السعودية والكويت والإمارات تطوعت بتخفيضات أكبر من المتفق عليها لتصل تخفيضات "أوبك+" فعليا إلى 12.5 مليون برميل يوميا
بعد أربعة أيام من التفاوض، وافقت منظمة "أوبك" وروسيا ومنتجون آخرون فيما يعرف بـ"أوبك+" على التوصل إلى اتفاق تاريخي تضمن خفض الإنتاج بواقع 9.7 مليون برميل يوميا خلال شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران لدعم أسعار النفط، وهو خفض يمثل ما يقرب من 10% من الإمدادات العالمية، وهو أكبر خفض يتم في الإنتاج على الإطلاق. والواقع أن التفاوض قد طال بسبب دولة واحدة فقط هي المكسيك. فقد تم بداية الاتفاق على أن يتم توزيع خفض الإنتاج بنسبة تبلغ نحو 23% من مستوى إنتاج كل بلد الذي كان قائما في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018، وهو المستوى نفسه الذي تم الاستناد إليه في اتفاق الخفض السابق.
وكان إجمالي الخفض يبلغ نحو 10 ملايين برميل يوميا من إنتاج "أوبك+"، وكان نصيب المكسيك من الخفض يبلغ 400 ألف برميل يوميا، لكن المكسيك أصرت على أنه لن يكون بمقدورها سوى خفض 100 ألف برميل يوميا فقط، ما أجل الاتفاق ثلاثة أيام، حتى تدخلت الولايات المتحدة، وقالت إنها ستتحمل 300 ألف برميل بالنيابة عن المكسيك، ولذا كان الاتفاق أخيرا ينص على خفض 9.7 مليون برميل يوميا من إنتاج "أوبك+" وليس 10 ملايين برميل يوميا.
روسيا تتحمل مسؤوليتها عن فض اتفاق "أوبك+" السابق
اللافت في الاتفاق هو موافقة روسيا على خفض كبير للغاية في إنتاجها لا يقارن على الإطلاق بما كانت تتفاوض حوله في الاتفاقات السابقة. فمع انهيار الأسواق، وافق بوتين على خفض إنتاج روسيا بأكثر من 2.5 مليون برميل يوميا من النفط الخام من نحو 11 مليون برميل يوميا هي معدل الإنتاج اليومي، وهو خفض يزيد بمقدار أربع مرات على الخفض الذي رفضه في بداية شهر مارس/آذار، وأكثر من الخفض الذي كانت المملكة العربية السعودية ستلتزم به من مستوى إنتاجها خلال الشهر الماضي.
واستمرت روسيا قبيل اجتماع "أوبك+" الأخير في العودة لنغمة أن رفع المملكة العربية السعودية لمستوى إنتاجها كان غير منطقي، متجاهلة دعوة السعودية و"أوبك" إلى خفض الإنتاج بمقدار 1.5 مليون برميل فقط في اجتماع 6 مارس/آذار الماضي، ومتجاهلة أيضا أنها هي من دعت إلى الدفاع عن حصتها السوقية، وهو ما دفع السعودية وغيرها إلى رفع طاقتها الإنتاجية دفاعا عن حصصها السوقية.
ويبدو الندم الروسي والاعتراف باقتراف خطأ كان واضحا على ألسنة عدد من المسؤولين الرسميين أو العاملين في قطاع الطاقة الروسي وفقا لوكالة "بلومبرج"، إذ قال أندريه كورتنوف، مدير مجلس الشؤون الخارجية الروسي الذي أسسه الكرملين: "إن القرار المشؤوم بالوقوف في وجه المملكة السعودية في أوائل شهر مارس/آذار الماضي كان خطأ استراتيجيا، ونحن الآن ندفع ثمن ذلك، وهو ثمن أعلى بكثير مما كان علينا دفعه". ويبدو هذا القرار نصرا للولايات المتحدة، وانتهى الأمر بروسيا لأن تصبح خاسرا أكبر مقارنة بالمملكة العربية السعودية.
السعودية والكويت والإمارات تطوعت بتخفيضات أكبر من المتفق عليها لتصل تخفيضات "أوبك+" فعليا إلى 12.5 مليون برميل يوميا من مستويات الإنتاج الحالية
وصرح مسؤول روسي رفيع المستوى لـ"بلومبرج" بأن روسيا قد فشلت تماما في التحسب للآثار التدميرية لتفشي فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي حينما تحركت بعيدا عن الاتفاق مع منظمة "أوبك" وغيرها من المنتجين الآخرين في التجمع المعروف باسم "أوبك+"، فالحفاظ على هذا التحالف متماسكا كان بإمكانه الحيلولة دون الانهيار في أسعار النفط التي انخفضت إلى أقل مستوى فيما يقرب من عقدين. وقال هذا المسؤول: "الآن كان على الكرملين أن يتفاوض على اتفاقية جديدة بشروط غير مواتية للغاية".
وصرح الملياردير الروسي ليونيد فيدن المساهم الرئيسي في شركة "لوك أويل" للنفط لوسائل الإعلام بأن الاتفاق الجديد يحمي من انهيار الإنتاج الروسي بنحو 50%، لو أن الأسعار المنخفضة أجبرتنا على إغلاق تام للآبار.
هل الخفض كافٍ؟
يميل العديد من الجهات إلى أن الخفض الذي قامت به "أوبك+" وغيرها من المنتجين إجمالا غير كافٍ قياسا إلى الانخفاض الشديد في مستوى الطلب، فقد أطلقت مجموعة "جولدمان ساكس" على الخفض الذي تضمنه الاتفاق أنه "قليل جدا ومتأخر جدا"، وسوف يقود الاتفاق إلى خفض بنحو 4.3 مليون برميل يوميا فقط عن مستويات الإنتاج التي كانت قائمة خلال ربع السنة الأول، وفي نهاية المطاف فهذا الاتفاق ببساطة لا يعكس أي خفض طوعي يمكنه أن يكون من الكبر بشكل كافٍ، بحيث يعادل التسعة عشر مليون برميل يوميا التي ربما ينخفض بها الطلب في المتوسط خلال شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار بسبب تفشي فيروس كورونا.
والواقع أن حسابات "جولدمان ساكس" يعتريها خلل كبير، فتخفيض إنتاج دول "أوبك+" تم بنسبة تقترب من 23% من مستوى الإنتاج الذي كان قائما في أكتوبر/تشرين الأول 2018، بينما كان الخفض السابق الذي تم التمسك به خلال الربع الأول من هذا العام والبالغ نحو 1.2 مليون برميل يوميا يبلغ أقل من 3% فقط من نفس مستوى الإنتاج، وحتى مع الأخذ في الاعتبار أن المملكة العربية السعودية والإمارات كانتا تنتجان طوعا بأقل من الحصة المحددة لهما، فإن الفارق كبير بين مستوى الإنتاج الذي سيطرح في السوق حال التمسك بالاتفاق الحالي ومستوى ما كان مطروحا خلال الربع الأول من هذا العام.
القسم الثاني في حسابات "جولدمان ساكس" يتعلق بالخفض الإجمالي في الإنتاج، وهل هو يكافئ الخفض المنتظر في الطلب أم يقصر دونه؟ وهنا نعود إلى ما قاله وزير الطاقة السعودي من أن التخفيضات الفعلية لإمدادات النفط العالمية ستبلغ نحو 19.5 مليون برميل يوميا مع الأخذ في الاعتبار اتفاق الخفض الذي أبرمته "أوبك+"، وتعهدات من دول أخرى في مجموعة العشرين ومشتريات النفط المخصصة للاحتياطيات.
وقد صرح الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، بأن السعودية والكويت والإمارات تطوعت بتخفيضات أكبر من المتفق عليها لتصل تخفيضات "أوبك+" فعليا إلى 12.5 مليون برميل يوميا من مستويات الإنتاج الحالية، حيث كانت هذه البلدان قد رفعت مستوى إنتاجها خلال شهر أبريل/نيسان الحالي.
ووفقا للأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، فدول مجموعة العشرين من خارج تحالف "أوبك+"؛ وهي التي تضم كندا والنرويج والولايات المتحدة والبرازيل ستخفض إنتاجها بنحو 3.7 مليون برميل يوميا، بينما من المتوقع أن تبلغ مشتريات الخام المخصصة للاحتياطيات الاستراتيجية 200 مليون برميل خلال الشهرين المقبلين، بحسب وكالة الطاقة الدولية التي تضم الدول المستهلكة الرئيسية للنفط في العالم، ما يعني نحو 3.3 مليون برميل يوميا. وبالتالي فمجموع 12.5 مليون برميل يوميا من خفض إنتاج "أوبك+" بالإضافة إلى 3.7 مليون برميل يوميا من إنتاج دول مجموعة العشرين خارج "أوبك+"، إضافة إلى 3.3 مليون برميل يوميا من الإضافة لطاقة التخزين الاستراتيجي تعني 19.5 مليون برميل يوميا، وهو ما يكفي لمقابلة الانخفاض في الطلب الذي ترى "جولدمان ساكس" أنه سيكون في حدود 19 مليون برميل يوميا خلال الشهرين المقبلين.
تبقى هناك بعض التحفظات الإيجابية والسلبية على الاتفاق، فمن بين الجوانب الإيجابية ما يبدو الآن من احتواء للفيروس في كل من إيطاليا وإسبانيا، وميل العديد من المسؤولين إلى العودة التدريجية للنشاط الاقتصادي في جميع أرجاء العالم الصناعي المتقدم خلال شهر مايو/أيار المقبل، ويعني هذا أن الطلب ربما لا ينخفض بالمستويات المرتفعة التي يتنبأ بها البعض، ربما بوجه خاص خلال شهر يونيو/حزيران. أما الجوانب السلبية فتشمل قول البعض إن الإضافة للاحتياطي الاستراتيجي ليس هناك ما يدفع بالضرورة نحوها، فوكالة الطاقة الدولية ليس بإمكانها أن تفرض على أي دولة من أعضائها زيادة مستوى احتياطيها ما دام أن هذا الاحتياطي يتخطى ثلاثة أشهر من الواردات الصافية لأي دولة، وهو الحد الأدنى المنصوص عليه في اتفاقية تأسيس الوكالة، الأمر الثاني السلبي هو أن الدول المنتجة في مجموعة العشرين خارج "أوبك+" قد لا تلتزم بالخفض في حال ارتفاع الأسعار لمستوى معقول.
لكن توخيا لكل ذلك سواء كان إيجابيا أو سلبيا، سوف يعقد الاجتماع المقبل لـ"أوبك+" عبر دائرة تلفزيونية مغلقة في بداية يونيو/حزيران لاتخاذ قرار بشأن سياسة الإنتاج. فحسب قول الأمير عبدالعزيز: "علينا أن نراقب ما يحدث من تضرر للطلب أو تحسن للطلب اعتمادا على تطور الأمور، هذا وضع تتغير فيه الأرقام يوميا، عليك أن تظل يقظا تجاه التطورات المحتملة، فلا تزال هناك ضبابية تتعلق بالفيروس وتأثيره".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة