النمو الأخضر في العالم العربي.. حلم بيئي أم فرصة اقتصادية استراتيجية؟

تتمتع المنطقة العربية بموارد تساعدها على النمو الأخضر وتحقيق الاستدامة للأجيال القادمة.
استضافت المنطقة العربية 5 مؤتمرات للأطراف المعنية بالتغيرات المناخية، وهم: COP7 عام 2001 في مراكش بالمغرب، وCOP18 في الدوحة بقطر عام 2012، وCOP22 في مراكش بالمغرب مرة أخرى عام 2016، وCOP27 في شرم الشيخ بمصر، وCOP28 في دولة الإمارات العربية المتحدة. تفتح هذه النوعية من المؤتمرات الباب لرفع الوعي البيئي العام لدى الجمهور، كما تستفيد الدول المستضيفة بجذب استثمارات مستدامة وتعزز الشراكات التي تساعدها في توفير فرص للاستثمار في قطاعات الطاقة المتجددة وإدارة المياه والزراعة المستدامة وغيرهم من القطاعات، إضافة إلى أنّ استضافة مؤتمرات الأطراف المعنية بالتغيرات المناخية تحفز الدول المستضيفة إلى الاتجاه نحو الاقتصادات الخضراء منخفضة الكربون.
وخصص منتدى "هيلي" الذي يختتم فعالياته اليوم الثلاثاء في أبوظبي، جلسة بعنوان "النمو الأخضر: تعزيز التحول الطاقي" بهدف إلقاء الضوء على فرص الاستثمارات في مشروعات الاقتصاد الأخضر والتحديات التي تواجه دول المنطقة نحو تحقيق التحول الطاقي.
- الإمارات تستهدف الريادة في الذكاء الاصطناعي وتعزز ثقافة الأمن السيبراني
- التكنولوجيا والأمن السيبراني والتعليم.. ثالوث النظام العالمي الجديد
وعند النظر إلى المنطقة العربية، نجدها من أكثر المناطق تأثرًا بآثار التغيرات المناخية على مستوى العالم؛ بسبب موقعها الجغرافي وظروفها الجغرافية؛ إذ ترتفع درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2 درجة مئوية مقارنة بمناطق العالم الأخرى.
نحو الطاقة المتجدد
تتمتع المنطقة العربية بوفرة من موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مقارنة بمناطق العالم الأخرى، ما يجعلها بيئة مناسبة لاستقبال واستقطاب مشاريع الطاقة المتجددة، وبالفعل في أثناء COP29 انطلقت معاهدة لمضاعفة الطاقة المتجددة 3 مرات بحلول 2030، وتستثمر العديد من الدول العربية منها:
1- جمهورية مصر العربية
تشجع مصر الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة، ولعل أبرز مشاريعها في هذا الصدد: مجمع بنبان للطاقة الشمسية، والذي يُعد أحد أكبر مجمعات الطاقة الشمسية في العالم، ويهدف لإنتاج كهرباء بقدرة تصل إلى 1465 ميجاوات. هناك أيضًا مشاريع الرياح في منطقة خليج السويس، وهو مشروع ينتج نحو 1.1 جيجاوات في الساعة. كما تعمل مصر على مشاريع للهيدروجين الأخضر.
2- الإمارات العربية المتحدة
تهتم الإمارات العربية المتحدة بالاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة أيضًا، ولديها استراتيجية الإمارات للطاقة النظيفة، ما يعكس طموحها للانتقال نحو الطاقة المتجددة، ومن أبرز مشاريع الطاقة المتجددة فيها: مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في دبي، ومحطة نور أبو ظبي للطاقة الشمسية، وتستثمر أيضًا في مشاريع تحويل النفايات إلى طاقة.
3- المملكة العربية السعودية
تهتم المملكة العربية السعودية بمشاريع الطاقة المتجددة أيضًا، بل وتُعد جزءًا أساسيًا في رؤية عام 2030 للمملكة، لتحقيق الاستدامة البيئية، والانتقال نحو مصادر الطاقة المتجددة، وتتنوع مشاريعها، نذكر منها: مشروع سكاكا للطاقة الشمسية ومشروع سدير للطاقة الشمسية ومشروع دومة الجندل لطاقة الرياح. إضافة إلى خطط لمشاريع الهيدروجين الأخضر.
يقول الدكتور "جواد الخراز"، الرئيس التنفيذي ومؤسس، شبكة خبراء المياه والطاقة والمناخ (WECEN) والمدير التنفيذي السابق، المركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة (RCREEE)، للعين الإخبارية: "التحول الطاقي في المنطقة العربية أحدث طفرة في السنوات الأخيرة"، ويرى الخراز أنّ هناك فرقًا واضحًا بين انتشار الطاقة المتجددة اليوم في الدول العربية وقبل 20 عامًا؛ حيث كانت تستخدم دول قليلة الطاقة المتجددة مضطرة لأنها لا تملك موارد البترول، لكن اليوم التحقت أغلب الدول العربية للانتقال الطاقي، وهناك بعض الدول التي تدعم مشاريع الطاقة المتجددة، مستخدمين أموالًا من الصناديق السيادية.
أوضح الخراز في حديثه مع العين الإخبارية أنّ هناك العديد من الدول العربية مثل المغرب ومصر، خلقت أسعارًا تنافسية للطاقة الشمسية، ما يجعل تلك البلاد محط أعين المستثمرين. وأضاف قائلًا للعين الإخبارية: "لكن يجب أخذ بعين الاعتبار أن يكون هذا الانتقال عادل ويشمل كل الفئات المجتمعية". وتابع: "يجب أن يكون هناك إدماج لجميع فئات المجتمع للاستفادة من هذا الانتقال الطاقي". مشددًا على ضرورة أخذ الاعتبارات البيئية بعين الاعتبار.
الزراعة المستدامة
تعمل العديد من الدول العربية اليوم على تعزيز قطاع الزراعة ليصبح أكثر استدامة، وذلك عبر تطوير تقنيات الزراعة الذكية مناخيًا، وترشيد استهلاك المياه من خلال تقنيات الري الحديث، وإدخال الطاقة الشمسية كمولدات لضخ المياه لري الأراضي الزراعية. هذه العوامل من شأنها أن تساهم في تطوير قطاع الزراعة وجعله أكثر استدامة؛ خاصة وأنّ العديد من الدول العربية تعتمد على الزراعة بصورة أساسية في اقتصادها، ما يجعل الاستثمار في هذا القطاع ضرورة تعود بالنفع على الاقتصاد العام للبلاد، ومن أمثلة ذلك، استخدام مياه الصرف المعالجة في الزراعة في بعض الدول مثل الأردن، والتي بالفعل تعاني من ندرة المياه.
وهناك بعض الدول مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية تستثمر في الزراعة المائية، وهو خيار جيد بالنسبة لدول بيئتها الأساسية صحراوية؛ فهذا يساعدها في زراعة محاصيلها الغذائية بدلًا من الاستيراد، بل ويمكن تطوير الأمر حتى تصبح تلك الدول مصدرًا لبعض المحاصيل، ما يزيد الناتج المحلي الإجمالي ويعزز الاقتصاد. هناك أشكال أخرى لتطوير تقنيات الزراعة الذكية مناخيًا، مثل: الزراعة الرأسية أو الزراعة بدون تربة.
إدارة المياه
تعاني العديد من الدول العربية، من بينها: الأردن ولبنان وتونس ومصر ودول الخليج من ندرة المياه، وهذا يعني أنّ نصيب الفرد من المياه في تلك الدول أقل من نصيب الفرد العالمي، فما كان من تلك الدول إلا أن تتجه نحو تطوير آليات واستراتيجيات للتعامل مع تلك الأزمة التي تفرضها مواقعها الجغرافية. على سبيل المثال، لدينا دول الخليج ومصر والأردن، تلك الدول تتوسع في تحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي، ومن ثمّ إعادة استخدامها، وهناك بعض الدول التي تطور تقنيات لتعزيز كفاءة استخدام المياه في القطاعات التي تستنزف كميات هائلة من المياه مثل الزراعة وكذلك في المناطق الحضرية.
دعم الابتكارات الخضراء
تدعم العديد من الدول العربية الابتكارات الخضراء الداعمة للبيئة، وكذلك الشركات الناشئة لمشاريع بيئية والمبادرات الشبابية المهتمة بالعمل البيئي، وقد انتشرت حاضنات الأعمال البيئية بصورة ملحوظة في العديد من الدول العربية أبرزهم الإمارات ومصر ولبنان وتونس والسعودية. كما تتطور مشاريع توظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة البيئة.
كل تلك الأشكال المذكورة للنمو الأخضر تساهم بصورة كبيرة في تحقيق الاستدامة في بلاد المنطقة العربية المختلفة؛ خاصة وأنّ الجيل الناشئ يركز جهوده على العمل البيئي، ما يُعطي إشارات وبشائر عن مستقبل أخضر للاقتصاد العربي. مع ذلك، تبرز العديد من التحديات، وهناك حاجة للانتظار لسنوات قد تطول أو تقصر بحسب السياسات البيئية العالمية، حتى نرى نتيجة واضحة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTMxIA== جزيرة ام اند امز