ظهور البغدادي بهذه الصورة وبهذا التوقيت لا يمكن فهمه كونه جزءا من حملة دعائية للتنظيم لإثبات أنه ما زال على قيد الحياة.
لقد ظهر البغدادي في شريط مصور مدته ثماني عشرة دقيقة، وقد نشر الفيديو الخاص بظهور البغدادي عبر حساب تابع لتنظيم داعش، ويبدو أن الرسالة الأكثر وضوحا في هذا الظهور تمثلت في محاولة إثبات أن التنظيم ما زال موجودا وقادرا على الثأر لأعضائه سواء الذين ألقي القبض عليهم، أو الذين تم قتلهم في معارك مباشرة بمواجهة قوات وجهات دولية متفرقة تحيط بالموقع الجغرافي للتنظيم.
الرسالة خلف هذا الظهور لا بد من التفتيش عنها في طهران بالدرجة الأولى، لأنها العاصمة الوحيدة المستفيدة من تنشيط "داعش" في هذا التوقيت. ولا يمكن أن نستبعد أن تعمل طهران على استثمار أي وسيلة لتفادي وسائل الضغط السياسي والاقتصادي الذي تمارسه أمريكا تجاه إيران
في مقاربة يمكنها أن تفسر لنا بعضا من التوقعات المحتملة والتفسيرات الممكنة خلف هذا الظهور المفاجئ للبغدادي، يمكن أن نربطها مباشرة بحوادث مماثلة تاريخيا. ولعلنا نتذكر أنه في التاسع عشر من مايو من عام 2011، كان آخر ظهور مصور لقائد تنظيم القاعدة الذي قتل في باكستان، في بداية شهر مايو من العام نفسه، أي أن هذا التسجيل الذي تواجد فيه بن لادن سجل قبل مقتله بفترة بسيطة، ولكنه نشر بعد مقتله على يد القوات الأمريكية.
لماذا ظهر البغدادي بهذه الطريقة وبهذا الحديث حول تنظيم داعش؟ هذا سؤال مهم أيضا، فبحسب القياس التاريخي نحن أمام عدة فرضيات يمكنها أن تفسر لنا هذا الظهور الغريب للبغدادي، والذي كما يبدو من الصور المنشورة له أنه يتمتع بصحة، ولا يبدو أنه يعيش في مكان فيه شظف من العيش، بل من الواضح أنه يعيش في مكان آمن ولا يعاني من قلق كبير حول نفسه، فالطريقة التي يجلس بها في هذا الفيديو تشبه إلى حد كبير الطريقة التي كان بن لادن يظهر بها بحيث يضع سلاحا بجانبه، بالإضافة إلى ظهور خلفية بيضاء أو معتمة حتى لا يتم الاستدلال على ذات المكان الذي يتم فيه التصوير.
إحدى الفرضيات المحتملة أن يكون ظهور البغدادي في هذا التوقيت مرتبطا بعملية إيرانية، فقد يكون البغدادي في إيران وتحت حماية النظام الإيراني نفسه، أو على الأقل تحت حماية إيران في دول محاذية لها أو تؤثر فيها بشكل كبير، وبهذا الظهور أرادت إيران أن تذكر العالم وأمريكا التي تفرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها، أنه يمكن لإيران استضافة أعضاء تنظيم داعش كما فعلت وتفعل هي مع أعضاء القاعدة، الذين ما زال الكثير منهم يعيشون في إيران أو على الأقل على حدودها مع أفغانستان.
ظهور البغدادي بهذه الصورة وبهذا التوقيت لا يمكن فهمه كونه جزءا من حملة دعائية للتنظيم لإثبات أنه ما زال على قيد الحياة، بل هذا الظهور هو أكبر من هذا التفسير كما يبدو، فالرسالة خلف هذا الظهور لا بد من التفتيش عنها في طهران بالدرجة الأولى، لأنها العاصمة الوحيدة المستفيدة من تنشيط "داعش" في هذا التوقيت. ولا يمكن أن نستبعد أن تعمل طهران على استثمار أي وسيلة لتفادي وسائل الضغط السياسي والاقتصادي الذي تمارسه أمريكا تجاه إيران وهي مواجهة يبدو أنها تحسم بشكل تدريجي لصالح واشنطن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة