"السرقة الحلال".. أطعمة مجانية للجائعين في ألمانيا
ألمانيا تمنع أخذ سلع من بين مهملات المتاجر، وتعدها سرقة يواجه مرتكبها احتمال فرض غرامة عليه قد تصل إلى مئات اليوروهات
يتسلل أندريا ملثما وممسكا بمصباح تحت جنح الظلام إلى باحة خلفية لمتجر كبير في برلين ليصل إلى هدفه المتمثل بحاوية رميت فيها مواد غذائية لا تزال صالحة للاستهلاك.
ويكافح أندريا بهذه الطريقة -التي يعدها "سرقة حلال"- الهدر الغذائي، ويوفر أطعمة مجانية للجائعين، على حد وصفه.
ويقول الشاب البالغ 22 عاما همسا "يجب أن نسرع وألا نلحق أضرارا بالمكان خصوصا ألا ترصدنا الشرطة إذ إن أخذ سلع غير مبيعة من سلة مهملات أمر غير مشروع في ألمانيا".
ويوضح هذا الشاب أنه ليس في حالة عوز لكنه يشارك في هذه الجولات الليلية أحيانا ضمن مجموعات، مرات عدة في الأسبوع "لأسباب سياسية".
ويؤكد بغضب "أنا أحارب هذا النظام القائم على الاستهلاك المفرط. لطالما كانت جدتي تقول لي "لا ترمِ الطعام"، إلا أن بعض الأشخاص يفضلون رمي السلع بدلا من تقديمها مجانا إلى المعوزين".
يرتب أندريا "حصيلته" في حقيبة ظهر وهي تشتمل على معكرونة وعلبة حليب اللوز قد تعرضت أغلفتها لأضرار فضلا عن فاكهة استوائية ناضجة جدا وخس تنتهي صلاحيته في اليوم التالي وشوكولا وزيت الزيتون.
وهو ينوي تشارك هذه المواد الغذائية في اليوم التالي مع المقيمين معه في الشقة أو يقدمها إلى مطبخ تضامني يوفر وجبات طعام مجانية.
وتمنع ألمانيا أخذ سلع من بين مهملات المتاجر وتعدها سرقة يواجه مرتكبها احتمال فرض غرامة عليه قد تصل إلى مئات اليوروهات، فكل سلعة توضع في سلسة مهملات خارج إطار الفضاء العام تبقى ملكية خاصة إلى حين جمعها من قبل السلطات.
إلا أن مئات الناشطين في مناطق مختلفة من ألمانيا اختاروا العمل بطريقة غير مشروعة ضمن مجموعات محلية.
عريضة
في يناير/كانون الثاني 2019، سلطت قضية طالبتين قرب ميونيخ (جنوب) الضوء على هذا النشاط، فقد حكم عليهما بثماني ساعات من المنفعة العامة وفرض غرامة قدرها 225 يورو مع وقف التنفيذ بعد إدانتهما بتهمة "السرقة" إثر أخذهما أطعمة من سلة مهملات تابعة لسوبرماركت.
وتقول "كارو" و"فرانزي" وهما اسمان مستعاران في رسالة إلكترونية موجهة إلى وكالة فرانس برس "الناظر إلى محتوى سلة مهملات كهذه يصعق بكمية السلع التي لا تزال صالحة".
وفي عريضة وقعها أكثر من 140 ألف شخص، تطالب الشابتان الحكومة الألمانية بسن قوانين على غرار التشريعات الفرنسية والبلجيكية لإرغام المتاجر الكبرى على تحويل السلع غير المبيعة إلى جمعيات خيرية، وقد حصدت مبادرة أوروبية مماثلة 1,5 مليون توقيع.
وتؤكد تانيا دراغر دي تيران خبيرة التغذية في الصندوق العالمي للطبيعة "ينبغي أن يكون اعتماد تشريع كما هي الحال في فرنسا، المحطة المقبلة إذا لم تأخذ المتاجر المبادرة. إذ إن متاجر البيع بالمفرق تشكل طرفا رئيسا يسمح بتحسين النظام برمته".
وفي فرنسا، يمنع قانون أقر عام 2016 لمكافحة الهدر الغذائي، المتاجر التي تزيد مساحتها عن 400 متر مربع من رمي المواد الغذائية أو تلف السلع غير المبيعة. ومنذ دخول هذا القانون حيز التنفيذ، وزعت 10 ملايين وجبة فيما ازدادت التبرعات إلى الجمعيات بنسبة 22% وفق ما يفيد أراش درامبارش أحد القيمين على هذا القانون.
لكن في ألمانيا، إرادة التجار لها الغلبة فيما تحذر وزارة الزراعة والأغذية من مغبة أخذ السلع وأخطارها بسبب انقطاع "سلسلة التبريد".
وتعد الوزارة أن المتاجر الكبرى تتعاون "بشكل جيد جدا" مع البنوك الغذائية على أساس تطوعي في استراتيجية يستفيد منها 1,5 مليون شخص معوز على ما تفيد هذه المتاجر.
المستهلك وحده المسؤول؟
ويرمى 11 مليون طن من الأغذية سنويا في ألمانيا بحسب أرقام الحكومة. لكن هذا الرقم يصل إلى 18 مليونا على ما يفيد الصندوق العالمي للطبيعة إذا ما احتسبنا المنتجات الزراعية (فاكهة وخضر لا تحترم المعايير المحددة) التي لا تعرض للبيع أساسا.
ويشكل الهدر الغذائي في ألمانيا تاليا جزءا كبيرا من الهدر على مستوى الاتحاد الأوروبي الذي يقدره البرلمان الأوروبي بـ88 مليون طن سنويا في الدول الثماني والعشرين الأعضاء.
وبدءا من عام 2012، حددت الحكومة الألمانية هدفا بخفض الهدر الغذائي بالنصف بحلول عام 2030 على الأراضي الألمانية تماشيا مع توصيات الأمم المتحدة. لكن ذلك لم يؤتِ نتائج ملحوظة.
وفي نهاية فبراير/شباط أعادت وزيرة الزراعة والأغذية الألمانية يوليا كلوكنر طرح الموضوع بعرضها "خطة وطنية" مع الأهداف نفسها لكنها تتوجه خصوصا إلى توعية المواطنين والسلوكيات الغذائية.
وقد رحب الناشطون في مجال البيئة بهذه المبادرة لكنهم أسفوا لكون الخطة الوزارية تركز على مسؤولية المستهلك.
وتؤكد تانيا دراجر دي تيران "على غرار مسألة النفايات البلاستيكية، نعد من غير المنطقي أن يكون المستهلك المتّهم الوحيد في حين أن الأطراف الناشطة في هذا القطاع مسؤولة عن 60% من الهدر الغذائي الشامل".
وتعد "فرانزي" و"كارو" أنه "لا يمكن حل المشكلة فقط من خلال إجراءات طوعية".
وترى الشابتان أن مكافحة الهدر تشكل وسيلة لمكافحة الاحتراز المناخي، فخفض الهدر يعني الاستعانة بدرجة أقل بالموارد الطبيعية وإنتاج أقل ما يؤدي إلى تراجع في انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة.
وقد أشار إلى هذه النقطة بالذات تقرير للأمم المتحدة حول التنوع الحيوي صدر مطلع مايو/أيار الماضي.
aXA6IDE4LjIyMi4yMC4yNTAg جزيرة ام اند امز