إعلان جدة.. آمال عريضة وتخوفات مستقبلية
رافعة شعار الإصرار على مواجهة التحديات، ورافضة أن تتحول المنطقة إلى ميادين للصراعات، اختتمت قمة جدة أعمالها، وفي بيانها الختامي الكثير من القضايا، التي تأمل شعوب المنطقة، أن تتحول ما تمخضت عنه لحلول لأزماتهم.
واختتمت القمة العربية الـ32 أعمالها في مدينة جدة يوم الجمعة، بالتأكيد على ضرورة وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، والرفض التام لدعم تشكيل المليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة، إضافة إلى أهمية تعزيز العمل العربي المشترك المبني على الأسس والقيم والمصالح المشتركة والمصير الواحد.
وحمل بيان القمة الختامي الكثير من القضايا في جعبته؛ من الأزمة اليمنية، والسورية، مرورًا بالقضية الفلسطينية والأزمة السودانية، إلى الأزمة الأوكرانية، مؤكدًا على أن الصراعات العسكرية الداخلية لن تؤدي إلى انتصار طرف على آخر، وإنما تفاقم معاناة الشعوب وتثخن في تدمير منجزاتها وتحول دون تحقيق تطلعات مواطني الدول العربية.
فهل يمكن صياغة موقف عربي موحد؟
يقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، الدكتور طارق فهمي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن إعلان جدة الذي تمخض عن القمة، رسم ملامح نظام إقليمي عربي جديد لمواجهة التحديات والمخاطر مع الدول ذات الوزن في الإقليم مثل دولتي الإمارات ومصر.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن إعلان جدة جيد وجاء بشكل شامل لكثير من القضايا العربية محل الاهتمام، إلا أنه قال إن "الأهم توفر الإرادة العربية لتنفيذ تلك القرارات الصادرة، والتعامل بواقعية فيما يواجهه الإقليم من تحديات".
وفيما قال إن الوقت الحالي يمثل فرصة ذهبية لصياغة موقف عربي موحد تجاه القضايا الإقليمية والدولية، أشار إلى أن هناك توافقات كثيرة وحرصًا عربيًا على القيام بدور في هذا الملف الآن.
وقف التدخل الخارجي
في السياق نفسه، قال الكاتب والمحلل السعودي عبد الله الودعاني، إن القمة التي وصفها بـ"الناجحة" عُقدت في وقت مهم لوجود عدد من الملفات في المنطقة تحتاج إلى الالتفات لها، وتعاون عربي صادق لإغلاقها بشكل مناسب.
وأوضح الباحث في العلاقات الدولية في حديث لـ"العين الإخبارية" أن إعلان جدة تناول ملفات "هامة"؛ أبرزها: الصراعات الداخلية في السودان، وسبل تهدئة الأوضاع وفق خطة محكمة، والقضية الفلسطينية وسبل الحد من التصعيد الإسرائيلي، بالإضافة إلى وضع آلية لإعادة إعمار سوريا وضمان عودة اللاجئين إلى وطنهم.
وأشار إلى أن إعلان جدة تطرق -كذلك- إلى الأزمة اليمنية وسبل تهدئة الأوضاع في اليمن، والتحديات التي تواجه الاقتصاد العربي والتقليل من آثارها السلبية، بالإضافة إلى سبل تعزيز الجانب الأمني في الإقليم العربي ومكافحة الإرهاب والإتجار بالمخدرات، وغيرها من الملفات.
وحول الملف السوري، قال إن فترة الانقطاع السابقة بين الدول العربية وسوريا والتي استمرت لأكثر من 10 سنوات لم تكن وسيلة مناسبة لتهدئة الأوضاع بالداخل السوري ولم تحقق مخرجات مقبولة، مؤكدًا أن وضع خطة دبلوماسية بديلة بات أمرًا "هامًا".
شمعة مضيئة.. لكن
بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي السعودي محمد سالم الغامدي، إن 31 اجتماعاً سابقاً للقادة العرب "لم تحقق أدنى طموحات وآمال الشعوب العربية، مما جعلها تترك أثراً سلبياً أفقدهم الثقة في تلك اللقاءات، التي كانت في غالب الأمر تخرج عن مطالب الشعوب".
وأوضح المحلل السعودي، أنه "من الصعب أن تتحقق تلك الآمال في لقاء واحد، إلا أن الواقع يقول إن لقاء قمة جدة الـ32 قد أضاء شمعة في آخر النفق، وأصلح الكثير من التراكمات السلبية وأعاد للشعوب العربية بعض الآمال المستقبلية".
ورغم الحضور العربي الكثيف في القمة الـ32 وما سبقها من محاولات سعودية لترميم الثغرات؛ أملا في تمهيد الطريق لمستقبل عربي، إلا أن المحلل السياسي قال: "علينا أن نتريث في أحكامنا لنرى ماذا ستسفر عنه تلك القرارات؛ فقد تكون كسابقاتها".
وأضاف: مثل هذه الأمور تستوجب التريث لعدة أشهر؛ لكن ما أثلج صدورنا في هذا اللقاء تحديداً، تلك الروح الأخوية التي خيمت على اللقاء ونتج عنها الكثير من الاتفاقات التي تضمنها الإعلان والتي أرى أنها قد فتحت الباب لقرارات مستقبلية أكثر أهمية".
وأشار إلى أن الاجتماعات المستقبلية قد تناقش قضايا عدة؛ في مقدمتها إعادة صياغة نظام الجامعة العربية المتقادم، واستحداث مجلس أمن عربي وسوق عربية مشتركة وعملة عربية موحدة، ونظام تعليم عربي موحد، ونظام قضائي موحد وأنظمة أخرى تسهم في قيام وحدة عربية شاملة.
لكن ما أسباب حضور الرئيس الأوكراني؟
يقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، الدكتور طارق فهمي، إن حضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، كان "هامًا" لنقل رسالة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة عدم وضع عثرات أمام عودة سوريا إلى الحضن العربي والجامعة العربية.
فيما يقول الباحث في العلاقات الدولية، عبد الله الودعاني، إن السعودية أكدت "حرصها على استغلال ثقلها السياسي والاقتصادي في تهدئة الأوضاع في الإقليم العربي والعالمي وصون الأمن والسلم الدوليين".
واستدل على رؤيته بالدعوة التي وُجهت للرئيس الأوكراني من لدن ولي العهد السعودي على هامش القمة، مشيرًا إلى أنها تهدف لإيجاد حل لهذه القضية التي لها آثار مترتبة على الاقتصاد العربي والعالمي.