والسؤال هنا.. ما الذي يدفع تركيا إلى هذا التصعيد؟ وما هي أهدافها من وراء ذلك؟
خلافا للمواقف الدولية الداعية إلى التهدئة بين أرمينيا وأذربيجان عقب تجدد القتال بينهما مؤخرا، بات الموقف التركي يشكل عاملا مصعدا للصراع بين البلدين.
إذ لا يتوانى المسؤولون الأتراك عن إعلان تقديم الدعم لأذربيجان وتوجيه التهديد تلو التهديد لأرمينيا، حتى تحولت تركيا إلى طرف مباشر في هذا الصراع، وهو ما ينذر بتحول المواجهات المحدودة بين البلدين إلى حرب شاملة، ولا سيما في ظل دعوات أذرية لنقل المواجهات من منطقة توفوز الحدودية الأذرية الأرمنية التركية إلى إقليم ناجورنو قره باغ المتنازع عليه بين أذربيجان وأرمينيا.
والحديث عن جهود تركية لنقل مرتزقة من شمال سوريا إلى أذربيجان للقتال ضد أرمينيا على غرار ما جرى في ليبيا، وهو ما يوحي بأن أنقرة تعد لتصعيد كبير هناك.
والسؤال هنا.. ما الذي يدفع تركيا إلى هذا التصعيد؟ وما هي أهدافها من وراء ذلك؟
تجدد الصراع الأذري-الأرمني، كان في نظر أردوغان بمثابة فرصة ذهبية له للعب بالنار في القوقاز وآسيا الوسطى، وبمثابة بوابة جديدة للنزعة العسكرية التركية المحملة بالأطماع.
في الواقع.. إذا كان مفهوما حجم العداء التركي لأرمينيا بسبب تمسك الأخيرة بتبني ملف قضية الإبادة الأرمنية على يد العثمانيين، ومطالبتها بضرورة اعتراف تركيا بجريمة الإبادة، فإن حسابات أردوغان الحالية من وراء التصعيد بين يريفان وباكو تتجاوز ذلك بكثير.
إذ يعتقد أردوغان أنه بمثل هذا التصعيد سيمتلك ورقة قوية لتقوية موقفه في مواجهة روسيا في كل من ليبيا وسوريا، نظرا للعلاقة التاريخية الوثيقة بين روسيا وأرمينيا؛ حيث تعد الأخيرة منطقة حيوية للنفوذ الروسي في القوقاز.
وربما ترى أنقرة أن التصعيد في الصراع الأذري-الأرمني قد يدفع بروسيا إلى تقديم تنازلات لها في الملف الليبي، ولا سيما أن هذا الملف بات يشكل الامتحان الأكبر لمشروع أردوغان الإقليمي في ظل الخطوط الحمر التي رسمتها مصر في سرت والجفرة، وتحول قضية ليبيا إلى قضية أمن قومي مصري وعربي.
وبعيدا عن الحسابات التركية في الملف الليبي، بات أردوغان يعرف كيف يستغل شعار الوقوف في وجه الدور الروسي لكسب المزيد من الدعم الأمريكي هنا وهناك.
إذ إنه عندما يتجه إلى التصعيد في القوقاز من بوابة الصراع الأذري-الأرمني، يوجه بشكل مباشر رسالة لواشنطن، مفادها أنه ما زال الأقدر على مواجهة الدور الروسي، من ليبيا إلى القرم في أوكرانيا، مرورا بإدلب في سوريا، ومناطق الصراع الحالي بين أرمينيا وأذربيجان، حيث تشكل هذه المناطق شريانا للعديد من المشاريع الحيوية لروسيا في مجال الغاز والنفط والمواصلات والسكك الحديدية.
وهو في الوقت نفسه يقول لواشنطن إن تركيا يمكن أن تقوم مكان أوروبا في القيام بالعديد من الأدوار في الساحات الإقليمية المتفجرة، خاصة أن فرنسا كانت لها الدور الأبرز من خلال مجموعة مينسك في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا عام 1994، عقب حرب بينهما أودت بحياة ثلاثين ألف شخص، وتهجير ونزوح قرابة ثمانمئة ألف شخص من الطرفين.
وعليه يمكن القول إن تجدد الصراع الأذري–الأرمني كان في نظر أردوغان بمثابة فرصة ذهبية له للعب بالنار في القوقاز وآسيا الوسطى، وبمثابة بوابة جديدة للنزعة العسكرية التركية المحملة بالأطماع.
ففي النهاية لا يهم أردوغان عدد الضحايا من الأذريين والأرمن بقدر ما يهمه مشاريعه وأحلامه العثمانية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة