في ذكرى 30 يونيو.. كيف يعمل ما تبقى من تنظيم الإخوان بمصر؟
11 عامًا مضت على ثورة الـ30 من يونيو/حزيران التي اقتلعت بنيان جماعة الإخوان في مصر من قواعده، وقوضت بفعل سلسلة طويلة من الإجراءات الجزء الأكبر من تنظيم الجماعة التي ظلت تبني فيه على مدار أكثر من 90 عامًا..
ومع ذلك بقي جزء من هذا التنظيم موجودًا في داخل البلاد فيما ارتحل الجزء الأكبر إلى خارجها لتتحول الإخوان إلى "جماعة في الشتات" أو في المنفى الاختياري الذي آثرت أن تبقى فيه على أمل أن تتوافر ظروف مناسبة للعودة مرة أخرى.
- «العين الإخبارية» توثق صراعات الإخوان الداخلية ومعركة كراسي القيادات (حصري)
- الإخوان والمشهد المصري.. خطة للعودة مغلفة بـ«الخديعة»
وخلال تلك السنوات، احتل تنظيم الإخوان في خارج مصر الجزء الأكبر من الاهتمام، فيما انزوى "تنظيم الداخل" عن عمد في ظل ملاحقة أجهزة الأمن المصرية لكوادر الجماعة، المدرجة على قوائم الإرهاب، بالرغم من أن تنظيم الداخل يمثل نحو 90% من حجم الجماعة كما أن قيادات الأخير لا تزال فاعلة ومسؤولة عن ملفات مهمة للجماعة، وهو ما ظهر في ثنايا الخلافات الأخيرة التي اندلعت بين "قيادة الخارج" (جبهتي لندن وإسطنبول) والتي سعت كلا منهما للفوز بدعم وتأييد ما تبقى من الإخوان في مصر.
وتحيط جماعة الإخوان تنظيم الداخل بهالة من السرية وتتكتم بشكل كامل على أنشطته لكن وثائق ومعلومات حصلت عليها "العين الإخبارية" من عدة مصادر قيادية داخل الإخوان تميط اللثام عن جزء من أسرار تنظيم الداخل المصري الذي يوصف بأنه التنظيم الأهم للإخوان في ظل حالة الانقسام التي تعيشها الجماعة.
قيادات بديلة
وترجع فكرة إنشاء قيادة إخوانية بديلة إلى ما قبل الـ30 من يونيو/حزيران، حين قرر مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان إيفاد 2 من كبار قادة الجماعة هما جمعة أمين عبدالعزيز، نائب المرشد آنذاك (توفي 2015)، ومحمود حسين أمين عام الجماعة وعضو مكتب الإرشاد (القائم بأعمال المرشد- جبهة إسطنبول حاليًا) إلى خارج مصر ليعملا كحلقتي وصل بين تنظيم الإخوان في الخارج والداخل حال أطيح بالجماعة من الحكم، وهو ما تم بالفعل بعد ذلك.
وبقيت قيادة الإخوان تعمل بفاعلية، إلى حد كبير، منذ الـ30 من يونيو/حزيران وحتى فض اعتصام رابعة، في أغسطس/آب 2013، إذ تلقت الجماعة ضربة قوية وألقي القبض على نصف أعضاء مكتب الإرشاد تقريبًا، وفقدت الجماعة القدرة على التنسيق المركزي، وإن بقيت تدعو للتظاهرات التي شارك فيها أنصارها في عدد من المحافظات المصرية.
وبحلول فبراير/شباط 2014، سعت الجماعة لإعادة التنسيق المركزي بفعل جهود 3 من أعضاء مكتب الإرشاد ممن لم يتم القبض عليهم، في ذلك الوقت، وهم محمد كمال، ومحمد سعد عليوة، وعبد العظيم الشرقاوي، وحينها عقد مجلس الشورى العام اجتماعًا سريًا تمخض عن اختيار قيادة مؤقتة للجماعة بديلًا لمكتب الإرشاد، وهي القيادة التي أقرها القائم بأعمال المرشد محمود عزت مشترطًا ألا تتسمى بـ"مكتب الإرشاد أو مكتب الإرشاد المؤقت"، ولذا تَسمت هذه القيادة باللجنة الإدارية العليا (الأولى).
وظلت هذه اللجنة تمارس مهام عملها، حتى مايو/أيار 2015، حين نشب الخلاف بين رئيس اللجنة الإدارية العليا والقائم بأعمال المرشد، وأفضى إلى عزل الأول وإحالته للتحقيق وتكليف عضو مكتب الإرشاد محمد عبد الرحمن المرسي بمهمة تكوين وإدارة لجنة إدارية عليا أخرى (اللجنة الثانية)، والتي ظلت تعمل حتى القبض على "المرسي" في فبراير/شباط 2017.
وأدى الخلاف بين القائم بالأعمال ورئيس اللجنة الإدارية العليا الأولى إلى انقسام في قيادة الإخوان في الخارج وتحديدًا ما عُرف بمكتب الأزمة في تركيا، وولد من رحم هذا الخلاف جبهة أو تيار جديد داخل الإخوان تسمى بجبهة المكتب العام ويُعرف حاليًا بتيار التغيير.
ومنذ أواخر عام 2020، نشب خلاف آخر داخل الجماعة عقب القبض على القائم بأعمال المرشد (الأسبق) محمود عزت، بين محمود حسين الأمين العام وعضو مكتب الإرشاد الوحيد المتبقي خارج السجون والقائم بأعمال (السابق) إبراهيم منير، ونجم عن هذا الخلاف الانقسام الشهير إلى جبهتي لندن (جبهة صلاح عبد الحق، حاليًا) وإسطنبول (محمود حسين)، وكان لكل تلك الخلافات السابقة والحالية تأثيرات على تنظيم الداخل.
تنظيم الداخل.. جبل الجليد غير المرئي
على صعيد متصل، ابتعد تنظيم الإخوان داخل مصر عن الأضواء منذ عام 2017 وحرصت قيادة الجماعة في الخارج على تجنب الإشارة إليه بأي صورة من الصور إلا أن الجبهتين المنقسمتين (لندن وإسطنبول) عملتا على استدعائه للواجهة مرة أخرى باعتبار أن كسب تأييده يعد المصدر الأهم للشرعية التنظيمية لا سيما أنه يمثل الثقل الأكبر للجماعة.
وتدير لجنة إدارية مؤقتة شؤون تنظيم الإخوان في داخل مصر، وهذه اللجنة جرى انتخاب أعضائها بواسطة أعضاء مجلس الشورى العام الذين يتواجد نحو 60% منهم داخل مصر، خلال اجتماع سري سابق عقدوه.
وتضم اللجنة الإدارية 7 أعضاء اختيروا من المكاتب الإدارية بالمحافظات ومجلس الشورى العام، كما أن أعضاء اللجنة الإدارية هم أعضاء بصفتهم في "الهيئة الإدارية العليا" التي أنشئت كبديل مؤقت لمكتب الإرشاد، أواخر العام الماضي.
ونتيجة الظروف الأمنية التي تعيشها الجماعة في مصر وضعت آلية لاستبدال أعضاء اللجنة الإدارية الذين تطرأ لهم ظروف تحول دون أدائهم مهام عملهم كأن يتم إلقاء القبض عليهم أو يصابون بظروف صحية تمنعهم من مواصلة العمل، وهذه الآلية هي التمرير بمعنى أن يُصاغ القرار التنظيم من رئيس اللجنة ونائبه ويرسل لبقية أعضاء اللجنة ولأعضاء مجلس الشورى العام لاعتماده.
وبحسب مسؤول سابق بالمكتب السياسي لجماعة الإخوان فإن اللجنة الإدارية لا تضطلع وحدها بمهام إدارة شؤون الجماعة في الداخل بل يعاونها مجلس الشورى العام، لأن الجماعة تُدار عبر خطين قياديين، وفق ما قاله لـ"العين الإخبارية".
وأضاف المسؤول السابق بالمكتب السياسي للجماعة أن الخط الأول هو المكاتب الإدارية التي تعمل، حاليًا، بالتنسيق مع اللجنة الإدارية في الداخل أما الخط الثاني فهو مجلس الشورى العام ومجالس شورى المحافظات، ففي حال ألقي القبض على مسؤول أو أكثر من اللجنة الإدارية فيتم تصعيد عضو بمجلس الشورى العام ليحل محله، بعد موافقة المجلس، وبالمثل في حالة المكاتب الإدارية في المحافظات فإذا ألقي القبض على عضو بالمكتب الإداري فإن عضو مجلس شورى المحافظة يتولى مهامه في الحال ودون الحاجة لاعتماد مجلس الشورى العام، بل يتم الاكتفاء باعتماد غالبية أعضاء مجلس شورى المحافظة مع إخطار مجلس الشورى العام.
وأوضح المسؤول السابق بالمكتب السياسي للإخوان أن هذه الطريقة تضمن أن يستمر العمل في ظل الظروف الاستثنائية والملاحقة الأمنية المستمرة لكوادر الجماعة في مصر.
قنوات اتصال سرية
وبحسب مصدر قيادي بجماعة الإخوان يقيم في تركيا، حاليا، فإن عدد أعضاء مجلس الشورى العام، حاليًا، نحو 74 عضوًا فقط وليس كما أعلن بعض كوادر الجماعة في تركيا من أنهم وصلوا إلى 122، موضحًا أن الأعضاء الحاليين سبق انتخابهم لشغل عضوية المجلس، وانتهت المدة القانونية لوجودهم في مناصبهم والتي تحددها اللائحة الداخلية للجماعة، لكنهم استمروا في أداء الأعمال المناطة بهم بسبب عدم وجود إمكانية لعقد انتخابات تنظيمية في الوقت الراهن.
وتؤكد وثيقة إخوانية داخلية حصلت عليها "العين الإخبارية" أن المدد القانونية للهيئات القيادية للجماعة، في ما عدا رابطة الإخوان المصريين بالخارج، انتهت منذ سنوات لكن أعضاء هذه الهيئات ما زالوا يؤدون أعمالهم لتعذر انتخاب آخرين.
وأشار المصدر القيادي بجماعة الإخوان لـ"العين الإخبارية" إلى أن أعضاء مجلس الشورى العام ينعقد، على فترات متباعدة، وفي مناطق مختلفة بمعنى أنه لا يحدث اجتماع لكل الأعضاء دفعةً واحدة وإنما يجتمع مجموعات متفرقة ويتم دمج ما توافقوا عليه في محضر اجتماع واحد بواسطة "سكرتارية المجلس" التي تقوم أيضًا بإعداد جداول الأعمال لمناقشتها، مضيفًا أنه اجتمع، منذ فض اعتصام رابعة، في أعوام 2014، و2015، و2016، و2018، و2020، و2021، و2022.
ووفق القيادي الإخواني فإن الاجتماعات الأخيرة عقدت، في خضم الخلافات بين جبهتي لندن وإسطنبول، ومنها سلسلة اجتماعات عقدت في أشهر يوليو/تموز وأغسطس/آب وسبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2021 لمناقشة قضية الخلافات الداخلية بين إبراهيم منير ومحمود حسين، واجتماع آخر عقد بعد نحو عام وتحديدًا في ديسمبر/كانون الأول 2022، لمناقشة إنشاء الهيئة الإدارية العليا التي تقوم بمهام مكتب الإرشاد، مؤقتًا.
ويتواصل تنظيم الإخوان في الداخل والخارج عن طريق قنوات اتصال خاصة يتم من خلالها نقل الرسائل والتوجيهات التنظيمية، ويتحكم القائم بأعمال مرشد الإخوان- جبهة إسطنبول محمود حسين في قناة الاتصال الرئيسية، أما جبهة لندن فنجحت في الاتصال بعدد من كوادر الداخل في مرحلة إبراهيم منير ثم قررت فك الارتباط بين الداخل والخارج عن طريق تشكيل مجلس شورى عام جديد وفصل الجوانب الإدارية وبهذه الطريقة أصبح تنظيم جبهة لندن في الخارج مستقلا عن تنظيم إخوان الداخل.
جدير بالذكر أن مرشد الإخوان المسجون، حاليا، سبق له أن سرب رسائل وتوجيهات لقيادة الجماعة خارج السجون عن طريق مسارات سرية ومن بينها رسالة، في عام 2022، دعا فيها إلى حل الخلافات بين جبهتي لندن وإسطنبول ولم شمل الجماعة والتمسك بقرارات مجلس الشورى العام، لكن الرسالة أثارت جدلا إضافيا إذا اعتبرت كل جبهة من الجبهتين المتصارعتين أن مرشد الإخوان انحاز لها، وبالتالي لم تؤدِ تلك الرسالة إلى حل الخلافات.
وعلى صعيد طرق التواصل بين عموم أفراد الجماعة وبعضهم البعض أو بين أعضاء الجماعة ومسؤوليها، اتخذ كوادر الإخوان في داخل مصر عددًا من الإجراءات الاحترازية، بحسب عضو منتظم في صفوف الجماعة، وهذه الإجراءات تشمل منع التواصل الهاتفي بين الأعضاء وحتى منع الاحتفاظ بأرقام مسؤولي الشعب أو المكاتب على الهواتف خشية أن يتم القبض على أي من الأعضاء ومن ثم يقود ذلك للقبض على المسؤولين المكلفين بالمهام التنظيمية.
وفي الحالات الاعتيادية، يتواصل أعضاء الإخوان عبر برامج اتصال مشفرة (تليغرام، وسيجنال، وثيرما) ومن خلال هذه البرامج أيضًا يحصلون على البرامج التربوية المقررة على "الأسر التنظيمية" والتي لم تختلف كثيرًا عن المقررات التي كان يدرسها أعضاء الجماعة في مراحل الانتساب المختلفة (محب، منتسب، منتظم، عامل)، سوى في زيادة التركيز على ما تسميه الجماعة "فقه المحنة" وحث أعضاء الجماعة على الصبر والثبات وعدم ترك الجماعة.
أما في الحالات الاستثنائية فيتم التواصل بين كوادر الإخوان بطريقتين أولهما برامج الاتصال المشفرة أو عن طريق "المراسلين" أو السعاة الذين ينقلون الرسائل بشكل شفهي وينتقلون من منطقة لأخرى ومن شعبة لأخرى، وهذه الطريقة تضمن أن يتم نقل الرسائل دون أن تعقبها بالوسائل التقنية الحديثة.
إخوان الداخل وملف الإعاشة
إلى ذلك، أجرت قيادة الإخوان في الداخل سلسلة من التغييرات الإدارية فصعدت مسؤولين جدد للشعب والمناطق والمكاتب الإدارية، لكنها ألزمتهم بضرورة وقف الأنشطة الدورية وعدم تنظيم اجتماعات أو لقاءات فعلية حتى لا يتم رصد أعضاء الجماعة من قبل الأجهزة الأمنية، والاكتفاء بالعمل وفق التوجيهات التي تصدر لهم وفي حينها.
وتركز قيادة الإخوان في الداخل على ما يُعرف بملف الإعاشة والذي يعني الرعاية الاجتماعية لأسر سجناء الجماعة، ويدار هذا الملف بصورة مناطقية بالتنسيق مع اللجنة الإدارية في الداخل والهيئة الإدارية العليا في الخارج.
ويتولى مسؤولون بكل مكتب إداري في المحافظات المصرية الإشراف على عمليات إيصال الأموال لأعضاء وأسر الإخوان، وهذه الأموال تنقل بأكثر من طريق لضمان ألا يتم تعقبها ومن أبرز هذه الطرق نظام الحوالة، غير الرسمي، الذي تنقل بواسطته أموال بين الخارج والداخل، وأيضًا عن طريق بعض الوسطاء الذين يعملون في أنشطة تجارية مختلفة ويقومون بنقل أموال للجماعة مقابل نسبة معينة.
وبحسب مصدر قيادي داخل الإخوان فإن الجماعة تحتاط إلى أكبر حد ممكن في عمليات تحويل الأموال التي تتم، غالبًا، عن طريق وسطاء حتى لا يتم رصدها من قبل الأجهزة الأمنية، لافتًا إلى أنه في بعض الحالات حولت الجماعة أموالًا عن طريق وسطاء مسيحيين ليكون ذلك أدعى لعدم إثارة الشبهات وحتى تضمن الإخوان أن هذه الأموال لن يتم تعقبها بواسطة الأجهزة الأمنية المختلفة.
وذكر المصدر القيادي أن ملف الإعاشة هو الملف الأكثر سرية وحساسية، في آن واحد، مضيفًا أن العديدين من الكوادر الإخوانية التي عملت في هذا الملف جرى القبض عليهم، واكتشفت الأجهزة الأمنية جزءًا من الشبكة المالية للجماعة عن طريق المعلومات التي حصلت عليها منهم، وهو ما دفع الجماعة لتغيير أساليبها المعهودة.
وفي نفس السياق، سعى أتباع تيار التغيير أو جبهة المكتب العام، والذين يعملون تحت إشراف المكتب التنفيذي الذي يترأسه في مصر قيادي يُعرف بمحمود الجمال- كان مقربًا من نائب المرشد خيرت الشاطر- بشكل منفصل عن قيادة إخوان الداخل، لتأسيس مشاريع تجارية تدر عليه دخلا يمكنهم من مواصلة العمل بعيدًا عن القيادات التاريخية في جبهتي إسطنبول ولندن، لكن المحاولات المبتسرة لهم فشلت في إيجاد موارد مالية مستدامة وهو ما أثر على أنشطتهم التنظيمية، ومن ثم سعى التيار للحصول على تمويل من جبهة لندن ليواصل أنشطته مقابل التعهد بالولاء للقائم بأعمال المرشد في الجبهة لكن هذه المحاولة باءت بالفشل أيضًا، ليبقى هذا التيار دون أي تأثير يذكر في الوقت الحالي.
aXA6IDE4LjIyMi4yMC4yNTAg جزيرة ام اند امز