في ذكرى وفاته.. عمار الشريعي "صوت الخلود"
في ذكرى رحيل الموسيقار المبدع عمار الشريعي، تعرف على أهم مراحل حياته ومحطاته الفنية.
في السادس عشر من أبريل عام ١٩٤٨ كان علي محمد الشريعي أحد أعيان سملوط في المنيا يغني فرحًا بولادة نجله عمّار، قرّر حينها التصدّق على الفقراء والمحتاجين، فرحًا وابتهاجًا بقدوم نجله وحامل اسمه المستقبلي.
أيام كانت الأفراح لا تنقضي، والموائد والعزومات لا تنقطع عن المنزل، حتى عُرف أن الطفل الجديد بعينين فارغين من النور، لتعيش الأسرة أيامًا غاية في الصعوبة، فانقلب الفرح إلى حرن طاغ على قلوب الجميع.
حمل الأب نجله عمّار وقرّر عدم الاستسلام، سافر لأكبر الأطباء، وسمع لغالبية الوصفات الحالمة التي تشفي العيون، غير أنّ كل ذلك راح هباءً، واستسلم الأب للواقع المرير، حتى ضمّه إلى مدرسة طه حسين للمكفوفين التي تلقى فيها تعليمه بالمراحل الثلاث.
في السادس عشر من عمره كان الزمن قاسيًا مرة أخرى على الشاب عمّار، حيث رحل الأب تاركًا إياه يعاند الدنيا مع حلمه بتغيير عالم الموسيقى المصرية والعربية.
سمع الشريعي عن برنامج لوزارة التربية والتعليم المصرية لتعليم المكفوفين الموسيقى، راح حينها يبحث بين ثناياها عن الآلات التي يحبها حتى عرفها جيدًا وانضم إلى ذلك البرنامج، ليتم ترشيحه بعد عدة أشهر إلى دراسة علوم الموسيقى في الأكاديمية الملكية البريطانية.
في ذات الوقت كان عمار يستعد للحصول على ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية من جامعة عين شمس، ليقرّر صعود السلم من أسفل درجاته بعد أن عمل كعازف للأكورديون في بعض الفرق الموسيقية التي تجوب البلاد من أقصاها إلى أدناها.
انتقل الشريعي إلى تحد فريد وهو العزف على الأورج تلك الآلة التي أكد له الجميع أنه لن يستطيع العزف عليها لحاجتها إلى مُبصر، إلا أنّ الشاب الكفيف تمكن من تقديم مردود فني عظيم وصل إلى ترشيحه للعزف ضمن الفرقة المصاحبة لسيدة الغناء العربي أم كلثوم في إحدى أغانيها الشهيرة، ولكن حينها كان القدر قاسيًا عندما سُرق الأورج الخاص به.
كوّن فرقة "الأصدقاء" التي ضمت عددًا كبيرًا من المطربين المميزين، من بينهم منى عبد الغني، وحنان عبد الخالق وعلاء عبد الخالق، وقدّمت الفرقة عددًا مميزًا من الألحان والأغاني لاقت استحسان الجمهور الفني، ومزج من خلالها الأصالة بالمعاصرة وخلق غناء جماعيا يتصدى لمشاكل المجتمع في تلك الفترة.
حاز عددا كبيرا من الجوائز العربية والدولية من بينها، جائزة مهرجان "فيفييه" من سويسرا عام ١٩٨٩، ووسام التكريم من الطبقة الأولى من العاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين، وجائزة الدولة للتفوق في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة عام ٢٠٠٥.
كما حصل على وسام التكريم من الطبقة الأولى مرة ثانية من السلطان قابوس بن سعيد عام ٢٠٠٥، وعدد من الجواء المصرية كـ جائزة الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما والمركز "الكاثوليكي" للسينما، ومهرجان الإذاعة والتلفزيون عن الموسيقى التصويرية من عام ١٩٧٧ وحتى عام ١٩٩٠.
قدّم الشريعي عددًا كبيرًا من الأعمال الفنية التي لا تنسى، من بينها تترات المسلسلات الكبرى، كـ"رأفت الهجان، والعائلة، والشهد والدموع، وأرابيسك، والزيني بركات، وزيزينيا، وامرأة في زمن الحب"، بجانب تلحينه لعشرات الأوبريتات الغنائية التي تحيي ذكرى نصر أكتوبر، وفوازير رمضان، والأغاني الداخلية في المسلسلات.
بلغ عدد أعماله السينمائية ٥٠ عملًا و١٥٠ مسلسلًا تلفزيونيا، و٢٠ عملًا إذاعيًا، و١٠ مسرحيات غنائية استعراضية، بجانب تقديمه نحو ١٥٠ عملًا لمعظم مطربي ومطربات مصر والوطن العربي.
عمل الشريعي على تطوير آلة الأورج بحيث تستوعب الموسيقى الشرقية بكافة ألوانها، ليتواصل مع إحدى الشركات اليابانية الشهيرة التي أعجبت بالفكرة بشدة وقامت بتنفيذها.
مرض الشريعي بالقلب في أواخر حياته وعانى منه بشدة، حتى سقط مغشيًا عليه، يوم الجمعة السابع من ديسمبر قبل ٨ سنوات عام ٢٠١٢ لتذهب روحه إلى بارئها، ويبقى فنّه جليًا في عالم الموسيقى والفنون.