"الأكوابونيك" ساحر الأمن الغذائي.. تجارب عربية
13 دولة تقع تحت عتبة ندرة المياه المطلقة البالغة 500 متر مكعب للفرد سنويًا.
تعاني معظم الدول العربية من أزمة مائية حادة، إذ تقع 19 دولة عربية من أصل 22 دولة تحت العتبة السنوية لندرة الموارد المائية المتجددة البالغة 1000 متر مكعب للفرد و13 دولة تقع تحت عتبة ندرة المياه المطلقة البالغة 500 متر مكعب للفرد سنويًا.
يضع هذا المعدل ما يقرب من 392 مليون شخص في المنطقة العربية تحت ظروف مائية سيئة، وفقا لتقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) الصادر في 2021.
يتم توجيه 84 في المئة من هذه الموارد الشحيحة لقطاع الزراعة في المنطقة العربية، مما يجعلها من أكثر قطاعات الاقتصاد تأثراً فيما يتعلق بندرة المياه.
ويؤكد تقرير صادر عن البنك الدولي عام 2020، أن انخفاض بنسبة 20 في المئة في إمدادات المياه لبلدان الشرق الأوسط من شأنه أن يقلل بشكل كبير من إنتاجية المحاصيل.
على سبيل المثال، في حال تم خفض إمدادات المياه في العراق بنسبة 20 في المئة، فمن شأنه أن يؤدي إلى انخفاض بنحو 4 مليارات دولار في دخل عوامل الإنتاج لرأس المال في قطاع الزراعة.
من هنا افترض مؤلفو التقرير أن فقدان الأراضي الزراعية بسبب جفافها، سيؤدي إلى محاولات نقل الأنشطة الزراعية إلى مناطق أخرى، والتي يمكن أن تؤدي إلى إزالة الغابات وتدمير الموائل الطبيعية الأخرى.
تستمر هذه الأزمة في التفاقم، إذ حدد تقرير صادر عن الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) أنه بحلول عام 2025، سيكون نصيب الفرد من إمدادات المياه حوالي 500 متر مكعب للفرد الواحد في السنة، أو 15 في المائة مما كان عليه في عام 1960، حيث كان يبلغ وقتها 3300 متر مكعب للفرد الواحد في السنة.
قيمة مضاعفة
استوعب هشام حجاج "مستثمر" أن أزمة شُح المياه مبكرًا، وتحديدًا في بداية عام 2011، إذ بدأ في استغلال مساحة من الأرض وصل حجمها آنذاك حوالي 2000 متر في إقامة مزرعة اكوابونيك لإنتاج نباتات وأسماك عالية الجودة في مصر.
يُعرف الأكوابونيك أو الاستزراع النباتي السمكي، على أنه نظام يتم فيه زراعة النباتات في المياه بدون وسيط من التربة، حيث تنمو النباتات من خلال النفايات الناجمة عن الأسماك والتي تكون محملة بالعناصر الغذائية المثالية للمحاصيل الزراعية مثل الأمونيا.
تستهلك أنظمة الأكوابونيك كمية قليلة من المياه، حيث تحتاج هذه الأنظمة 10% فقط من المياه المستخدمة بالزراعة التقليدية سواء كانت للنباتات أو الاستزراع السمكي العادي، لذلك تساعد هذه الأنظمة على الحفاظ على موارد المياه المحدودة بالدول العربية.
يحكي هشام حجاج تجربته في زراعة الأكوابونيك لـ "العين الإخبارية" قائلًا: "تعتبر مزارع الأكوابونيك قيمة مضافة لي لأنها تمكني من زراعة منتجين بنفس التكلفة، كما أنها تزيد من الإنتاج سواء النباتي والسمكي مقارنة بالزراعة التقليدية".
يستطيع حجاج الحصول على 25 ألف وحدة من نبات الخس من ألفين متر فقط (حوالي نصف فدان) مزروعين بنظام الأكوابونيك، ويصل استهلاك المياه في نفس المساحة من 8 إلى 14 متر مكعب مياه بمتوسط شهري، في حين أن الفدان في الزراعة العادية يستهلك أكثر من 60 متر مكعب مياه شهريًا.
يحتاج الفدان الواحد في الزراعة التقليدية من 7 إلى 14 عامل، ولكن هشام حجاج يحتاج في فدان واحد مزروع بنظام الأكوابونيك عامل واحد فقط وبالتالي يستطيع توفير أجور العمالة، كما يمكن له زراعة من 130 إلى 200 سمكة في المتر المكعب الواحد من المياه، على عكس المزارع السمكية المفتوحة التي لا يزيد امكانياتها عن زراعة ثمانٍ سمكات في نفس المساحة.
بستان
فارس فراج مستمر أخر أيضا قرر تأسيس مزارع الأكوابونيك في مصر عام 2011، بعدما حصل على دورة تدريبية عن هذا النظام الجديد حينها بالخارج وأعجب به، وعندما عاد إلى مصر بدأ باختبار مشروع الأكوابونيك في مزرعة واحدة، ليؤسس بعد ذلك خمس وحدات تعمل بنظام الأكوابونيك، وتدشين شركة بستان للأكوابونيك.
كذلك يقول إسلام مجدي مدير مزرعة بستان لـ "العين الإخبارية"، نستطيع من خلال مزارعنا إنتاج حوالي 25 ألف طن أسماك سواء كانت بلطي أو جمبري أو أنواع آخري، وكذلك 35 ألف طن من النباتات، ومؤخرًا نستطيع زراعة كل أنواع النباتات، في البداية كنا نركز على الورقيات ولكن مؤخرًا استطعنا زراعة تقريبا كل أنواع النباتات سواء كانت ثمرية أو ورقية.
لا تتوقف مهمة شركة بستان فقط على زراعة مزارع الأكوابونيك الخاصة بها فقط وبيع الأسماك والمحاصيل للمستهلكين. إنما أيضا تقوم بمساعدة المستثمرين الصغار في افتتاح مزارعهم الخاصة، حيث تقوم بتصنيع الصناديق اللازمة للزراعة المائية، كما شاركت بستان في تأسيس مشروع دار أكوا في البحرين، وهي أول منشأة تجارية للأكوابونيك في البحرين.
أكدت دراسة بمجلة علوم البيئة وبحوث التلوث عام 2019، أن نظام الأكوابونيك هو آمن تماما ويمكنه إنتاج طعام عضوي عالي الجودة سواء كانت الأسماك أو النباتات، كما لا توجد مخاوف بشأن التكامل بين الأسماك والنباتات.
أكدت الدراسة أن الزراعة المائية يمكن أن تكون بديل قوي للزراعة التقليدية في المستقبل، وعلى المدى الطويل، يمكن أن يوفر نظام الأكوابونيك كميات هائلة من المياه المهدرة من خلال الزراعة التقليدية واستصلاح الأراضي بنسبة تصل إلى 85٪.
صنارة
من مصر إلى الأردن، تعلم محمد صيام، مؤسس شركة صنارة بالأردن، أنظمة الأكوابونيك من خلال دورات تدريبية في مصر بسبب غياب المختصين في هذا المجال بالأردن.
يقول محمد صيام مستمر أردني لـ "العين الإخبارية": "كان الهدف الرئيسي لتأسيس صنارة هو شغفي في مجال التنمية البيئية والاقتصادية، وأردت أن أقوم بإيصال هذا الشغف لجميع الأشخاص لتأسيس مشاريعهم الخاصة بالزراعة المائية سواء كانت على أسطح المنازل أو في الأماكن المفتوحة للمساعدة في تحسين الدخل الاقتصادي للأسر والنساء واللاجئين في المجتمعات المهمشة والبعيدة".
يضيف صيام أن أنظمة الأكوابونيك مناسبة لبيئة الأردن، لأن المملكة تعد واحدة من أفقر الدول المائية في العالم. ولأن أنظمة الأكوابونيك تساعد في تحقيق الأمن الغذائي بالأردن، لأنها تساعد في زراعة الأسماك الغير متاحة بسبب طبيعة الأردن المائية.
ويؤكد صيام أن التوجه الحالي في الأردن هو إيجاد زراعات قدر الإمكان صحية وبعيدة عن الكيماويات لذلك فإن أنظمة الأكوابونيك تلبي هذا الغرض لأنها تنتج منتجات عالية الجودة.
يزرع صيام في مزارع الأكوابونيك ثلاث أنواع من المحاصيل وهي الورقيات مثل الريحان والخس والسبانخ، والصليبيات مثل البروكلي والملفوف والزهرة والثمريات مثل الخيار والطماطم والفلفل.
يتبع صيام سياسة معينة في مشروعات الأكوابونيك وهو الزراعة بالطلب، يشرح ذلك لـ "العين الإخبارية" قائلًا: "نستغل إمكانية عدم الالتزام بمواعيد الزراعة التقليدية في الأكوابونيك ولذلك نقوم بإتباع نظام الزراعة بالطلب، حيث نسأل الفنادق والمطاعم الموجودة في محافظة جرش وهي محافظة تواجدنا عن المحاصيل التي يوجد بها نقص عندهم، ونقوم بزراعتها وهكذا نزرع ما يحتاجه المستهلك بالفعل، وبهذه الطريقة نقوم بالترويج لمنتجاتنا".
تحديات
اتفق هشام حجاج وإسلام مجدي "مستثمران" على أن مشروعات الأكوابونيك مازالت غير منتشرة بشكل كبير وخصوصا في مصر وذلك يعود للتكلفة الاستثمارية الأولية، لأنها تحتاج في البداية إلى ضخ مبلغ مالي ضخم لبدء المشروع.
أكدت هذه الأزمة، دراسة منشورة في مجلة علوم البيئة وبحوث التلوث عام 2019 والتي درست أنظمة الأكوابونيك في مصر، حيث أشارت إلى أن ارتفاع النفقات الرأسمالية والنفقات التشغيلية مقارنةً بالزراعة التقليدية هي أبرز تحديات أنظمة الأكوابونيك.
أضافت الدراسة إلى أن نظام الأكوابونيك له مزايا اقتصادية وبيئية أكثر من عيوبه، إلا أن هناك قيودًا تقنية واجتماعية يجب أخذها في الاعتبار بجدية والتي تتمثل في ارتفاع الطلب على المراقبة والتحكم والمعرفة الفنية التي قد لا تكون متاحة لصغار المزارعين، وكذلك تكاليف إعداد نظام الأكوابونيك عالية مقارنة بالزراعة التقليدية واستصلاح الأراضي، الأمر الذي سيحد من رواد الأعمال والشركات الناشئة من التنافس مع كبار المستثمرين. بالإضافة إلى ذلك، فإن الافتقار إلى الفنيين المهرة والعاملين في السوق يمثل قيدًا كبيرًا في مجال الزراعة المائية.
أوصت الدراسة إلى أنه هناك حاجة عاجلة للبحث والتطوير لتصميم أنظمة زراعة مائية ذات تكلفة معقولة والتي تستخدم المواد المحلية المتاحة لإعادة التدوير لتقليل التكلفة الرأسمالية.
لا يختلف الأمر كثيرًا في الأردن، فيقول م. محمود العوران، مدير عام اتحاد المزارعين الأردنيين لـ "العين الإخبارية": "إن مشروعات الأكوابونيك ناجحة ولكنها ما زالت في في حيز ضيق في الأردن، ومعظم العاملين بها إما فنيين أو متخصصين، ويرجع أسباب محدوديتها إلى ارتفاع التكلفة الكبيرة لها وعدم إمكانيتها تلبية الاحتياجات الأساسية من الثمار مثل البطاطس والجزر وكذلك ارتفاع أسعار الطاقة وعدم توافر العمالة المناسبة لها".
يؤكد العوران أن مؤسسة الإقراض الزراعي بدأت مؤخرًا في إعطاء قروض لصغار المستثمرين للبدء في مشروعات الأكوابونيك ويعتبرها خطوة جيدة للتخفيف من التحديات التي تواجه المستثمرين في هذا القطاع.
يقترح العوران: إضافة المزارعين العاملين بالزراعة المائية ضمن جمعيات تعاونية والهدف من ذلك حتى يكون هناك قاعدة بيانات تضمهم ويمكن الاستفادة من ذلك للتخفيف من عملية تكليفات الإنتاج لأن كما يقول الشراء مستحضرات الإنتاج بشكل جماعي يخفف من اسعارها.