدم برغم كل الظروف الصعبة، وأصبح أول لاعب مصرى يحترف بالخارج بعدما انضم لأحد الفرق التركية الناشطة في رياضة كرة القدم للساق الواحدة.
من رحم الألم يُولد الأمل
"محمود عبده بالنسبة لنا ليس مجرد زميل أو نجم شهير، بل هو المثل والقدوة". هكذا يراه أحمد إبراهيم لاعب منتخب مصر للساق الواحدة، وهو من مواليد عام 1995 وتعلّق بكرة القدم منذ الصغر وانضم للعديد من الفرق المحلية مثل اتحاد الشرطة والنجوم والاتصالات، حتى تعرض لحادث مؤلم في 2017.
لم يكن إبراهيم يتصور أن تأتى هذه السيارة الطائشة لتطيح بأحلامه، وهو يستقل دراجته البخارية، بعد أن كان مرشحا وبقوة للانتقال إلى الأهلي أو الزمالك والإنتاج الحربي، لكن الحلم تحوس إلى كابوس بعد بتر الساق اليسرى حتى أعلى الركبة.
لم يكن إبراهيم يُفوّت مباريات كرة القدم، لكنه توقف ذات مرة أمام مقطع فيديو يتضمن حديثا عن كرة القدم لأصحاب الساق الواحدة، قبل أن يُبادر بالاتصال بعبدالله مصطفى لاعب منتخب مصر، ليستفسر منه عن تلك اللعبة، ويبدأ مشواره نحو ما اعتقد مسبقا أنه "مستحيل".
وفي غضون وقت قياسي، أصبح أحمد إبراهيم المدافع الأساسي لمنتخب مصر وانتقل لاحقا إلى نادي بيراميدز، وتلقى عروضا بالجملة من عدة أندية خارجية، وتحديدا من تركيا، ليؤكد "أنا أعيش في حلم جميل، استعدت ثقتي في نفسي وحبي للحياة، كنت أنام كل يوم ودموعي على وجهي، لكن التعويض جاء كبيرا وعظيما".
وأضاف إبراهيم بقوله: "أعمل كمدير مبيعات في أحد مصانع البلاستيك وأعيش حياة مستقرة، لكن كرة القدم بالنسبة لي تمثل أهم ما في الحياة وهي عشقى الأول، لذلك لم أتصور أبدا الابتعاد عنها، أنسى نفسي تماما وهمومى وآلامي في ملاعب كرة القدم، ربما شعرت بألم الابتعاد عن الملعب أكثر من ألم الحادث الذى تعرضت له".
وأكمل مشددا "استعنت بطرف صناعي حتى أستطيع قيادة السيارة أو الدراجة النارية، لكنى لم أكن قادراً على العودة للملعب، حتى تعرفت على نجوم منتخب مصر للساق الواحدة، تدربت بقوة و حصلت على لقب الدوري المحلي مع بيراميدز وأصبحت أحد العناصر الأساسية للمنتخب الوطني".
وحول مهارات كرة القدم، يقول إبراهيم ضاحكا: "أنا أستطيع أن أفعل كل شيء، وزملائي يمتلكون مهارات ربما لا نشاهدها إلا فى الدوريات الأوروبية الكبرى، أحلم بالانضمام إلى فريق ليفربول (الإنجليزي) ومقابلة محمد صلاح (نجم الريدز ومنتخب مصر)، إنجلترا تشهد اهتماما كبيرا بفرق الساق الواحدة، وكذلك في تركيا وبولندا".
الحلم القادم.. كأس العالم
لم تتوقف كلمات أحمد ابراهيم المليئة بالتفاؤل والفخر عند هذا الحد، بل أكد أن تلك اللعبة وجدها فى طريقه لتجدد له الأمل نتيجة حالة الرضا التي سيطرت عليه بعد الحادث الأليم، مضيفا أنه "بعد الحادث كنت أشعر بالخجل، الآن أنا شاب جريء ومقاتل، والنجاح ضاعف ثقتى في نفسي، وأخطط للمستقبل بشكل مختلف".
"الآن جاء دور كأس العالم، هي الهدف الأسمى ونستطيع أن نحقق ذلك، لدينا فريق قوي يضم مواهب عديدة، ونجحنا فى التغلب على منتخب أنغولا مرتين وهو وصيف العالم 2022 والبطل في 2018"، هكذا رد إبراهيم بسؤاله عن حلم القادم في عالم تلك اللعبة.
من الإحباط إلى أفضل لاعب صاعد
جاءت حكاية أشرف إسماعيل إبراهيم، البالغ من العمر 20 عاما، وهو واحد من أبرز لاعبي جيله فى فريق سموحة بالإسكندرية، لتؤكد أنه لا مجال للمستحيل في الحياة، خاصة وأنه لعب بين صفوف فريقي إنبي وفاركو، وكان مرشحا بقوة لمواصلة المشوار مع كرة القدم والانضمام لأكبر الأندية.
يقيم أشرف إبراهيم فى البحيرة، وهي إحدى المحافظات القريبة من الإسكندرية، ويسافر يوميا لخوض التدريبات والأحلام تراوده دائما، فهو يرى في الأسطورة محمد صلاح القدوة، ويحب كثيرا مصطفى محمد مهاجم نانت الفرنسي ومنتخب مصر.
كان أشرف إبراهيم لاعبا موهوبا، تلقى عرضا من فريق الزمالك تحت 18 سنة قبل أن يقترب من التوقيع مع فاركو، تمهيدا لحصوله على فرصة استثنائية بالظهور في الدوري الممتاز، لكن قبلها بـ48 ساعة فقط تعرض لحادث أليم أصاب أسرته بصدمة عنيفة، ليبكي الجميع على هذه الموهبة الكروية حتى عاد الأمل بعد انضمامه لمنتخب مصر للساق الواحدة.
يستعيد أشرف ذكرياته مع هذا الحادث ويقول: "تعرضت ساقى اليمنى للبتر، وفوجئت بطبيب نادى سموحة يخبرني بوجود فريق للساق الواحدة وأستطيع أن ألعب كرة القدم معه، سارعت بالبحث عن الحلم وأمسكت بالعكاز لأول مرة، ومع أول ظهور لى فى الملعب قرر الجهاز الفنى ضمى للمنتخب الوطني ثم التعاقد مع نادى زد المشارك فى الدورى المصرى للساق الواحدة".
واستطرد: "الآن أنا لاعب أساسي فى منتخب مصر، وأحرزت هدف الحصول على برونزية أفريقيا، وحصلت على جائزة أفضل لاعب صاعد فى بلدي وتلقيت عرضا من بعض الأندية التركية مثل كهرمان مرعش ودينزلى، لكنى فضلت الانضمام لصفوف الأخير".
وأضاف أشرف "نجحت فى إثبات وجودي سريعا، ومنحت أسرتى الفرحة من جديد، لقد رفضت فى بداية الأمر الانضمام لفريق الساق الواحدة، لكن والدي كان السبب الأول فى تشجيعي على خوض تلك التجربة، لذلك سارعت للاتصال به والبكاء معه من الفرحة، عندما نجحت مع زملائي في الفوز ببرونزية أفريقيا، وعندما عدت لقريتى بمحافظة البحيرة المصرية، استقبلني الناس بالزغاريد والمزمار".
أشرف إبراهيم.. بطل يصنع المعجزات
فى الوقت الذى فقد فيه أشرف إبراهيم ساقه اليمنى وقد اقترب من عامه العشرين، كان إبراهيم بدوى زميله في منتخب مصر قد تذوق نفس الألم وهو طفل صغير لم يتخطى السادسة من عمره.
كان الطفل الصغير يلعب الكرة يوميا في قريته الصغيرة التابعة لمركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ فى دلتا مصر، قبل أن يتعرض لحادث سيارة تسبب فى فقد الطرف الأيسر، لكن بدوى واصل اللعب، واستكمل مشوار التحدى رغم صغر سنه.
يقول بدوى عن تلك الواقعة "كنت طفلا صغيرا، شعرت بالألم والمرارة لكن بدون تفكير أو ترتيب واصلت اللعب مع باقى الأطفال دون خجل، وارتبطت بكرة القدم أكثر وأكثر، ألعب مع فريق المدرسة وفي الشارع وأشارك فى الدورات الرمضانية المختلفة، وحصلت على عدة بطولات، ثم واصلت المشوار بنجاح حتى انضممت لكلية التجارة بجامعة الإسكندرية".
يضيف بدوى: "فوجئت ببعض الشباب يتحدثون عن لعبة كرة القدم للساق الواحدة عبر منصة فيس بوك، تحدثت معهم وبدأت مشوارا جديدا. لا أصدق حتى الآن أنى أصبحت لاعباً بمنتخب مصر، يا له من شرف كبير".
يعد إبراهيم بدوى من اللاعبين أصحاب الخبرات في منتخب مصر، وشارك فى أول ظهور للفريق ببطولة أفريقيا التي أقيمت في تنزانيا أواخر عام 2021، وكان يبحث عن إنجاز يمنحه الفخر أمام أصدقائه وزملائه، متمنيا ألا يقف بتر ساقه عائقا أمام النجاح.
أنهى إبراهيم بدوى دراسته الجامعية لكنه لم يحظ بوظيفة، فاتجه نحو العمل في صناعة "الآيس كريم"، ليشكو من سوء الأحوال المالية حتى بعد الانضمام لفريق بيراميدز الناشط فى الدورى المصرى للساق الواحدة.
يخرج إبراهيم بدوى من الإسكندرية بالقطار بعد منتصف الليل عقب الانتهاء من عمله بالمصنع، حتى يصل فى الصباح الباكر إلى القاهرة ليخوض مرانا صباحيا قبل العودة مجددا إلى المدينة الساحلية، ويكرر هذا الأمر 3 مرات على الأقل أسبوعيا، ويعاني من خصومات مالية إذا تأخر عن عمله، علاوة على أن مكافآته مع بيراميدز بعد الفوز بالدوري المصري لم تتجاوز الـ12 ألف جنيه مصري (388 دولارا أمريكيا تقريبا).
لكن وبالرغم من كل هذه الضغوطات، يشعر بدوي بالفرحة كلما شارك فى مباراة رسمية مع منتخب مصر، كما خاض تجربة احترافية بالدوري التركي لمدة عام واحد قبل أن تتعرض البلاد لزلزال تسبب في إيقاف النشاط، وهو يتمنى انتشار تلك اللعبة في الدول العربية تحديدا، وإتاحة الفرصة أمام مواهب تمتلك المهارة وتنتظر الفرصة.
يقول إبراهيم بدوي: "أتمنى أن أرى لعبة كرة القدم للساق الواحدة فى دولة الإمارات والسعودية وقطر وغيرها، وأن تقام بطولة عربية كبرى قريبا، أتمنى من الأندية العربية الكبرى الاهتمام باللعبة، وجود فرق مثل الهلال واتحاد جدة من السعودية، والجزيرة وشباب الأهلي من الإمارات، والسد القطري مع الأهلي والزمالك في مصر، سيمنحنا سعادة كبيرة ويوفر لنا فرصا عظيمة".
كما ناشد بدوى لاعبي كرة القدم فى مصر والعالم العربى، بدعم لاعبي الساق الواحدة، مشيراً إلى أن نجوم اللعبة فى بولندا يحظون بدعم كبير للغاية من المهاجم المخضرم روبرت ليفاندوفسكي نجم برشلونة الإسباني، وهو الراعي الأول للعبة في بلاده، مطالبا محمد صلاح بالقيام بنفس الدور في مصر.
رسالة خاصة للأهلي ووزير الرياضة
من ريف مصر، وتحديدا في محافظة المنوفية القابعة فى الدلتا ووسط الأراضى الزراعية الخصبة، لعب محمد زاهر كرة القدم، بعد أن ارتبط بوالده العاشق للساحرة المستديرة والذي يتولى رئاسة مركز شباب قريته "سنتريس".
يعانى زاهر من قصر فى الرجل اليسرى، ولم يتعرض لأي حادث، ثم فوجئ بوجود لعبة كرة القدم للساق الواحدة، عبر منشور لمحمود عبده مؤسس اللعبة فى مصر، لكنه تعرض لصدمة سريعة عندما أبلغه بصعوبة انضمامه للفريق لأن "ساقه لم تتعرض للبتر".
كان زاهر متابعا لصفحة نادى ليفربول على منصف "فيس بوك"، وشاهد مباريات الفريق للساق الواحدة وعلم أن هناك لاعبين بنفس حالته يمارسون اللعبة، فتوجه لمحمود عبده الذى أجرى اتصالات بمتخصصين فى اللوائح المتعلقة بها، وعلم أنه يسمح بوجود اثنين من قصار الساق والباقى من مبتوري الساق، ليبدأ زاهر مشواره نحو الحلم.
كتب محمد زاهر اسمه في سجلات تاريخ اللعبة بمصر بعدما شارك فى أول ظهور رسمى لمنتخبه الوطني في بطولة تنزانيا عام 2021، لكنه لم يخف غضبه الشديد من "التجاهل الذي تلقاه تلك الرياضة".
ويقول زاهر "لعبت لفريق بيراميدز لكنى لم أشعر بالاهتمام المطلوب، وكذلك لا أشعر بأي رعاية حقيقية من وزارة الرياضة، ولولا رعاة الفريق لتوقف النشاط تماما، هناك اهتمام كبير بتلك اللعبة فى دول أخرى، وكنت أنتظر أن تطالب وزارة الرياضة الأندية الكبرى بتكوين فرق للساق الواحدة، ولكن الواقع الحالى يؤكد أن المجهود الفردي كان السبب الأول لنجاح التجربة".
واستطرد "ربما لا يعرف الكثيرون أن نادى الزمالك على سبيل المثال، لا يتحمل أي تكاليف مالية لفريق الساق الواحدة، لدرجة أن عبدالله مصطفى مؤسس الفريق هناك هو من تكفل بشراء قمصان اللاعبين".
رغم ذلك، رفض زاهر العديد من عروض الاحتراف خلال الفترة الأخيرة، بسبب طبيعة عمله كموظف في أحد البنوك، كما أن تلك العروض كانت ضعيفة من الناحية المادية، على حد قوله.
وفجر زاهر مفاجأة كبرى عندما أكد تلقيه عرضا مغريا للتجنيس فى البرازيل، مؤكدا اعتزازه بارتداء قميص منتخب مصر، قبل أن يحصل على عروض احتراف فى بولندا وتركيا والولايات المتحدة، مؤكدا أنه يرغب فى ممارسة اللعبة فى بلاده، مناشدا النادي الأهلي بتأسيس فريق للساق الواحدة "أنا أهلاوي وأحلم بارتداء الفانلة الحمراء بشكل رسمي".
سيف سلامة.. الأفضل في أفريقيا
سيف سلامة حارس مرمى منتخب مصر للساق الواحدة، والحاصل على جائزة أفضل حارس فى بطولة أفريقيا 2021، تعلق هو الآخر بكرة القدم منذ الصغر، ومارس اللعبة فى الشارع والمدرسة والكلية والشركة التى عمل بها بعد ذلك، وشارك مع محمود عبده وعبد الله مصطفى فى تأسيس لعبة الكرة للساق الواحدة، قبل أن يزيد عدد اللاعبين ويتلقى عرضا للتجنيس فى اليونان.
قانون اللعبة يسمح بوجود حارس مرمى من الأسوياء، لكن بشرط إخفاء ذراعه تحت القميص، لكن سيف سلامة يفقد جزءا من ذراعه، منذ مولده، ويقول عن ذلك: "رغم هذه الإعاقة إلا أننى أشعر بالقوة، ويكفينى شرف إشادة الاتحاد الدولى بى وحصولى على جوائز عديدة.
هناك لاعب آخر، كانت له بصمة كبيرة على لعبة كرة القدم للساق الواحدة فى مصر، هو عبد الله مصطفى لاعب فريق الزمالك ومنتخب "الفراعنة"، وهو واحد من أصحاب المهارات العظيمة.
عبدالله كان يحلم بالانضمام للزمالك فى سن الطفولة، وكان من أبرز المواهب الصغيرة قبل أن يتعرض لحادث مؤلم بعدما صدمته سيارة محملة بالطوب ليعيش مرحلة صعبة فى حياته بعدما فقد حلمه، حتى شاهد مباراة لكرة القدم للساق الواحدة بين إنجلترا وتركيا فى بطولة أوروبا، ومن هنا رسم حلما جديدا.
أصبح عبدالله واحدا من أهم نجوم منتخب مصر، ويحلم بجائزة الأفضل فى العالم، ويتمنى مقابلة الأساطير ليونيل ميسى ومحمد صلاح ورونالدينهو، وتربطه علاقة خاصة بالمخضرم محمود عبد الرازق شيكابالا لاعب فريق الزمالك.
حصل عبدالله على لقب هداف الدورى المصرى الموسم الماضى برصيد 9 أهداف بجانب جائزة أفضل لاعب، وهو ما يعكس موهبته الفذة، بعد أن بذل جهدا كبيرا لإقناع مسئولى الزمالك بتأسيس لعبة الساق الواحدة، وتكفل مع زملائه بشراء قمصان الفريق، ويأمل في الحصول على دعم كبير من المجلس الجديد لـ "القلعة البيضاء".
طموح يُعانق السماء
كل هؤلاء النجوم في لعبة الكرة للساق الواحدة، رافقهم محمد نبيل إداري منتخب مصر منذ 7 سنوات، والذى يشعر بالفخر لما وصل إليه لاعبوه خلال تلك الفترة، مُبينا أن "الدوري المحلي سيحصل على اهتمام أكبر مستقبلا، حال مشاركة الأندية الكبرى".
وأضاف نبيل أنهم يمتلكون طموحات كبيرة، متوقعا أن أن يحصل منتخب مصر على بطولات دولية خلال السنوات المقبلة، ومؤكدا أنه لا ينسى أبدا الدموع التي انهمرت من لاعبى الفريق بعد الخسارة من غانا خلال دورة الألعاب الأفريقية، ووصفها بأنها "سبب التفاؤل بالمستقبل".
لكن نجوم الفريق المصرى يدينون لمحمد عادل حسنى، وهو رئيس اللجنة الفنية لكرة القدم للساق الواحدة باللجنة البارالمبية المصرية، وأكثر المتحمسين لهذا الفريق وتلك اللعبة، الذى يؤكد سعادته البالغة مع كل فوز يحققه اللاعبون، مشيراً إلى أنه يتعامل معهم مثل أبنائه، قائلا: "لا أبحث معهم سوى عن السعادة، ولا تشغلنى الشهرة ، كل ما أحلم به هو حصول منتخب مصر للساق الواحدة على كأس العالم، والفريق قادر على تحقيق هذا الإنجاز".
هل يُكمل الأهلي الحلم؟
ينتظر محمد عادل حسنى احتراف كل نجوم المنتخب المصرى فى القارة الأوروبية، وهو يتوقع الفوز بالبطولة الأفريقية القادمة في إبريل 2024، ويدرس بشكل جاد تأسيس أول اتحاد لكرة القدم للساق الواحدة في بلاده، لكن الأمر يتطلب وجود 6 أندية بالدوري المحلي، وفقا للوائح المنظمة للاتحادات التابعة للجنة البارالمبية المصرية، على حد قوله، مضيفا: "العدد وصل مؤخرا لـ5 فرق وننتظر فريقا واحدا فقط، ربما يكون الأهلي".
أحلام عادل حسنى تتطابق مع نفس طموحات خالد عبدالحفيظ، وهو عضو اللجنة البارالمبية المصرية، الذى يؤكد بدوره ضرورة الاهتمام بتلك اللعبة خلال السنوات المقبلة.
ويكشف عبد الحفيظ عن سر تعلقه بكرة القدم للساق الواحدة مؤكدا أن: "كل من فقد ساقه يستحق أن يلعب ويفرح ويحلم، الحياة ربما تبدأ من داخل ملعب للكرة، وما المانع أن يكون هذا الشاب نجماً بالمجتمع؟".
حكاية خالد عبدالحفيظ مع كرة القدم للساق الواحدة، بدأت من داخل شركته الخاصة، حيث تعرّف على شاب يعمل هناك ويعشق كرة القدم وتعلق باللعبة مبكرا، ومن هنا بدأ في مساعدته، وهو حاليا يشغل منصب أمين صندوق الاتحاد الافريقي للساق الواحدة، ويتطلع لنجاح البطولة القارية المقبلة في القاهرة بمشاركة 16 منتخبا وطنيا.
ويختتم عبدالحفيظ الحديث الشيّق في هذا الصدد بقوله إن: "المغرب يعد الأكثر اهتماما باللعبة على المستوى العربى، وحقق إنجازات كبيرة منها المركز الخامس عالميا، كما شكّل الجزائريون منتخبا جيدا وكذلك العراق وسوريا، وخلال الفترة المقبلة نأمل فى ظهور منتخبات دول الخليج، لأن تلك اللعبة تساعد على تخطى اليأس والإحباط".
aXA6IDMuMTUuMzQuNTAg جزيرة ام اند امز