ذكرى تأسيس بغداد.. "مدينة السلام" تتحول إلى مطمع للغزاة
تعيش مدينة السلام بغداد ذكرى تأسيسها في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني، وهي تخط التاريخ العتيق بين أقدم المدن العربية والإسلامية بعد أن اختارها الخليفة أبو جعفر المنصور قبل نحو 1259 عاما، عاصمة للخلافة العباسية.
وتمتلك العاصمة العتيقة تاريخاً يمتد لما يقارب 1300 عاماً، حفظ في أسفاره حكايات وروايات توزعت بين المجد والتفرد في التطور وبين الغزوات وطمع الحاسدين.
تأسست مدينة بغداد عام 762 ميلادية من قبل الخليفة الثاني للدولة العباسية أبو جعفر المنصور لبناء عاصمته، فتم بناء مدينته "مدينة السلام" داخل أسوار دائرية وسميت "المدينة المستديرة".
وكانت بغداد لدى بنائها مجمعا حكوميا أكثر من كونها مدينة سكنية، وكان قطرها حوالي 2700 متر ولها 3 أسوار، وكانت تأوي حاشية الخليفة، وقد ربطت 4 طرق رئيسية بين قصر الخليفة والمسجد الكبير في المركز ومختلف أنحاء الإمبراطورية.
وأدى الحجم المحدود لهذه المدينة إلى توسع سريع خارج أسوارها حيث قام التجار ببناء المتاجر والمنازل حول البوابة الجنوبية وشكلوا منطقة الكرخ، ومن البوابة الشمالية الشرقية، تم ربط طريق خراسان بجسر من القوارب إلى الضفة الشرقية لنهر دجلة.
وبحلول عام 946، تم تأسيس مقر الخلافة بالكامل على الضفة الشرقية، ونمت الرصافة لتنافس المدينة المستديرة.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن بغداد وصلت إلى أوج ازدهارها الاقتصادي والفكري في القرنين الثامن وأوائل القرن التاسع تحت حكم المهدي الذي حكم بين عامي 775 و785 الميلاديين وخليفته هارون الرشيد (786-809).
وبين عامي 836 و892 هجر الخلفاء بغداد إلى سامراء في الشمال، واستولى على المدينة الأتراك المشاغبون الذين تم جلبهم كحراس شخصيين، وعندما عاد الخلفاء إلى بغداد جعلوا عاصمتهم على الضفة الشرقية.
وبحسب الروايات التاريخية، تسبب صراع الأمين والمأمون -نجلي هارون الرشيد- في اضمحلال الدولة العباسية، حيث صارت بغداد مرتعا للطامعين، "فاحتلتها دولة الخروف الأبيض ثم الخروف الأسود قبل أن ينهي المغولي جنكيز خان الوجود العربي ويحتل العراق من شماله إلى جنوبه ويحرق المدينة ويحولها إلى حرائق أتت على أسواقها وحواضرها ومكتباتها".
بعدها توالى المحتلون الواحد بعد الآخر على احتلال المدينة والعبث فيها حتى بلغ عدد المرات التي سقطت فيها المدينة تحت سنابك خيول الأجانب أكثر من 20 مرة آخرها الغزو الأمريكي عام 2003.
احتفالية لا تتناسب مع تاريخها
جرت العادة من 3 عقود على الاحتفال بمدينة السلام في ذكرى تأسيسها، بإقامة معارض الرسم وتجمع الشعراء والنخب الثقافية في استعراض تاريخ العاصمة ذات الـ13 قرناً، إلا أن تلك الطقوس بدأت بالاختفاء منذ سنوات.
يقول الأكاديمي، والمختص في التاريخ الحديث، ليث عبدالمنعم، إن "العاصمة الرائدة تدفع ثمن مجدها غزواً واستلاباً وتنكيلاً لحضارتها الممتدة لعقود".
ويضيف عبدالمنعم، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "مدينة بغداد قد استغرق إنشاؤها 5 سنوات لتتحول إلى مركز للثقافة العربية والإسلامية وقبلة العلماء والمبدعين، على خلاف ما نشهده اليوم حيث اقتطع من عمر العراق 18 عاماً حملت معاني البناء والإعمار ولم نلحظ منه سوى التراجع والافتقار".
ويشير إلى أن "عاصمة الخلافة العباسية دفعت ثمن مؤسسيها بعد عام 2003، بعد أن تكالب على طمس جمالها الإهمال وفوضى التخطيط المتعمد كونها تحمل تاريخاً يكشف زيف الإمبراطورية الفارسية والعثمانية".
يأتي ذلك في وقت أقامت أمانة بغداد احتفالية على قاعة جمعية الفنانين التشكيليين وسط العاصمة احتفاء بتأسيس المدينة العباسية.
وضم المعرض 100 ملصق من تصميم فنانين عراقيين رواد أمثال (جواد سليم وحافظ الدروبي وآخرين)، إضافة إلى أعمال فنانين معاصرين والفنانين الشباب والطلبة العراقيين وغير العراقيين.