قبل أيام اختتم نادي دبي للصحافة الدورة الـ22 لمنتدى الإعلام العربي ضمن أعمال قمة الإعلام العربي.
حدث استثنائي ومميز ظل لأكثر من عقدين من الزمن يشكل أكبر تجمع للإعلاميين العرب، وفرصة سنوية لتبادل الخبرات ووجهات النظر بين أبناء المهنة إزاء القضايا التي تمس حاضر الإعلام واستشراف مستقبله.
وفي الحقيقة فقد تعودت المنطقة العربية على شكلين من الملتقيات؛ بعضها يشيخ وينقرض بسرعة.. وبعضها الآخر يترهل ويصبح حدثاً رتيباً، بينما دبي تقدم الشكل الثالث المتفرد، وهو ملتقى قادر على الاستدامة بنسخ متجددة ومبتكرة، وهو ما يجعلنا نتساءل عن سر بريق منتدى الإعلام العربي الذي لا يخبو أبداً.
ومن خلال متابعتي من كثب للتجمع الإعلامي الأكبر في المنطقة، على مدار السنوات الماضية، فقد رصدت مجموعة من العوامل المؤثرة التي جعلته يتصدر المشهد بلا منازع، ورسخته منصة تستقطب أبرز النخب الإعلامية من المحيط إلى الخليج.
ومفتاح السر في ذلك هو وجود رؤية واضحة، لدى القائمين على المنتدى متكئين في النجاح على دعم القيادة العليا، التي وضعت أسسه منذ مطلع الألفية الجديدة، كإحدى المبادرات التي تواكب التطورات التقنية المتسارعة والتحولات العالمية الدقيقة، وكان جلياً أن هذه الرؤية تعتمد بالأساس على أخْلَقة الحياة الصحفية في عالم اهتزت معاييره واختلطت مفاهيمه.
وهنا تقفز إلى الذاكرة كلمات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، منذ أول نسخة للمنتدى، حينما شدد على الحاجة إلى الحوار المثمر الذي يُغلّب صوت العقل والحكمة في تناول الإشكاليات المطروحة للنقاش.. والمتابع الحصيف لأعمال المنتدى يلاحظ حرص المنظمين على الالتزام بهذا المبدأ من خلال جعله منصة حوارية جامعة، لطرح الأفكار وليس لإطلاق الأحكام الجاهزة والمواقف المسبقة ضد هذا الطرف أو ذاك.
ولعل ما جعل بريق المنتدى يتلألأ في المنطقة العربية هو شخصية قيادية من طينة الكبار اسمها منى غانم المرّي، نائب الرئيس والعضو المنتدب لمجلس دبي للإعلام ورئيسة نادي دبي للصحافة، وهي مثال نموذجي للإدارة الناجحة التي تترجم الرؤية لواقع ملموس، وليس مستغرباً أن يصفها المقربون بأنها امرأة شجاعة وملهمة، تستمع لفريقها.. وتحفزهم وتُشركهم في اتخاذ القرارات، وتقف بنفسها على أدق التفاصيل، وقد التمست ذلك شخصياً عن كثب أثناء التحضيرات التي سبقت تقديمنا لحفل جوائز الإعلام العربي في دورته الــ 23.. فهي تحرص على أن تكون الأمور في جهوزية تامة وبأعلى المعايير والمستويات.
أما فريق العمل الخاص باللجنة المنظمة الذي لا يتجاوز عدده 60 شخصاً، فهم وقود المنتدى وبصمته المميزة، علّمتهم التجارب وصقلتهم السنون لتحويل الأهداف إلى واقع حقيقي، مع إنجاز المهام الموكلة إليهم باحترافية، وكلمة سرّ البقاء في الصدارة هو التحدي الذي يحمله الفريق على عاتقه من خلال الالتزام كل عام بتقديم الأفكار الجديدة ورفع جودة المنتدى شكلاً ومضموناً.
وبإطلالة سريعة على أجندة القمة فسترى عمق الموضوعات وتنوعها بـ 110 جلسات رئيسية بعناوين وزوايا تمس صلب اهتمامات الإعلام العربي الراهنة، يُثريها ما يقارب 300 متحدث متخصص من المنطقة العربية والعالم، وسط حضور لافت لـ4000 شخصية من قيادات إعلامية وكتاب ومفكرين وصناع محتوى بارزين.. وهنا تظهر حنكة الفريق في ضبط المحتوى ومواكبة التحولات الإعلامية بدقة وبمنتهى الرُّقي مع هذا العدد الهائل من الضيوف والزوار على اختلاف مسمياتهم ومناصبهم.
هذا إذا وضعنا في الاعتبار أيضا أن فريق العمل الصغير هو الذي يصنع الإنجاز بأنامل ذاتية، دون لمسات أو رتوش لشركات ومؤسسات خارجية، خصوصاً فيما يتعلق بالمضامين والتسويق والعمل الكبير على مواقع التواصل الاجتماعي.
والمدهش في منتدى الإعلام العربي، هو أناقته المستوحاة من حداثة دبي وفخامتها، وهي قيمة مضافة تساهم في تفرده وتجعل الضيوف في أروقته يشعرون بدفء المكان وألفته ويعيشون تجربة شيقة تمزج بين العراقة والمستقبل.
ولأن ثلاثية الإبداع والتجديد والابتكار هي الهدف الأسمى للمنظمين الذين يسابقون الزمن في كل عام، نرى أنه لا تخلو نسخة من إطلاق مبادرات نوعية خارج الصندوق، فكان نصيب العام: إطلاق جائزة الإعلام للشباب العربي "إبداع"، فضلاً عن توقيع تعهد الإعلام لدعم الشباب العربي وإعداد قيادات إعلامية شابة.
ومواكبة للتحولات في الإعلام الجديد، تم إطلاق برنامج البودكاست العربي لدعم المحتوى الصوتي الرقمي في المنطقة، كأحد مخرجات تقرير حال البودكاست العربي الأول من نوعه على مستوى المنطقة العربية، ليضاف الأخير إلى سلسلة التقارير المتخصصة التي يطلقها نادي دبي للصحافة باستمرار لمواكبة واستشراف مستقبل الإعلام العربي بمختلف قطاعاته.
الحدث الإعلامي الذي انطلق قبل نحو عقدين نراه اليوم يكبر ويتوسع حيث توج هذا العام بإطلاق "قمة الإعلام العربي" ليضم تحت عباءته ثلاثة منتديات وثلاث جوائز إعلامية هي: منتدى الإعلام العربي، والمنتدى الإعلامي للشباب العربي، وقمة رواد التواصل الاجتماعي العرب، وجائزة الإعلام العربي، وجائزة الإعلام للشباب العربي "إبداع"، وجوائز رواد التواصل الاجتماعي العرب.
ولا غَرْوَ بعد كل هذه الجهود المضنية والحثيثة أن يصبح هذا التجمع رقماً صعباً في المشهد الإعلامي ليس العربي فحسب بل وحتى الدولي، لذلك ليس من السهل منافسته أو مقارعته.
شكراً سعادة منى المرّي.. وشكراً الدكتورة ميثاء بوحميد مديرة نادي دبي للصحافة، لأنكما رفعتما السقف عالياً وربحتما الرهان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة