ستتأثر الدول العربية بنمط العلاقات مع إدارة تتخوف من تداعيات ما جرى على استمرارها لفترة جديدة
واهم من يتصور أن العلاقات العربية الدولية ستبقى على وضعها الراهن بعد انتهاء أزمة كورونا طالت أو قصرت، وهو ما يجب الاستعداد له جيدا من الآن سواء على مستوى الجامعة العربية أو على مستوى العلاقات العربية-العربية من جانب، والعربية-الدولية من جانب آخر خاصة أن شبكة التحالفات العربية الكبرى والتقليدية على المستوى العربي ستتغير بفعل التوقع بحرص الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا على مراجعة مجمل سياستها بصرف النظر عن استمرار بعض هذه الدول في اتباع سياسات مكررة في الدعم والتواصل وتقديم المساعدات والمنح، لمواجهة تداعيات أزمة كورونا.
فبعض الدول قدمت مساعدات دولية عديدة استباقا لمطلب أمريكي طرح مؤخرا بضرورة أن تدفع الصين تعويضات دولية كبيرة للعالم، وبالطبع للولايات المتحدة جراء ما جرى، وهو ما ستطرحه دول أخرى لن تقتصر على ألمانيا وفرنسا فقط بل سيمتد لدول أخرى كبيرة وصغيرة على حد السواء، وفي ظل تطبيق نظرية الإيقاع بالضرر.
تملك الدول العربية في مجموعها فرصة ذهبية للعب دور حقيقي وفاعل في منظومة إقليمية ودولية معقدة، ورغم كل تحالفاتها الراهنة التي ترى بعض هذه الدول أنه من الصعوبة الخروج منها
ستتجه الولايات المتحدة لبناء تحالفات أكثر واقعية وبراجماتية وفقا لمعادلة الرئيس الأمريكي "النفقة والتكلفة والعائد"، وهو ما سيدفعه للبحث عن ثمن التحالف العربي مع إدارته.
وسيطبق ذلك مع دول حلف الناتو مكررا ما كان قد طرحه في الفترة السابقة من ضرورة أن تشارك الدول الأوروبية في ثمن الدفاع عن أمنها المعرض للخطر ليس فقط من خلال التطورات الخاصة بالحروب والمواجهات المقبلة التي ستتجاوز المواجهات التقليدية بل ستكون مواجهات من نوع آخر على رأسها حرب الفيروسات الجديدة والحرب البيولوجية وحروب الجيل الخامس التي بدأت بقوة في الإعلان عن نفسها وغيرها من الأولويات الجديدة.
وستتأثر الدول العربية بنمط العلاقات مع إدارة تتخوف من تداعيات ما جرى على استمرارها لفترة جديدة، وبالتالي سيفعل الرئيس ترامب المستحيل وسيتبع جميع الخيارات للاستمرار خاصة أن أقرب الحلفاء إليه وهي إسرائيل باتت تدرس خيارات التعامل مع الرئيس البديل، وهو جو بايدن ولهذا على الدول العربية إعادة ترتيب حساباتها وتقييماتها السياسية والاستراتيجية مع تنويع التحالفات والاتجاه إلى تأطير علاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي وروسيا بل القوى الصاعدة بقوة في النظام الدولي، وعلى رأسها الصين والهند واليابان ودول البريكست.
كما ينطبق الأمر على الجامعة العربية التي من المفترض أن تعيد ترتيب جدول أعمالها، وإلا فإنها ستبقى أسيرة مرحلة محددة خاصة أن قمتها الدورية لم تنعقد، ورحلت مبدئيا إلى شهر يونيو المقبل بناء على ما جرى بين الأمانة العامة والجزائر، وبالتالي ستخسر الدول العربية موقعها في المنظومة الدولية، ما لم تغير رؤيتها ومعطياتها السياسية والاستراتيجية في ظل التوقع بأن آليات التعاملات الدولية ستتغير بصرف النظر عن الحرص الأمريكي على بقاء مؤسسات التمويل الكبرى تؤدي دورها لإنقاذ اقتصاديات بعض الدول من جراء أزمة كورونا، وهو ما فعله صندوق النقد الدولي وهرع إلى تقديم مساعداته بدون دراسات أو بحوث مسبقة رغم التوقع بأن مجموعة الآسيان ستدخل على الخط مباشرة، وستقوم بدور مؤسسات التمويل الغربية في إطار منافسة جديدة على أرضية مرحلة ما بعد كورونا.
وبالتالي فإن هناك توقعا بإقدام دول مثل روسيا وفرنسا وألمانيا على الدخول في معترك النظام الدولي على المستوى السياسي وعدم البقاء في موقف المتابعين، وهو ما سيمثل ضغطا حقيقيا على الولايات المتحدة التي ما تزال تترأس النظام الدولي وتسعى للحفاظ على بنيته بدون تغيير أو مساس بما هو قائم.
تملك الدول العربية في مجموعها فرصة ذهبية للعب دور حقيقي وفاعل في منظومة إقليمية ودولية معقدة، ورغم كل تحالفاتها الراهنة التي ترى بعض هذه الدول أنه من الصعوبة الخروج منها إلا أن المقدرات العربية الكبيرة بمقدورها أن تلعب دورا حقيقيا في هذا الإطار إن توافرت الإرادة السياسية وتوحدت الرؤى بين الدول العربية المركزية، مع التأكيد الدائم والمستمر أن المصالح المشتركة والفوائد المتبادلة يجب أن تكون مدخلا لهذا التحرك الحقيقي.
كما أن الدول العربية مطالبة بتصحيح مسارات علاقاتها الخارجية من أجل استثمار تأثيرها الكبير والفاعل في القضايا الدولية، إضافة للقضايا العربية التي لم تحسم بعد، وتحتاج إلى تسويات حقيقية وليست تسويات منقوصة، وفقا لسياسات جزئية.
القضية ليست هبوط أسعار نفط أو مضاربات دولية أو تدني الوضع في البورصات العالمية والتخوف من حالة كساد عالمي، وإنما الأمر مرتبط بتصحيح مسار نظام دولي ظل نظاما أعرج لسنوات طويلة سواء فيما يجري في مجلس الأمن وخارجه أو في هيمنة الدول الكبرى على إدارة الثروات العالمية بما فيها الاستثمارات العربية التي ذهب بعضها في مجالات ومسارات عدة، ولصالح اقتصاديات الدول الكبرى.
يمكن للدول العربية أن تقول (لا) عمليا وليس نظريا في مواجهة ما سيجري ويخطط له من الآن، والمهم أن تتوافر القناعة العربية بأننا لاعب قوي وفاعل في النظام الدولي القادم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة