غينيا تطوي صفحة مرض النوم القاتل.. إنجاز طبي تاريخي

أعلنت غينيا عن إنجاز طبي بارز بعد إعلانها القضاء على مرض النوم كتهديد للصحة العامة، لتُسدل الستار على معركة استمرت لسنوات ضد هذا المرض الطفيلي الفتاك.
يُعرف المرض طبيًا باسم داء المثقبيات الأفريقي البشري، وينتقل عبر لدغات ذبابة تسي تسي، التي كانت تنتشر بكثافة في مستنقعات السواحل الغينية.
في تسعينيات القرن الماضي، شهد المرض موجة انتشار واسعة أودت بحياة العديد من المصابين الذين لم يتمكنوا من تلقي العلاج في الوقت المناسب.
في ذلك الوقت، كان الخيار العلاجي الوحيد هو عقار ميلارسوبول، الذي يحتوي على الزرنيخ، وكان يُعد سامًا للغاية، لدرجة أنه كان يودي بحياة مريض واحد من بين كل 20 شخصًا يتلقون العلاج به.
يتذكر الدكتور ويلفريد موتومبو، الذي كان يعالج المرضى في إحدى القرى المتضررة: "كان مجرد التفكير في حقن الميلارسوبول يصيبنا بالقشعريرة. فقدت شابين في العشرينيات من عمرهم بسببه، وكانت تلك أصعب لحظات مسيرتي الطبية."
في عام 2009، تم استبدال هذا الدواء بعقار أكثر أمانًا يُعرف باسم NECT، الذي تطلب بقاء المرضى في المستشفى لمدة 10 أيام تحت المراقبة.
بالتوازي مع ذلك، أُطلقت مبادرات مبتكرة للحد من انتشار المرض، مثل استخدام مصائد ذبابة تسي تسي الزرقاء، التي وُضعت بالقرب من مصادر المياه للقضاء على الحشرات الناقلة.
رغم هذا التقدم، واجهت غينيا تحديًا جديدًا عام 2013، حين تفشى فيروس إيبولا، مما أدى إلى انهيار النظام الصحي وزعزعة ثقة المواطنين في المؤسسات الصحية، ما تسبب في ارتفاع حالات الإصابة بمرض النوم من جديد.
ومع ذلك، أثبتت الدراسات أن المناطق التي استمرت في استخدام الفخاخ الزرقاء سجلت انخفاضًا ملحوظًا في معدلات الإصابة.
جاءت نقطة التحول الحقيقية مع اكتشاف عقار فيكسينيدازول، الذي كان مهملًا في أرشيفات شركات الأدوية قبل أن تعيد اكتشافه مبادرة أدوية الأمراض المهملة (DNDi).
أحدث هذا الدواء نقلة نوعية في العلاج، حيث يمكن للمصابين الآن تناول أقراص عن طريق الفم لمدة عشرة أيام دون الحاجة للبقاء في المستشفى. وفي عام 2018، نال الدواء موافقة وكالة الأدوية الأوروبية، مما ساعد على تسريع الجهود للقضاء على المرض.
أسهمت حملات الفحص المبكر في تقليص الإصابات بشكل كبير، إذ كان الأطباء يُعلنون عن زياراتهم مسبقًا للقرى، ما شجع السكان على المشاركة في الفحوصات المجانية.
وبفضل هذا النهج، سُجلت في غينيا 12 إصابة فقط خلال عام 2024، ما مهّد الطريق لإعلان البلاد خالية من المرض على مستوى الصحة العامة.
ورغم هذا النجاح، ما زالت جمهورية الكونغو الديمقراطية تواجه تحديات كبيرة في القضاء النهائي على المرض. لكن الأمل يتجدد مع تطوير عقار جديد يُدعى أكوزيبورول، عبارة عن حبة واحدة فقط قادرة على إنهاء المرض نهائيًا، ومن المتوقع أن يتوفر بحلول عام 2026، ليُعزز فرص تحقيق الهدف الأكبر: القضاء التام على مرض النوم بحلول عام 2030.