أثبتت المرأة على مر العصور قدرتها العلمية والمعرفية وإسهاماتها في مجال العلوم.
ولعلنا دائما نستذكر قول الشاعر حافظ إبراهيم في قصيدته "العلم والأخلاق": "الأم مدرسة إذا أعددتَها.. أعددت شعباً طيّبَ الأعراق".
ومن هذا المنطلق تكمن أهمية المرأة في بناء المجتمعات ورقيها بالأخلاق والعلم والمعرفة.
وللتمعن في دور النساء في مجالات العلوم والحياة العلمية نجد أنها ليست وليدة اليوم، فمنذ بزوغ فجر الحضارة الإسلامية كانت لهن مشاركات فعالة من خلال حضورهن مجالس العلم، بل غدت بيوتهن منارة مشعة للعلم والمعرفة، وتتلمذ على أيديهن العديد من العلماء والفقهاء والأدباء مثل: ابن حجر وغيره، وفق ما ورد في كتابه "المعجم المفهرس" وكتاب "المجالسة" لأبي بكر الدينوري وكتاب الإمام الذهبي "معجم شيوخ الذهبي"، إضافة إلى منحهن ألقابًا تناسبت مع تلك الإسهامات العلمية والفكرية النبيلة، منها: ستّ العلماء والفقهاء، ستّ الخطباء والقضاة، فخر النساء، وغيرها من الألقاب التي اختُصصن بها نتيجة دورهن في تطور المجتمع.
ونلاحظ بروز العديد من النساء في مجال علوم الصرفة والعلوم التطبيقية، كالطب والرياضيات والفلك، ومنهن "زينب" طبيبة "بني أود"، وفي الرياضيات "لبنى"، التي كانت كاتبة الخليفة الأموي المستنصر، وفي الفلك برزت عائشة بنت طلحة، وغيرهن من اللواتي كانت لهن بصمة واضحة في مجالات العلوم الأخرى.
في حقيقة الأمر، لقد حملت المرأة العربية رسائل في غاية الأهمية في تكوين المجتمع والنهوض به، وتمثلت هذه الرسائل في التربية والدور الاجتماعي وبناء الأسرة وإعداد الأجيال، إضافة إلى العلم والمعرفة، ومن خلال تلك الرسائل استطاعت أن توائم وتوازن بينها لكي تستكمل الصورة الموضوعية بين الأخلاقي والعلمي المعرفي التطبيقي.
لقد تواترت مراحل إسهامات المرأة في مجالات العلوم عبر حقب زمنية مختلفة، إذ كان لكل منها ظروفها وتحدياتها وتنوع مجالاتها، ويمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى تزامنت مع نشأة الحضارة الإسلامية، إذ لعبت دورا بارزا في تطورها.
المرحلة الثانية: كانت في العصور الوسطى، وقد أشار إلى تلك الفترة العديد من المؤرخين والمستشرقين والباحثين الذين سلطوا الضوء على دورها وإسهاماتها، ومنهم هامبلي في كتابه "المرأة في العصور الوسطى"، والمستشرق جولد تسهير، الذي تناول الدور الروحي للمرأة في الإسلام، وكذلك دراسات مايكل تشامبرلين حول الحياة الفكرية في دمشق خلال العصور الوسطى، وغيرهم من اللذين أكدوا دور المرأة وإسهاماتها، والتي بقي لها الأثر الواضح على المجتمعات.
أما المرحلة الثالثة، فهي في العصر الحديث، إذ نلاحظ حضورها بشكل فعال من خلال تعدد مشاركاتها، والتي يمكن أن نطلق عليها مرحلة النضوج الفكري والعلمي للمرأة، الذي تشكل نتيجة للتطور الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي، وأصبح لها دور مباشر وحيوي في هذه المرحلة، علاوة على كونه تحديا في آنٍ، لكنها استطاعت أن تبرز هذا الدور بشكل متكامل لتواكب مسيرة البناء، الذي انعكس على تقدم المجتمع.
وإذا ما أمعنا النظر في دور المرأة، لا سيما في العصر الحديث، نجد تنوع مشاركاتها في المجال العلمي والعملي والمهني، وكذلك التقني، ولم يقتصر دورها على الاجتماعي، إذ أصبحت معلمة وقاضية وأديبة ومهندسة وبرلمانية وسفيرة ووزيرة، بالإضافة إلى ممارستها المجالات العملية المهنية الصعبة، والتي كانت مقتصرة على الرجال، كالطيران بشقيه المدني والعسكري، ومن هنا خصصت الأمم المتحدة في الحادي عشر من فبراير "اليوم العالمي للمرأة" في ميدان العلوم، حيث يأتي هنا دور الدول والمجتمعات بالاهتمام بدور المرأة العربية وإتاحة الفرصة لها وتمكينها في مجالات العلوم والمعرفة كافة.
حقيقة لم يقف دور المرأة عند هذا الحد، بل اقتحمت مجال الفضاء، الذي كان يقتصر على نساء الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وبعض الدول الغربية، إلا أن المرأة العربية بوجه عام، والإماراتية على وجه الخصوص، بدأت تهتم بمجال الفضاء، حتى أصبحت تشكل ما نسبته ٤٥٪ من إجمالي القوى العاملة في قطاع الفضاء في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي شملت تصنيع الأقمار الصناعية وهندسة الفضاء وإسهاماتها في مشروع "مسبار الأمل"، الذي أطلقته دولة الإمارات بتاريخ 20 يوليو عام 2020 لاكتشاف المريخ، وأكمل مهمته بنجاح وتميز بدخوله في المدار في التاسع من فبراير عام 2021.
يأتي ذلك نتيجة اهتمام القيادة الرشيدة للدولة بتمكين المرأة وإشراكها في مجالات العلوم كافة، كما استمر دورها الحيوي بإعلان دولة الإمارات عن أول رائدة فضاء عربية إماراتية ضمن برنامج الإمارات لرواد الفضاء لتواصل مسيرة النجاحات العلمية والمعرفية.
للمرأة العربية طموح لا مُتناهٍ، واستمرارية للعلم وإصرار على التحدي لتصبح عضوًا فعالًا في المجتمع، وتسهم في رقيه، لتشكل نموذجًا مشرفًا متميزًا في مجالات العلوم والفكر المتقدم كافة، والذي نأمل أن ينعكس على الأجيال القادمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة